﴿وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب﴾
إن
قوله:
ـ
﴿قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانَهم من القواعد فخَرَّ عليهم السقفُ من
فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ثم
يوم القيامة يخزيهم﴾ النحل
ـ
﴿كذَّب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون فأذاقهم الله الخزيَ في الحياة الدنيا﴾ الزمر
ـ
﴿قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه
ويحل عليه عذاب مقيم﴾ هود
ـ
﴿ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب
وارتقبوا إني معكم رقيب﴾ هود
ليعني
أن المكذبين من قبل قد أتاهم العذاب في الحياة الدنيا فأهلكوا به، وكذلك وعَد اللهُ
بمثله في هـذه الأمة كما في المثاني معه:
ـ
﴿وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب
دعوتك ونتبع الرسل﴾ إبراهيم
ـ
﴿قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم﴾ الزمر
ـ
﴿قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب
جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم
لا تنصرون واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم
لا تشعرون﴾ الزمر
ـ
﴿قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون﴾ الأنعام
ـ
﴿قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون أثم إذا ما
وقع آمنتم به ءالآن وقد كنتم به تستعجلون﴾ يونس
ـ
﴿وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتِيَهم سُنَّةُ
الأولين أو يأتيَهم العذاب قبلا﴾ الكهف
ـ
﴿ولئن أخَّرنا عنهم العذابَ إلى أُمَّة معدودة ليقولُنَّ ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس
مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون﴾ هود
ـ
﴿كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم فيأتيهم بغتة
وهم لا يشعرون فيقولوا هل نحن منظرون أفبعذابنا يستعجلون أفرأيت إن متعناهم سنين
ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يُمَتَّعون﴾ الشعراء
ـ
﴿ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم
عقيم﴾ الحج
وتعني
أن العذاب في الدنيا كالذي أهلك به المكذبون من قبل سيأتي كذلك على المكذبين من
هـذه الأمة.
ويعني
حرف إبراهيم ﴿وأنذر الناس يوم يأتيهم العذابُ فيقول الذين ظلموا ربنا أخِّرنا إلى
أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل﴾ أنه الوعد بالعذاب في الدنيا موطن التكليف
بالإيمان واتباع الرسل وبقرينة تَمنِّيهم التأخير وإنما هو التأخير عن الموت كما
في قوله المثاني ﴿وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا
أخرتني إلى أجلٍ قريب فأصَّدَّقَ وأكن من الصالحين ولن يؤخِّر اللهُ نفسا إذا جاء
أجلها﴾ المنافقون، وقوله ﴿وقالوا ربنا لِمَ كتبْتَ علينا القتال لولا أخَّرتَنا إلى
أجل قريب﴾ النساء، أما في اليوم الآخر فإنما يتمنى الأشقياء المَرَدَّ إلى الحياة
الدنيا موطن التكليف كما في قوله تعالى ﴿وترى الظالمين لما رأوُا العذاب يقولون هل
إلى مرَدٍّ من سبيل﴾ الشورى، وقوله ﴿ولو ترى إذ وُقِفوا على النار فقالوا يا ليتنا
نُرَدُّ ولا نكَذِّبَ بآيات ربنا ونكون من المؤمنين﴾ الأنعام، وما كان الله ليكلف
نبيَّه بإنذار عذاب وهميٍّ لن يكون.
ويعني
ثاني الزمر الوَعْدَ بعذاب يأتي الذين أسرفوا على أنفسهم في الحياة الدنيا بقرينة
حالِه بغتة وحالِهم أنهم لا يشعرون، أما العذاب في اليوم الآخر بالنار فمسبوق
بالبعث وبالموقف العريض يوم القيامة وبالحساب يوم الدين أي لا يصح وصفه بالمباغت،
وكذلك القرينة في حرف الأنعام بالوعد بالعذاب بغتة أو جهرة وفي حرف يونس بالوعد
بالعذاب بياتا أو نهارا ولا يصح تأويله بالعذاب في اليوم الآخر.
ويعني
حرف الكهف أن المكذبين لن يؤمنوا حتى يأتيهم العذاب قبلا أي أنواعا متقابلة منه،
فتعذب طائفة بالإغراق، وطائفة بالريح العقيم، وطائفة بالصاعقة، وطائفة بالصيحة وبالرجفة
وبالخسف والحاصب.
