يوم: لقد تضمن تفصيل الكتاب المنزل معانيَ متعددة لليوم منها:
ـ ستة أيام خلق الله فيها السماوات والأرض كما هو مفصل في سورة فصلت ويقصر طالب علم مثلي عن دراية مقدارها.
ـ أيام تدبير الأمر كما في قوله ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ السجدة، وقوله ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ الحج، ومقدار كل يوم منها ألف سنة من سِني أهل الأرض وهي السنوات الشمسية والحرفان في سياق تأكيد نفاذ وعد الله ولو تراءى الوعد للمؤمنين به بعيدا أو استعجله المكذبون إنكارا.
ـ جزء من الزمن جامع بين ليل ونهار بمقدارهما المعلوم ومنه تكليف الحاج بالدعاء في أيام معلومات ومعدودات، وكما حسب أصحاب الكهف بعد بعثهم أنهم لبثوا يوما أو بعض يوم وهم رقود، وكما حسب الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه أنها يوم أو بعض يوم، وكما سيحسب المجرمون حين البعث أنهم قد لبثوا في الأرض يوما أو بعض يوم أو عشرا.
ـ دلالته على النهار خاصة دون الليل كما في قوله ﴿فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ﴾ البقرة، وإنما تقع عبادة الصوم في النهار خاصة كما هو صريح دلالة اليوم في قوله ﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ﴾ الحاقة، وقوله ﴿سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ﴾ سبأ، إذ تضمن فصلا وتمييزا عن الليل.
ـ دلالته على مدة التمكين بالملك والظهور في الأرض، ووعد الله بمداولة التمكين في الأرض للناس ابتلاء منه لكل الأجناس وأهل الأديان ومنه قول رجل مؤمن من آل فرعون يخاطبهم ﴿يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ أي ممكنين لا يغلبكم متغلب.
وإن لله أياما أهلك فيها المجرمين أعداء الرسل بالآيات من قبل وهي الموصوفة على لسان رجل مؤمن من آل فرعون كما في قوله ﴿وَقَالَ الذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم يَوْمَ التَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ﴾ غافر، وكلّف الله موسى أن يذكّر قومه بأيّام الله أي يخوّفهم منها ووعد الله في القرآن المكذبين أن سيأتيهم في الدنيا يوم من أيّام الله كما في قوله ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ هود، ويعني أن لم تنقض بعدُ أيّام الله بل لا تزال البشرية على موعد مع عذاب يوم عقيم يوم يبطش ربنا بالمجرمين البطشة الكبرى منتقما منهم فيُولون الدُّبُر حين يرون الملائكةَ والروحَ فيها تتنزل بالعذاب وذلك يومُ الفتح الذي كلّف النبيّ الأمّيّ والمؤمنون بالقرآن بانتظاره كما في آخر سورة السجدة ووعد بتحقيقه في سورة المائدة وهو يومٌ معلوم له وقت معلوم بينته في بياني سورة القدر وسيقطع الله فيه دابر المجرمين أجمعين ومنهم الصّاغرون وشيخهم إبليس العاجزين عن إبطال الآيات الخارقة الموعودة، ووقع في تفصيل الكتاب وصفُه باليوم العقيم والعظيم وغيرهما وبينته ضمن معاني كل منها.
ـ يوم كان القرآن يتنزل أي مدة حياة الرسول النبي الأمي صلى الله عليه وسلم بعد الوحي إليه كما في قوله ﴿لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ مريم.
وعجبي من المفسرين والمحدثين كيف رغبوا عن تدبر القرآن فلم يعدّوا العدّة للأيام التالية:
ـ يوم القضاء ويوم الحسرة كما في قوله ﴿وَهُوَ الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ في سورة الأنعام وبينته في مادة القضاء، وظهر تأخر القضاء عن نزول القرآن لاقترانه باقتراب أجل السماوات والأرض كما هي دلالة قوله ﴿وَهُوَ الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِالْحَقِّ﴾ للتذكير بالفناء والبعث والحساب أي لم يخلقهما عبثا لغير غاية وكما هي دلالة قوله ﴿وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ﴾ مما يعني أنهما يومان مختلفان أما أحدهما فهو القضاء المنتظر يوم يقول ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ﴾ وأما ثانيهما فهو يوم ينفخ في الصور، فقوله ﴿وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ﴾ عطف على قوله ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ﴾ والمعنى أن رب العالمين يوم يقول ﴿كن﴾ فيكون قد قضى قضاء لن يسع المؤمنين الكفرُ به وذلك قبيل يوم ينفخ في الصور واليومان غيب لم يقعا بعد وقوله ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ إنما جاءت بصيغة المستقبل على نسق قوله ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ﴾.
وقد تضمن تفصيل الكتاب المنزل تِبيان يومين موعودين بعد يومِ تنزُّلِ القرآن في قوله ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضُ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾ مريم، إذ وقعت تسمية ثلاثة أيام يوم يأتون ربهم للحساب بعد البعث ويوم كان القرآن يتنزل على النبيّ الأمّيّ صلى الله عليه وسلم وهو اليوم المعرف بأل وكان الظالمون خلاله في ضلال مبين عن القرآن والرسول به، أما ثالثها فهو الذي كُلّف الرسول بالقرآن النبيّ الأمّيّ صلى الله عليه وسلم أن ينذره الظالمين في قوله ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ وهو اليوم الموعود في الدنيا محل الإيمان والغفلة إذ لا كفر ولا غفلة في يوم القيامة يوم يأتون ربهم للحساب بل ما أسمعهم وما أبصرهم يومئذ.
إن يوم الحسرة الذي سيقضى فيه الأمر فجأة هو يوم يقول الله فيه ﴿كن﴾ فيكون أي أن قوله ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ في سورة الأنعام من المثاني مع قوله ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ وهو يوم قبيل الساعة كما في  تفصيل الكتاب بعده ﴿إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضُ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُون﴾، ولعل يوم الحسرة هذا ةيوم يقول كن فيكون هو:
ـ يوم تأتي آياتُ ربنا الخارقة للتخويف والقضاء بين الفريقين كما في قوله ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ﴾ ومنها يوم يُصبِح الماء غَوْرا ويوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس وبينته في الآيات.
ـ يوم يفرح المؤمنون بنصر الله العزيز الرحيم، وبينته في مادة النصر.
ومن الأيام الآتية بعد مرحلة الموت والفناء:
ـ يومٌ هو بين الموت والبعث أو ما يسمى بالبرزخ ومنه قوله ﴿تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ النحل، وقد بينت في مادة الولاية أن ولِيّ الله هو من رحمه الرحمان فنجّاه من العذاب وأن ولِيّ الشيطان هو من وقع عليه العذاب كما هي دلالة قول الصدّيق النبيّ إبراهيم ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَانِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا﴾ مريم، ويعني أن الذين كذّبوا الرسل بالآيات قبل نزول القرآن ومنهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين والمؤتفكات وقوم إبراهيم وغيرهم، لا يزال كل منهم منذ دمّرهم الله بالعذاب في الدنيا في عذاب إلى يوم البعث وكما في المثاني معه في قوله ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا﴾ في سورة نوح أي أن المكذبين من قوم نوح ماتوا بالغرق ولا يزالون يعذبون في البرزخ بالنار.
ـ يوم تُطوَى السّماء فتمور مورا وتسير الجبال سيرا وتُدَكُّ الأرض والجبال فتقع الواقعة.
ـ يوم يُنفَخ في الصور ويُنقَر في الناقور لإعلان يوم الخروج يوم البعث وذلك يوم عسير على الكافرين غير يسير لعله والله أعلم كخمسين ألف سنة من سِنِي أهل الأرض يبدأ بنداء المنادي كما في قوله ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ﴾ الإسراء، أي تخرُجون من القبور أجمعون لا يتخلّف منكم أحد كما بينت في مادة الحمد وينتهي باليوم الآخر باستقرار كل من الفريقين في منزله.
ـ يوم الجمع ويوم التغابن كما في قوله ﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمً التَّغَابُنِ﴾ ويعني أن الفريقين ليسوا سواء منهم الذين آمنوا يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ويقابلهم المجرمون المكذبون بآيات ربهم يحشرون على وجوههم عُميا وبكما وصما.
ـ يوم القيامة ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا﴾ ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ و ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ وقد بلغ الكرْب مَبلغا جعل الرسل والنبيين يضرعون بدعائهم المعلوم "رب سلّم سلّم" ووقع في تفصيل الكتاب وصفه باليوم الثقيل وباليوم الحق وغيرهما من الصفات وبينته في كل منها.
ـ يوم الدين ويوم الحساب وهو ﴿وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ ليوم الفصل ويوم يُجاء بجهنم و ﴿يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا﴾، وَلقد أشفق الصّدّيق النبي الخليل إبراهيم منه كما في قوله ﴿وَالذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾.

ـ اليوم الآخر ويوم الخلود حين يستقر في كل من الجنة والنار أهلها.

1 التعليقات:

  1. جزاك الله خيرا سيدي الحسن. ...علم نافع وموعظة بليغة

    ردحذف

 
Top