بيان قوله ﴿ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾
إن الولِـيَّ هو من ألقيت إليه بالمودة وأسررت إليه بها كما في قوله ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة﴾ الممتحنة، وقوله ﴿تُسِرُّون إليهم بالمودّة﴾ الممتحنة، أي تُوالونـهم في الحالين يُسرا وعُسرا، أمنا وخوفا.
وإن من تفصيل الكتاب وأصول الخطاب أن أولياء الشيطان هم من قد مسّهم عذاب أهلكهم في الدنيا كما في قوله ﴿يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمان فتكون للشيطان وليا﴾ مريم، ويعني أن من عذّب في الدنيا فقد أصبح وليا للشيطان.
وقوله ﴿تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزيّن لهم الشيطان أعمالهم فهو وليُّهم اليوم ولهم عذاب أليم﴾ النحل، ويعني أن القرون الأولى وهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم قد أهلكوا في الدنيا بعذاب من عند الله فكانوا أولياء للشيطان منذ نزل عليهم العذاب ولا يزال الشيطان وليّهم اليوم وإن لهم في الآخرة عذابا أليما أي أن الشيطان هو وليّهم كذلك في الآخرة.
أما أولياء الله فهم الذين نجّاهم الله من العذاب الذي أهلك به القرون الأولى أي هم الذين آمنوا ونجاهم الله مع كل من نوح وهود وصالح ولوط وشعيب ...
ومنه قوله ﴿ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون﴾ النمل، ويعني أن ثمود قد أهلكوا جميعا إلا أولياء الله منهم وهم الذين آمنوا وكانوا يتقون وكذلك وصفهم في قوله ﴿وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون ونجّينا الذين آمنوا وكانوا يتقون﴾ فصلت، ووصف الله الذين آمنوا وكانوا يتقون أنهم هم الناجون من العذاب مع رسول الله صالح.
ووصف الله الذين آمنوا وكانوا يتقون من هذه الأمة أنهم هم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون كما هي دلالة المثاني في قوله:
ـ ﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون﴾  فصلت
ـ ﴿ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم  ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا هو السميع العليم﴾ يونس 
ـ ﴿يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار﴾ إبراهيم
ـ ﴿قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين﴾ البقرة
ـ ﴿قل نزّله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين﴾ النحل
ـ ﴿إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب﴾ الأنفال
ـ ﴿إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة  منزلين  بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هـذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوين  وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم  ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم  فينقلبوا خائبين﴾ عمران
ـ ﴿ويريد الله أن يحق الحق بكلماته  ويقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل  ولو كره المجرمون  إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة  مردفين وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم﴾  الأنفال
ـ ﴿هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما﴾ الفتح 
ـ ﴿وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ﴾ الشورى