ويعني
حرف هود أن العذاب إنما أُخِّر عن هـذه الأمة إلى أجل معدود معلوم ليقع على أمَّة
معدودة معلومة هي فلان وفلان من المتأخرين خلف فرعون وجنوده أي هو الوعدُ به في
الدنيا.
ويعني
حرف الشعراء أن المجرمين من هـذه الأمة لن يؤمنوا بالقرآن حتى يروُا العذابَ
الأليم الذي كانوا يستعجلونه سيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون وهم غافلون فيما مُتِّعوا
به سنين قبله فإذا رأوه آمنوا وسألوا الإنظار أي تأخير العذاب الذي كانوا
يستعجلونه.
ويعني
حرف الحج أن الذين كفروا لن يزالوا في شك وتردد حتى تأتيَهم الساعة بغتة وهو الوعد
المتأخر، تقدم بيانه في سياق خطاب المؤمنين بالغيب، وتأخَّر بيان الوعد في الدنيا بعذاب
يوم عقيم.
إن
العذاب العقيم هو الذي لا حياة بعده بل سيُهلِـك المكذِّبين به وكذلك الريح العقيم
كما في قوله ﴿وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته
كالرميم﴾ الذاريات، إذ جعلت بعد سبع ليال وثمانية أيام ما أتت عليه كأنما فَنِيَ
وتآكل في الأرض منذ مئات السنين حتى أضحى كالرميم وهي العظام التي يفتتها
اللمس وهي أبعد ما تكون عن الحياة .
﴿ونحن
نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده﴾
إن
قوله:
ـ
﴿وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم
بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم﴾ غافر
ـ
﴿ويا قوم لا يجرمنَّكم شقاقي أن يصيبَكم مثلُ ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم
صالح وما قوم لوط منكم ببعيد﴾ هود
ـ
﴿قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم
أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب﴾ هود
ـ
﴿هل ينظرون إلا أن تأتيَهم الملائكةُ أو يأتيَ أمرُ ربِّك كذلك فعل الذين من قبلهم
وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما
كانوا به يستهزئون﴾ النحل
ـ
﴿قد قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين
ظلموا من هـؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين﴾ الزمر
ليعني
أن الذي أصاب المكذبين من قبل هو العذاب الذي أهلكوا به في الدنيا.
ويعني
حرف غافر أن رجلا مؤمنا من آل فرعون حذر قومه أن يصيبهم بعض ما يعدهم به موسى من
العذاب إن لم يتبعوا الهدى وقد أصابهم مثلُ ما أصاب قوم نوح من الإغراق.
ويعني
حرف هود أن شعيبا حذر قومه أن يصيبهم مثلُ العذاب الذي أهلك الله به قوم نوح أو
قوم هود أو قوم صالح ، أو قوم لوط ، وقد أصابهم مثل العذاب الذي أهلكت به ثمود .
ويعني
حرف النحل أن الذين أهلكوا من قبل قد أصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به
يستهزئون أي أهلكوا في الدنيا، وقد وعد الله المكذبين من هـذه الأمة بمثل ذلك كما في
قوله ﴿هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة
أو يأتي أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم﴾.
ويعني
حرف الزمر أن الأولين قد أصابهم سيئات ما كسبوا أي عذبوا فأهلكوا في الدنيا، وكذلك
الذين ظلموا من هـذه الأمة وعدهم الله أن يصيبهم سيئات ما كسبوا أي سيهلكهم وما هم
بمعجزين أي لن يفلتوا من العذاب.
وإن المثاني كما في قوله:
ـ
﴿قال عذابي أصيب به من أشاء﴾ الأعراف
ـ
﴿سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون﴾ الأنعام
ـ
﴿قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده
أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون﴾ التوبة
ـ
﴿أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على
قلوبهم فهم لا يسمعون﴾ الأعراف
ـ
﴿ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال﴾ الرعد
لتعني
أن الله وعد في القرآن أن يصيب بعذاب من عنده المنافقين والذين أجرموا وأن يرسل
الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله.
