لوط لعله وحده مَن آمن بإبراهيم الرسول بالآيات
إلى الملك الذي حاجّه، آتاه ربه حكما وعلما وجعله رسولا بالآيات الخارقة للتخويف
والقضاء كإخوانه المرسلين المعدودين في سورة الشعراء وفي الصافات، ثم هو بعد تدمير
قومه المجرمين المسرفين نبي من النبيين كما هي دلالة تعداده في سورة الأنعام.
وقد وصف لوط
قومه بأنهم سبقوا إلى إتيان الفاحشة، ولما راودوه قومُه عن ضيفه من الملائكة
خاطبهم بقوله ﴿هؤلاء بناتي هن أطهر لكم﴾ هود، ومن المثاني معه قوله ﴿هؤلاء بناتي
إن كنتم فاعلين﴾ الحجر، وإنما أراد لوط استعادةَ الفطرة في قومه كما في قوله ﴿أتأتون
الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم ﴾ الشعراء، أي فروج النساء
لأنهم كانوا يأتون الذكران من البشر ومن البقر والحمير والإبل والغنم وهم من
العالمين وإنما الذكر والأنثى على الأرض وهي ما كانت في متناولهم، وإذا تم لِلُوطٍ
إعادةُ قومِه إلى الفطرة تيسر له أن يخاطب فيهم العقل والبصيرة أما قبل ذلك فلا.
إن الذي جنح
إليه المفسرون من التأويل هو من الأباطيل ومنه قولُهم إنما يعني لوط نساء أمته فهم
بناته ويرده قوله ﴿قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق﴾ هود، ويعني أنهم علموا
أنه يصف بناته لا بناتهم اللاتي لا سلطان له عليهم.
إن الله لم يعتب
على لوط تضحيتَه ببناتِه لاستعادة فطرةِ قومِه بأنهن أطهر لهم من الفاحشة بالذكور
وإنما وصفه بأنه آتاه حُكما وعلما وأنه من المحسنين وأنه فضله على العالمين وآتاه
الكتاب والحكم والنبوة كما في سورة الأنعام.
ومن عجب القرآن أن الرسول لوطا لم يخاطب قومَه
بالعبادة وإنما بما يُشترط لها وهو التطهر بالتخلي عن الفاحشة، خاطبهم بالتكليف
الأول فلو أجابوا لخوطبوا بالتكليف اللاحِقِ وإلا لم يتجاوز خطاب المرحلة الأولى
كما لم يتجاوز لوط دعوة قومِه إلى الطهارة والعودة إلى الفطرة فرحم الله لوطا،
وإنه لمن تأصيلنا فقه المرحلة وكذلك تدرُّج موسى رسول رب العالمين بالآيات إلى
فرعون وملئه إذ بدأ بخطاب فرعون أن يُرسل معه بني إسرائيل وأن يكفَّ عن تعذيبهم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق