ءَامَنَ: ءامن بالمد وردت في الكتاب المنزل معداة
باللام وبالباء، وتعني التعدية باللام التصديق من المعاصر كما آمن لوط لإبراهيم،
وآمن لموسى ذرية من قومه على خوف من بطش فرعون فكتموا إيمانهم وكما استنكف أكابر قوم نوح أن يؤمنوا له وقد تبعه من يعدونهم من
الأرذلين، وتراءى الأسباط لأبيهم كالصادقين ليؤمن لهم ولا يخفى أن لوطا قد عاصر
إبراهيم وأن ذرية من بني إسرائيل قد عاصروا موسى وأن قوم نوح قد عاصروا نوحا وأن
بني يعقوب إخوة يوسف قد عاصروا أباهم.
وأما الإيمان المعدى بالباء فيقع على الغيب
المنتظر يوم نزل القرآن قبل أن يصبح شهادة في آخر أجل الأمة أو في اليوم الآخر ،
وهكذا مدلول الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر كله.
أما الإيمان بالله فلأنه لن يرى في الدنيا كما
هي دلالة قوله ﴿الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به﴾ غافر، ويعني
أنهم وهم المقربون من الملائكة يؤمنون بالله ولم يروه بعدُ وهم يعلمون أنهم سيرونه
في يوم الحساب وعْدا من الله كما هو مدلول تسبيحهم بحمد ربهم وكما فصلت في بيان
اقتران التسبيح مع الحمد.
وأما الإيمان بالملائكة واليوم الآخر فظاهر
كذلك أنهما من الغيب في الدنيا وسيشهد العالمون جميعا بعد البعث للحساب كلا من
الملائكة واليوم الآخر.
وأما الإيمان بالقدر كله فلإيمان المؤمن أن ما
أصابه من القدر لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه منه لم يكن ليصيبه، فالقدر مسطور في
اللوح المحفوظ غيب يؤمن به المؤمن قبل أن يقدّر عليه كما في قوله ﴿قل ما كنتُ بدعا
من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم﴾ الأحقاف، أي لم يطلع على القدر المغيب عنه
قبل وقوعه.
وأما الإيمان بالكتب المنزلة من عند الله فهو
من الغيب لتضمنها غيبا في الدنيا لم يقع بعد نفاذه كما كما هو مدلول التكليف
بالإيمان بالغيب إضافة إلى التكليف بالإيمان واليقين بالآخرة.
وأما الإيمان برسل الله فلأن الدين الذي جاءوا
به وهو الكتاب والبيّنات لم ينقض ما فيهما من العلم والوعد والتكليف ولا يزال
الخطاب به قائما كالتكليف بالإيمان بالغيب في سورة البقرة وبالإيمان بالكتاب كله
في آل عمران.
ويعني قوله ﴿قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن
للمؤمنين﴾ براءة، أن النبي صلى الله عليه وسلم يؤمن بالله لدلالته على الغيب إذ لم
يره في الدنيا ويصدّق النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين فلا يكذبهم فيما يزعمون
إذ كان صلى الله عليه وسلم على خلق عظيم .
وإن من تفصيل الكتاب المنزل أن ﴿الذين آمنوا﴾
حيث وقعت في الكتاب فإنما هم صحابة النبي أو الرسول الذين آمنوا به إيمانا مستأنفا.
أما صحابة نوح فهم الموصوفون في قوله:
ـ ﴿وما أنا بطارد الذين آمنوا﴾ هود
ـ ﴿وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من
قد آمن﴾ هود
ـ ﴿وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما
آمن معه إلا قليل﴾ هود
وأما صحابة هود فهم الموصوفون في قوله ﴿ولما
جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ﴾ هود.
وأما صحابة صالح فهم الموصوفون في قوله:
ـ ﴿ قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين
استضعفوا لمن آمن منهم﴾ الأعراف
ـ ﴿فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا
معه برحمة منا ومن خزي يومئذ﴾ هود
ـ ﴿ وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون﴾ النمل
ـ ﴿ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون﴾ فصلت
وأما صحابة شعيب فهم الموصوفون في قوله:
ـ ﴿ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل
الله من آمن به﴾ الأعراف
ـ ﴿قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك
يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا﴾ الأعراف
ـ ﴿ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا
معه برحمة منا﴾ هود
وآمن لوط بإبراهيم كما في قوله ﴿فآمن له لوط﴾
العنكبوت.
وأما صحابة موسى فهم الموصوفون في قوله:
ـ ﴿قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه
واستحيوا نساءهم﴾ غافر
ـ ﴿فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه﴾ يونس
ـ ﴿وقال الذي آمن﴾ مكررة في غافر
وأما صحابة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم
فهم الموصوفون في قوله:
ـ ﴿لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا
بأموالهم وأنفسهم﴾ التوبة
ـ ﴿ما كان للنبيِّ والذين آمنوا أن يستغفروا
للمشركين ولو كانوا أولي قربى﴾ التوبة
ـ ﴿إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهـذا
النبي والذين آمنوا﴾ عمران
أما المؤمنون فهم أعم من صحابة الرسول أو النبيِّ
إذ تقع كلمة المؤمنين على الرسول والذين آمنوا معه كما في قوله ﴿ولقد أرسلنا من
قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا
نصر المؤمنين﴾ الروم، وتقع على الصحابة كالذين آمنوا كما في قوله ﴿إنما المؤمنون
الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله
أولئك هم الصادقون﴾ الحجرات، ولتسميتهم بالمؤمنين رد على الذين يزعمون أنهم مؤمنون
ويتخلفون عن الرسول يرغبون بأنفسهم عن نفسه، ويقع الوصف بالمؤمنين على المؤمنين من
الأمة الذين لم يدركوا النبي صلى الله عليه وسلم ابتداء من التابعين للصحابة فمن
يأتي بعدهم ...
0 التعليقات:
إرسال تعليق