إن
حرف الأعراف من نبوة موسى يوم اختار سبعين رجلا ليعتذروا عن عبادة قومهم العجلَ
وأخذتهم الرجفة فنبئ موسى يومئذ بقوله ﴿قال عذابي أصيب به من أشاء﴾ ونبّأ الله به
كذلك خاتم النبيين صلى الله عليه وعلى آله وسلم في القرآن وهو من الغيب المنتظر إذ
لم تهلك أمّة ٌ بعذاب كالذي أهلك به الأولون
بعد نزول التوراة التي أوتيها موسى
وهو وعدٌ لم يقع بعدُ نفاذه وتنزل الذكر به في القرآن.
ويعني
حرف الأنعام أن الذين سيُجرمون في آخر هـذه الأمة بإعراضهم عن الآيات الخارقة
للتخويف والقضاء، أولئك الموصوفون بالذين أجرموا سيصيبهم صغار عند الله وعذاب شديد
في الدنيا كما في الآخرة وهو وعد في القرآن لم يقع بعد نفاذه بل لا تزال الآيات
الخارقة للتخويف والقضاء قبله من الغيب.
ويعني
حرف التوبة أن من القول في القرآن ومما كُلِّفَ النبي صلى الله عليه وسلم
والمؤمنون بتربصه أن سيصيبُ اللهُ المنافقين بعذاب من عنده وهو وعد متأخر في سياق
خطاب المؤمنين بالغيب وأن سيصيب المنافقين عذاب بأيدي المؤمنين وهو الوعد المتقدم.
ويعني
حرف الأعراف أن الذين سيرثون الأرض من بعد أهلها أي سيسكنون في مساكن الذين ظلموا
أنفسهم أي سيتخذون من ديار عاد وثمود وقوم لوط مساكن سيهديهم البحث العلمي المجرد
إلى أن الله قادر على أن يصيبهم بذنوبهم أي يعذبهم في الدنيا كما عذّب أهل تلك
الديار.
ويعني
حرف الرعد أن من الوعد في القرآن أن الله سيعذب بالصواعق قوما يجادلون في الله.
وإن
المثاني:
ـ
﴿إن عذاب ربك كان محذورا وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها
عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا﴾ الإسراء
ـ
﴿ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين﴾ الأنبياء
لتعني
أن عذاب ربنا المحذور هو قبل يوم القيامة وهو عذاب سيأتي على كل قرية ليهلك أهلها
ومتى كانت القرى في يوم القيامة، والوعد مسطور في الكتاب أي في التوراة، وكذلك تنزل
في القرآن، وسيقول الظالمون إذا مستهم نفحة من عذاب ربنا يا ويلنا إنا كنا ظالمين.
إن
قوله:
ـ
﴿إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم﴾ الأعراف، الأحقاف، الشعراء
ـ
﴿قال هـذه ناقة لها شِرب ولكم شرب يوم معلوم ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم
عظيم﴾ الشعراء
ـ
﴿قالوا إنما أنت من المسحرين وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين فأسقط
علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين قال ربي أعلم بما تعملون فكذبوه فأخذهم
عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم﴾ الشعراء
ليعني
أن كلا من نوح وهود وصالح وشعيب قد خاف على
قومه عذاب يوم عظيم، ويقع الوصف بعذاب يوم عظيم على العذاب في الآخرة وعلى
العذاب في الدنيا الذي أهلك الله به المجرمين المكذبين من قبل، ولقد كان الطوفان
الذي أغرق قوم نوح هو عذاب يوم عظيم الذي
أغرقوا به كما في حرف الأعراف، وكان العذاب الذي أهلك عادا هو عذاب يوم عظيم الذي أهلكهم كما في حرف الأحقاف وأول الشعراء،
وكانت الصاعقة التي أصابت ثمود هي عذاب يوم عظيم الذي أهلكهم كما في ثاني الشعراء،
وكان عذاب يوم الظلة هو عذاب يوم عظيم الذي أهلك أصحاب الأيكة كما في ثالث الشعراء،
ولن يتأتى تأويل عذاب يوم عظيم في ثالث الشعراء بالعذاب في اليوم الآخر لأن الله
وصف به عذاب يوم الظلة الذي أخذ أصحاب الأيكة.