ومن البصائر في قوله ﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون﴾ فصلت، أن الملائكة ستتنزل على الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا  وتكلمهم كما في قوله ﴿أن لا تخافوا ولا تحزنوا﴾ ويعني أنهم سيتنزلون لأمر ذي هول وفزع وسيراهم الناس جميعا فاحتاج الذين آمنوا إلى بشرى وتثبيت، ويعني قوله ﴿وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون﴾ أنهم لن يُفْتَنوا أبدا وهو من الموعود المتأخر المتقدم بيانُه كما هو تفصيل الكتاب في خطاب المؤمنين لإيمانهم بالغيب، وأن الموعود المتقدم المتأخر ذكرُه هو قوله ﴿نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا﴾ أي أن الملائكة ستُنجّي المؤمنين من العذاب الذي سيحلّ على المجرمين، والقول الثابت الذي سيثبّت الله به الذين آمنوا في الحياة الدنيا كما في حرف إبراهيم والنحل والأنفال فلا يفزعون من تنزل الملائكة  بالعذاب هو البشرى من الملائكة في فصلت وهي من المثاني  مع حرف يونس ﴿لهم البشرى في الحياة الدنيا﴾ وكما في قوله ﴿وهـذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ الأحقاف، وهو وعد من الله في حرف الأحقاف والنحل والبقرة أن يسلم أولياءه وهم الذين آمنوا وكانوا يتقون، أي  يُنَجّيهم من العذاب الموعود بعد نزول القرآن كما نجّى أولياءه من قبل لما أراد أن يهلك قوم نوح وقوم لوط وعادا وثمود وأصحاب الأيكة ومدين كما هو مدلول قوله ﴿لا تبديل لكلمات الله أي كلمات الله﴾ التي أهلك بها عدوه من قبل ونجّى بها أولياءه كما في قوله ﴿ويريد الله أن  يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليُحِقَّ الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون﴾ الأنفال، ولن يقع شيء من ذلك بجهود المؤمنين وإنما بأمر خارق ولم يقع في هـذه الأمة هـذا الوعد إلى يومنا هـذا إذ لم يُقطَعْ دابرُ الكافرين، بل هم اليوم أكثر نفيرا وأولوا بأس شديد، ولقد قطع الله  من قبل بكلماته دابر آل فرعون كما في قوله ﴿قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصْلح عمل المفسدين ويُـحِقُّ الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون﴾ يونس، فنجّى  بها موسى ومن معه أجمعين وأغرق بها فرعون وجنوده أجمعين، ولم يقع شيء من ذلك بجهود بني إسرائيل ولا بجهود موسى وهارون.
إن قوله ﴿ويُحِقُّ اللهُ الحقَّ بكلماته ولو كره المجرمون﴾ يونس، من قول موسى قد وقع لما ضرب بعصاه البحر فانفلق ونجّى الله موسى ومن معه أجمعين وأغرق فرعون وجنوده، ومن المثاني معه وعدا في الآخرين بعد نزول القرآن قوله ﴿ويريد الله أن يُـحِقَّ الـحقَّ بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليُحقّ الـحقّ ويبطل الباطل ولو كره المجرمون﴾ الأنفال، وهو من الوعد المنتظر الذي لم يقع بعد بل إن أهل الباطل اليوم أكثر نفيرا وأولوا بأس شديد، ويوم يقع نفاذ الوعد سيتم استخلاف أهل الحق وتمكينهم في الأرض واستئصال أهل الباطل بكلمات الله إذا وافقت الأجل الذي جعل الله لها ليقع النصر من الله العزيز الذي قضى بتأخيره ووعد بإنفاذه وإن تأخر لحكمة بالغة هي حكمة الحكيم.
وإن البشرى للذين آمنوا في الحياة الدنيا كما في حرف فصلت لـهِيَ القول الثابت الذي سيثبتهم الله به في الدنيا كما في حرف إبراهيم فالذين آمنوا سيرون الملائكة تبشرهم في الآخرة فكذلك سيرونها تبشرهم في ليلة القدر.
ويعني تثبيت الذين آمنوا في ليلة القدر أنهم سيرون الملائكة معها العذاب والفزع لكن لن ينالهم من الملائكة إلا البشرى والتثبيت ليقوموا ليلة القدر إيمانا واحتسابا يصلون ويدعون ربهم وهم موقنون ببشارة الملائكة أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع ولهم سيما يعرفون بها وعلى الخيل العاديات ضبحا، فيغفر الله لهم ما تقدم من ذنوبهم كما في الأحاديث النبوية الصحيحة.
ويعني قوله ﴿ويضل الله الظالمين﴾ إبراهيم، أنه سيضلهم عن أسباب النجاة من العذاب في فجر ليلة القدر ويعذبهم ويذهبهم فلا يُعانـي منهم الذين آمنوا أبدا بل تكون العاقبة للمتقين.
إن رُوح القدس جبريل الذي نزّل القرآن على قلب خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم سيثبت الذين آمنوا في ليلة القدر بالقرآن كما هو المتلو منه والمقروء في فصلت ويونس وإبراهيم وكما هي دلالة حرف البقرة والنحل والأنفال وأول الفتح.