وإن
المثاني:
ـ
﴿قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم﴾ الزمر، الأنعام
ـ
﴿قل ما يكون لي أن أبدِّله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إليّ إني أخاف إن
عصيت ربي عذاب يوم عظيم﴾ يونس
لتعني
أن عذاب يوم عظيم هو من القول الذي لن يقع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وإنما
في أمته بعده كما هي دلالة القول ولو وقع القول لأخرج ربنا دابَّة من الأرض تكلم
الناس، وإن الخوف من عذاب يوم عظيم لمما كلف به النبي صلى الله عليه وسلم كما هي دلالة
تكليفه بالخوف منه، فكان من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولْيَخَفْ كذلك منه كل
مؤمن، ومن لم يَخَفْ مثلَه فقد رغب عن سنته ومن رغب عنها فليس منه. وليقعنَّ في
أمة النبي صلى الله عليه وسلم بعده يوم كالذي أُهْلِك به المكذِّبون من قبل كما هي
دلالة قوله ﴿كتابا متشابها مثاني﴾ الزمر، ودلالة قوله ﴿ولقد جئناهم بكتاب فصلناه
على علم﴾ الأعراف، وأهلكت في الدنيا عاد وثمود وأصحاب الأيكة وقوم نوح وقد خاف عليهم رسلهم عذاب يوم عظيم، وكذلك
سيهلك في الدنيا المكذبون في هـذه الأمة، وهل يخاف النبيون والرسل وهم أعلم الناس
ما لن يكون أبدا معاذ الله إنهم لا يخافون الأوهام .
﴿وكم
أهلكنا قبلهم من قرن﴾
إن
قوله:
ـ
﴿ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم
في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري
من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين﴾ الأنعام
ـ
﴿ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون﴾ يس
ـ
﴿وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا﴾ آخر سورة
مريم
ـ
﴿وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا﴾ مريم
ـ
﴿وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص إن في ذلك
لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد﴾ ق
ـ
﴿وكم أهلكنا قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص﴾ ص
ـ
﴿وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح﴾ الإسراء
ـ
﴿ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا
كذلك نجزي القوم المجرمين﴾ يونس
ـ
﴿فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن
أنجينا منهم﴾ هود
ـ
﴿أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات لأولي
النهى﴾ طـه
ـ
﴿أولم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا
يسمعون﴾ السجدة
ـ
﴿ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون﴾ الأحقاف
ـ
﴿وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون فما كان دعواهم إذ جاءهم
بأسنا غلا أن قالوا إنا كنا ظالمين﴾ الأعراف
ـ
﴿وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين فلما أحسوا بأسنا إذا هم
منها يركضون لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون قالوا يا
ويلنا إنا كنا ظالمين فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين﴾ الأنبياء
ـ
﴿وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا
نحن الوارثين﴾ القصص
ـ
﴿فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد
أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى
الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده
وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون وكأين من قرية أمليتُ لها وهي ظالمة ثم أخذتُها
وإليّ المصير﴾ الحج
ـ
﴿وكأين من قرية هي أش قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم﴾ القتال
ـ
﴿أو كالذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها﴾ البقرة
ـ
﴿وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا﴾ الكهف
ـ
﴿وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون﴾ الأنبياء
ليعني
التخويف من الله هذه الأمة أن يصيبها مثل ما أصاب الأمم المكذبة من قبلُ، وحسبت
الأمَّة الأمِّيَّة هذا تسلية وهزلا باعتباره تخويفا وهْميا بما لن يكون فسبحان
الله وتعالى عما يصفون.
الإعجاز العلمي في قوله تعالى ﴿أولم يهد
للذين يرثون الأرض من بعد أهلها﴾
دلالة الأمر بالاعتبار
إن
قوله ﴿واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين﴾ الأعراف،
ليعني أن شعيبا قد حذّر قومَه مدين إن لم يعتبروا من مثل عاقبة المفسدين قبلهم
ومنهم ثمودُ، ودلالة التكليف بالنظر هي الاعتبار.
وإن
من تفصيل الكتاب أن ما جعل عبرة من الحوادث والقصص الماضية سيقع مثله في هـذه
الأمة ولن يهتدي يومئذ إلا من اعتبر من أولي الألباب بالقرآن.