ويعني حرف عمران والأنفال أن الملائكة في بدر لم تقاتل وإنما كانت بشرى للمؤمنين ولتطمئن قلوبهم إلى أن الله سينصرهم بها إذا تنزلت في ليلة القدر الموعودة بأمر ربها الذي أهلك به الأولين، وإن تأخر النصر بالملائكة قرونا كثيرة حتى يذوقوا الهوان والذل والصغار هو من قضاء الله، ووعد بنفاذه.
ويعني حرفا عمران والأنفال أن إنزال ألف من الملائكة مردفين بألف أو ألفين تأتي بعدهم لتتم ثلاثة آلاف من الملائكة منزلين قد تنزلوا في بدر بشرى بالنصر الموعود في ليلة القدر التي سيمد ربنا فيها المؤمنين بخمسة آلاف من الملائكة مسومين.
وإن السكينة التي أنزلها الله في قلوب المؤمنين الذين بايعوا النبي الأميّ كما في حرف الفتح هي اطمئنان قلوبهم كما في حرف عمران والأنفال، وليقعن مثله للمؤمنين في ليلة القدر.
وإن قوله ﴿وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوّا كبيرا يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمان وكان يوما على الكافرين عسيرا﴾ الفرقان، ليعني حوادث منفصلة في يومين مستقبلين بعد نزول القرآن وهما من الوعد والغيب الذي لا إيمان لمن لم ينتظره ويؤمن به أنه آت ...
وقد تضمن تفصيل الكتاب المنزل تِبيان يومين موعودين بعد يومِ تنزُّلِ القرآن في قوله ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضُ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾ مريم، إذ وقعت تسمية ثلاثة أيام يوم يأتون ربهم للحساب بعد البعث ويوم كان القرآن يتنزل على النبيّ الأمّيّ صلى الله عليه وسلم وهو اليوم المعرف بأل وكان الظالمون خلاله في ضلال مبين عن القرآن والرسول به، أما ثالثها فهو الذي كُلّف الرسول بالقرآن النبيّ الأمّيّ صلى الله عليه وسلم أن ينذره الظالمين في قوله ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ وهو اليوم الموعود في الدنيا محل الإيمان والغفلة إذ لا كفر ولا غفلة في يوم القيامة يوم يأتون ربهم للحساب بل ما أسمعهم وما أبصرهم يومئذ.
إن يوم الحسرة الذي سيقضى فيه الأمر فجأة هو يوم يقول الله فيه ﴿كن﴾ فيكون أي أن قوله ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ في سورة الأنعام من المثاني مع قوله ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ وهو يوم قبيل الساعة كما في  تفصيل الكتاب بعده ﴿إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضُ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُون﴾.
إن حرف الفرقان يعني أن الذين لا يرجون لقاء ربهم سيرون الملائكة مرتين أولاهما في الدنيا فلا يستبشرون بل يفزعون من العذاب ولا فوْت لأحد منهم بل يقولون حجرا محجورا مقرّين بمنعهم من أسباب النجاة وأنهم قد حيل بينهم وبين ما يشتهون ويومئذ يتم تدمير ما بنوْه من البروج والمصانع وما أترفوا فيه فيصبح هباء منثورا.
أما أصحاب الجنة بما تبشرهم بها الملائكة في الدنيا يومئذ فهم خير مستقرا وأحسن مقيلا إذ وقع عليهم نفاذ وعد الله الذي نبّأ به نوحا والنبيين من بعده ونبّأ به خاتم النبيين في القرآن ﴿قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين﴾ هود، ويعني أن العاقة للمتقين وعد سيتم نفاذه بعد أن يمسّ أمما مُتِّعوا في الحياة الدنيا عذاب أليم، وقد كانت العاقبة في نهاية كل أمّة من قبل للمتقين وهم أولياء الله من قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب ولكن لم تنقض النبوة بل نبّأ الله بها النبي الأمي صلى الله عليه وسلم في القرآن ووصفها بأنها من أنباء الغيب التي أوحيت إليه وأمره بالصبر قبلها أي بانتظارها.
أما اليوم الثاني في حرف الفرقان فهو يوم البعث يوم تشقق السماء بالغمام وتنزل الملائكة تنزيلا ليقوم الحساب وهو يوم كذلك عسير على الكافرين.  
إن أصحاب الجنة هم الذين ستتنزل عليهم الملائكة في ليلة القدر تبشرهم كما في قوله ﴿ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا﴾ فصلت، وكما في قوله ﴿ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا﴾ يونس، فهم أصحاب الجنة لما سيكون عليهم من سيما يعرفون بها فلا يختلطون بغيرهم وهم الموصوفون في قوله ﴿قل كل متربص فتربَّصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوِيِّ ومن اهتدى﴾ في آخر طه.
وأما أصحاب النار فهم الذين ستتنزل عليهم الملائكة في ليلة القدر كما في قوله ﴿وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعَتَوْ عُتُوًّا كبيرا يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حِجرا محجورا وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا﴾ الفرقان، ومن المثاني معه قوله ﴿ولو ترى إذ فزعوا فلا فوْت وأُخِذوا من مكان قريب وقالوا آمنا به وأنّى لهم التناوش من مكان بعيد وقد كفروا به من قبل ويَقذفون بالغيب من مكان بعيد وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فُعِل بأشياعهم من قبلُ إنهم كانوا في شك مريب﴾ سبأ، أي هم الذين سيرون كل أمر من العذاب تتنزل به الملائكة في ليلة القدر فيفزعون ويحاولون الهروب فإذا بالملائكة تحتجزهم فيقولون ﴿حجرا محجورا﴾ اعترافا منهم باستحالة النجاة، في فجر ليلة القدر.

﴿من كل أمر﴾
ويقع أمر الله في تفصيل الكتاب المنزل على وعْدِه وقضائه كما في المثاني:
ـ  ﴿قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين﴾ هود
ـ ﴿من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا﴾ النساء
ـ ﴿قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرّتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور﴾ الحديد
ـ ﴿قل إن كان آباؤكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين﴾  براءة
ـ ﴿فاعفوا واصفحوا حتى يأتـيَ الله بأمره إن الله على كل شيء قدير﴾ البقرة
ـ ﴿أتى أمر الله فلا تستعجلوه﴾ النحل
وبينته في مادة أمْر من المعجم.
أما أمْر ربنا في تفصيل الكتاب المنزل فيقع على استئصال المجرمين خاصة بعذاب لا قِبَلَ لهم به ولم يك في الحسبان.
إن قوله ﴿فإذا جاء أمرنا وفار التنور﴾ الفلاح، وقوله ﴿حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور﴾ هود، ليعني أن أمر ربنا هو العذاب بالطوفان الذي أغرق به قوم نوح.
وإن قوله ﴿ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ﴾  هود، ليعني أن أمر ربنا هو العذاب الغليظ بالريح العقيم الذي أهلك به عادا الأولى.
وإن قوله ﴿فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة ومن خزي يومئذ﴾ هود، ليعني أن أمر ربنا هو الصيحة التي أخذت ثمود وأخزتهم فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها.
وإن قوله ﴿إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود﴾ هود، وقوله ﴿فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل  منضود  مسومة عند ربك﴾ هود، ليعني أن أمر ربنا هو العذاب الذي أهلك به قوم لوط .
وإن قوله ﴿ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا﴾  هود، ليعني أن أمر ربنا هو الصيحة التي أخذت مدين فأصبحوا في ديارهم جاثمين.
وإن قوله ﴿ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد وما ظلمناهم ولـكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب﴾ هود، ليعني أن أمر رب النبي الأمي صلى الله عليه وسلم هو العذاب الذي أهلك به المجرمين المكذبين قبل نزول القرآن.
وإن قوله ﴿ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم﴾ الأعراف، ليعني أنهم باتخاذهم العجل قد تعجلوا أمر ربهم أي عذابه في الدنيا.
وإن من المثاني قوله:
ـ ﴿ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد وما ظلمناهم ولـكن ظلموا أنفسهم  فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة﴾ هود
ـ ﴿هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولـكن كانوا أنفسهم يظلمون فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون﴾ النحل 
ـ ﴿من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر﴾
ـ ﴿وكذبوا واتبعوا أهواءهم  وكل أمر مستقر﴾ القمر
ومن البصائر في حرف هود أنه كما أهلكت القرى من قبل بأمر رب النبي الأمي أي بعذاب من عنده فإن القرى القائمة بعد نزول القرآن ستهلك به كذلك.