ومن
المثاني قوله:
ـ
﴿قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل﴾ الروم
ـ
﴿قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين﴾ النمل
ـ
﴿قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين﴾ الأنعام
ـ
﴿أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمّر الله عليهم
وللكافرين أمثالها﴾ القتال
وشبهها
وتعني أن من عاقبة المكذبين المجرمين من قبلنا ذلك العذاب الذي أهلكوا به في
الدنيا، وكذلك ستكون عاقبة المكذبين في هـذه الأمة إن لم يعتبروا بعاقبة الأولين.
وإن
قوله:
ـ
﴿فانظر كيف كان عاقبة المفسدين﴾ الأعراف، النمل
ـ
﴿فانظر كيف كان عاقبة المجرمين﴾ الأعراف
ـ
﴿فانظر كيف كان عاقبة المنذَرين﴾ يونس، الصافات 73
ـ
﴿فانظر كيف كان عاقبة الظالمين﴾ القصص 40
يونس 39
ـ
﴿فانظر كيف كان عاقبة المكذِّبين﴾ الزخرف 25
ـ
﴿فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين﴾ النمل 51
لتعني
أن الاعتبار بعاقبة المهلكين من قبل هو من سنة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم وليحذر
الذين يخالفون سنة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم.
وإن
التكليف بالسير في القرآن حيث وقع كما في قوله ﴿قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في
الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين﴾ عمران، ليعني أن اللهَ لن يُعجّل العذابَ
الموعود قبل أن يقع من الناس سَيرٌ في الأرض ونظرٌ في عاقبة الذين أهلكوا من قبل
حتى يتبيَّنوا أن قومَ نوح وعادا وثمود ومدين وقومَ لوط وقوم فرعون كانوا أشد قوة
وآثارا في الأرض التي عمروها أكثر مما عمرها الذين عاصروا النبي الأمي صلى الله
عليه وسلم وحتى يستيقنوا إهلاكهم بسبب تكذيبهم.
إن
التقدم العلمي اليوم لم يبلغ ذروته بعد، وإن كان قد اقترب منها إذ ستستوفي البشرية
قبل انقضاء المستقر والمتاع في الأرض ما في القرآن من التكليف الذي خوطبت به ويتسارع
ذلك بالتقدم التقني والعلمي كما في قوله ﴿قل انظروا ماذا في السماوات والأرض﴾ يونس،
وقوله ﴿أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون
قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون﴾ الأعراف، وقوله ﴿وكأين من آية في السماوات
والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون﴾ يوسف، وقد تمكنت البشرية من رحلات الفضاء وغزْوِه
وتمكنت من مراقبة النجوم والمجرات من الأرض ومن الكواكب ومن الفضاء، واكتشفت البشرية
بالتقدم العلمي كيف مات صاحب العظام البالية الرميم ومتى مات، وأثار المتخصصون في
علم الأرضَ ويبحثون عن الأمم في القرون الماضية وكيف أثاروا الأرض وعمروها من قبل
وكيف ماتوا، وسيسارع الظالمون قريبا إلى إقامة مستوطنات في الربع الخالي وفي ديار
ثمود وفي القرية التي أمطرت مطر السوء لإيقاع قوله ﴿وسكنتم في مساكن الذين ظلموا
أنفسهم وتبيّن لكم كيف فعلنا بهم﴾ إبراهيم، ومن المثاني معه قوله ﴿أولم يهد للذين
يرثون الأرض من بعد أهلها﴾ الأعراف، وليقعن ذلك قريبا من الذين يسارعون اليوم إلى
احتلال الجزيرة العربية.
﴿إن في ذلك لآية لقوم يعلمون﴾
إن قوله ﴿إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين﴾ المكررة في
الشعراء، بعد ذكر إغراق فرعون وجنوده وقوم نوح، وإهلاك عاد، والعذاب الذي أخذ ثمود،
وتدمير قوم لوط، وعذاب يوم الظلة الذي أخذ أصحاب الأيكة ليعني أن مثله سيقع في
هـذه الأمة ورغم التحذير منه في القرآن فلن ينجو أكثر الناس وإنما سيهلكون إذ أكثر
الناس يجهلون ولا يعلمون ولا يعقلون.
وإن قوله ﴿ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم
لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين فتلك بيوتهم خاويةً
بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون﴾ النمل، ليعني أن مثله سيتكرر في هـذه الأمة
فينجِّي الله منه الذين يعلمون زهم الذين يشهدون بأعينهم يوم يصبح غيب القرآن
شهادة فيؤمنوا ويتبعوا الهدى.