ومن البصائر في حرف النحل أن المكذبين في هـذه الأمة إنما ينتظرون أن تأتيهم الملائكة في ليلة القدر أو يأتيهم في مطلع فجر ليلة القدر العذاب الذي عذب به الأولون، ومن القرائن في حرف النحل دلالة نفي الظلم عن الله على تدمير أمة من الأمم وعذابها.
ومن البصائر في حرف القدر أن كل أمر عذب به الأولون ستتنزل به الملائكة في ليلة القدر، وأن ليلة القدر سلام على المجرمين إذ لن يصيبهم فيها شيء من العذاب حتى مطلع الفجر، فإذا طلع الفجر استقر عليهم كل أمر عذب به الأولون كما هي دلالة حرف القمر.
إن أمر ربنا الذي أَهلكَ به الأولين وسيُهلِكُ به الآخرين هو الموصوف في قوله ﴿وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ولقد أهلكنا أشياعَكم فهل من مدكر﴾ القمر، أي هل من عاقل يذّكّر فينجو بالإيمان من أمر ربنا الموعود.
ولقد أهلك العذابُ المستأصلُ الأممَ المكذبة قبل نزول القرآن، ولم يك عذابا من نوع واحد إذ لم يهلكوا جميعا بالطوفان ولا بالريح العقيم ولا بالصيحة ولا بالصاعقة ولا بعذاب الظلة ولا بالإغراق وإنما وقع العذاب بكل أمر منه جملة على الأمم المكذبة من قبلُ واختصت كل أمة بنوع واحد من العذاب، ونبّأ الله هذه الأمة بأن تتنزل الملائكة والروح في ليلة القدر بكل أمر عذّب به الأولون ليقع استئصال المجرمين في آخر الأمة بكل أمر عذب به الأولون وحسب التأصيل التالي:

﴿وللكافرين أمثالها﴾
إن من تفصيل الكتاب وبيان القرآن أن المِثل بكسر الميم وإسكان الثاء ليس هو عين الشيء وإنما على شاكلته ونحوه ووصفه بل قد يتأخر المثل عن مماثله تأخرا معلوما في الزمن ويختلف عنه في المكان.
ولا يخفى في حرف الممتحنة تكليف الجماعة المسلمة أن يُؤتوا من رغبت عنه منهم زوجته إلى الكفار من المال مِثْل ما أنفق عليها يعني مهرها ولا يعني تكليفهم أن يجمعوا له المهر السابق ذاته مما أكل وتلف وفرق بين الناس.
وقد مسّ الذين آمنوا في غزوة أحد قرح مِثْلُ الذي مسّ المشركين غي غزوة بدر، وليس هو نفس القرح الماضي المنقضي.
وهكذا كانت الرسل بشرا مثل المرسل إليهم يأكلون الطعام ويشربون مما يشربون، ولم تخلق مدينة مثل إرم ذات العماد في بلد آخر، ويجزي اللهُ المؤمنين بحسنة هي الجنة مثل حسنة العمل الصالح في الدنيا.
ونتبيّن من قوله ﴿وخلقنا لهم من مثله ما يركبون﴾ في سورة يـس، أن الله قد جعل للبشرية بعد إغراق قوم نوح سفنا مثل سفينة نوح ولا يعني تلك التي صنعها نوح بيديه.
وإن من الذكر من الأولين قوله ﴿ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد﴾ هود، ولم يك تخويف شعيب قومه هزلا ولا تسلية بل قد أصابهم من العذاب مثل ما عذّب الله به المكذبين قبلهم إذ أخذتهم الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كما أخذت ثمود.
وقوله ﴿وقال الذي آمن  يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم﴾ غافر، ولم يك تخويف رجل مؤمن من آل فرعون قومه هزلا ولا تسلية بل قد أصابهم من العذاب مثل ما عذّب الله به المكذبين قبلهم إذ أغرقوا كما أغرق قوم نوح.
وإن من المثاني معه أي من الوعد في الآخرين أي في هذه الأمة في قوله:

ـ ﴿فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون﴾  خاتمة الذاريات

 ـ ﴿فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود﴾ فصلت

ـ ﴿أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمّر الله عليهم وللكافرين أمثالها﴾ في سورة محمد
ـ ﴿فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا إني معكم من المنظرين﴾ يونس
ونتبيّن من حرف الذاريات أن الله وعد النبي الأميّ صلى الله عليه وسلم في القرآن أن يصيب الذين ظلموا في آخر الأمة عذاب مثل العذاب الذي أهلك به أصحابهم وهم الذين ظلموا من قوم نوح والذين من بعدهم، وكذلك كلّف الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم في سورة فصلت أن ينذر المعرضين عن الإسلام صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود.
ونتبيّن من حرف القتال أن الكافرين في هـذه الأمة موعودون بمثل ما دمّر الله به مَن قبلهم مِن الأمم المكذبة ولن يجدوا يومئذ وليّا من دون الله ينجيهم من العذاب الموعود.
 ونتبين من حرف يونس أن مثل أيام الذين خلوا من قبل وهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم سيأتي على المكذبين في هـذه الأمة.
إن قوله ﴿ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد كدأب آل فرعون والذين من قبلهم  كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين﴾ الأنفال، لمن المثاني مع قوله ﴿إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب قل للذين كفروا ستغلبون﴾ عمران، ونتبيّن منه أنه كما استؤصل بالعذاب في الدنيا آلُ فرعون ومَن قبلهم من الأمم كقوم نوح والأحزاب من بعدهم وبمثل ما أهلكوا به سيستأصل الذين كفروا في هـذه الأمة، كما هي دلالة قوله ﴿كدأب﴾ في الحرفين أي مثله.
وإن المثاني في قوله:
ـ ﴿ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين كذلك نفعل بالمجرمين﴾ المرسلات
ـ ﴿ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين﴾ يونس
ـ ﴿فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين﴾ الأحقاف
ونتبيّن منه أن المجرمين المكذبين في آخر هـذه الأمة سيعذبون كما عذِّب المجرمون الأولون كما هي دلالة قوله ﴿كذلك﴾ في أحرف المرسلات ويونس والأحقاف أي مِثله.
ويعني أن سيقع مثل العذاب الذي عذبت به القرون الأولى وتضمن القرآن تفصيله للذكر وهو الطوفان والريح العقيم والصاعقة والصيحة وعذاب يوم الظلة والخسف والمطر بحجارة من سجيل منضود مسومة عند ربنا للمسرفين والإغراق.
ولم يقع في تفصيل الكتاب المنزل بيان العذاب الذي دمّر الله به قوم إبراهيم رغم ثبوت استئصالهم بالعذاب في الدنيا ونتبينه من المثاني:
ـ ﴿ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون﴾ براءة
ـ ﴿فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين﴾ الصافات، في شأن إبراهيم
ـ ﴿وأرادوا به فجعلناهم الأخسرين﴾ النبياء، في شأن إبراهيم
ـ ﴿وما أنتم بمعجزين في الأرض﴾ العنكبوت، من خطاب إبراهيم قومه
ولم يقع في تفصيل الكتاب المنزل بيان العذاب الذي دمّر الله به قوم إلياس ونتبينه من قوله ﴿فكذبوه فإنهم لمحضرون إلا عباد الله المخلصين﴾ الصافات.

أما قوم تبّع فلعلهم أهل سبإ والله أعلم وقد أرسل الله عليهم سيل العرم ولعلهم الموصوفون في سورة النحل وضرب الله بقريتهم مثلا في القرآن ﴿وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ولقد جاءهم رسول منهم فكذّبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون﴾، ومضى في حرف سورة ق بيان إهلاك قوم تبّع بالعذاب في الدنيا كما في قوله ﴿كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد﴾ سورة ق، ومن المثاني معه قوله ﴿أهم خير أم قوم تبّع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين﴾ الدخان.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Top