وإن قوله ﴿فأخذتهم الصيحة مشرقين فجعلنا عاليَها سافلَها
وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل إن في ذلك لآيات للمتوسمين﴾ الحجر، ليعني أن مثله
سيقع في هـذه الأمة.
وإن
المثاني في قوله:
ـ ﴿أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من
القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات لأولي النهى﴾ طـه
ـ ﴿أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من
القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون﴾ السجدة
ليعني أن مثله سيقع في هـذه الأمة فتهلك منها قرون يمشون في
مساكنهم ولن ينجو من العذاب الموعود إلا أولوا النهى الذين يسمعون.
وإن من المثاني قوله:
ـ ﴿فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا
أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور﴾ سبأ
ـ ﴿ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج
قومك من الظلمات إلى النور وذكِّرْهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور﴾ إبراهيم
ويعني حرف سبأ أن سيكون في هـذه الأمة من يظلمون أنفسهم كأولئك
وسيجعلهم الله أحاديث ويمزقهم كل ممزق، وحرف إبراهيم من نبوة موسى التي لم تتحقق
بعد ونبّأ بها الله في القرآن خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم فكانت من الغيب
المنتظر الموعود الذي سيقع في هـذه الأمة، ومنذ إهلاك فرعون وجنوده فإنه لم يأت
يوم من أيام الله التي أهلك فيها المكذبين من قبل ليَهلك فيه المكذبِّون وليقع به
نفاذ نبوة موسى في حرف إبراهيم وغيره، ووقعت النبوة بها في القرآن، ولن ينجو من
العذاب الموعود إلا كل صبار شكور.
وإن قوله ﴿أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء
والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن في ذلك لآية لكل
عبد منيب﴾ سبأ، ليعني أن ذلك مما قد وقع
من قبل وسيُتذكَّر يوم يقع مثله في هـذه الأمة ولن ينجو منه إلا كل عبد منيب.
وإن
قوله ﴿وكذلك أخذُ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد إن في ذلك لآية
لمن خاف عذاب الآخرة﴾ هود، ليعني أن ربَّنا سيأخذ القرى القائمة التي لم تُحصد بعد
أخذا أليما شديدا ولن ينجو منه إلا من خاف عذاب الآخرة.
إن
جميع القرى موعودة بذلك كما هي دلالة قوله ﴿وكذلك أخذُ ربِّك إذا أخذ القرى وهي
ظالمة﴾ أي مثله وكما في وعده في قوله ﴿وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم
القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا﴾ الإسراء.
وإن
قوله ﴿قال فما خطبكم أيها المرسلون قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين لنُرسل عليهم
حجارة من طين مسومة عند ربك للمسرفين فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا
فيها غير بيت من المسلمين وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم وفي موسى إذ
أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين فتولى بركنه وقال ساحر أو مجنون فأخذناه وجنوده فنبذناهم
في اليم وهو مليم وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه
إلا جعلته كالرميم وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم
الصاعقة وهم ينظرون فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين﴾ الذاريات، ليعني أن
العذاب بحجارة من طين مسومة عند ربنا للمسرفين وبكل من الإغراق والريح العقيم
والصاعقة سيقع مثله في هـذه الأمة لتعلقه بقوله ﴿وتركنا فيها آية للذين يخافون
العذاب الأليم﴾ الذاريات، أي دليلا على أنه سيتكرر مثله بعد نزول القرآن.
وإن
قوله ﴿فأخذه الله نكال الآخرة والأولى إن في ذلك لعبرة لمن يخشى﴾ النازعات، ليعني
أن الله قد أخذ فرعون بالإغراق وهو النكال الذي أخذ الله به في المرة الأولى قوم
نوح، وهو النكال الذي سيأخذ الله به في المرة الآخرة أي سيُهلك به المتأخرين من
خلف فرعون، ويعني قوله ﴿إن في ذلك لعبرة لمن يخشى﴾ أن ذلك سيقع مثله في هـذه الأمة
ولن ينجو منه إلا من يخشى .
0 التعليقات:
إرسال تعليق