﴿ثم
نُـــتْـــبِعُهم الآخِرين﴾
وإن
من الوعد في القرآن قوله ﴿ألم نُهلكِ الأوّلين ثم نُتبعُهم الآخِرين كذلك نفعل
بالمجرمين﴾ المرسلات، ويعني أن الأولين وهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم ومنهم فرعون
وجنوده قد أهلكوا من قبل بعذاب استأصلهم، ولم تعذب أمة بعد فرعون وجنوده بمثل ما عُذِّب
به الأولون، ويعني الوعد به في القرآن أنه من الغيب المنتظر كما هي دلالة قوله ﴿ثم
نُتْبِعُهم الآخرين كذلك نفعل بالمجرمين﴾ المتفق على قراءتها بالقطع والرفع، وهو
من المثاني مع قوله ﴿ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى﴾
القصص، ولم تهلك أمة بعد نزول التوراة التي أهلكت قبلها القرون الأولى.
وقوله
﴿وكم أرسلنا من نبيٍّ في الأولين وما يأتيهم من نبيٍّ إلا كانوا به يستهزئون
فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين﴾ الزخرف، ويعني أن مَثَل الأولين وهم
القرون الأولى قد مضى وانقضى وأن الغيب المنتظر الموعود هو مثل الآخرين وإهلاك
القرون الأخرى.
وقوله
﴿وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فُعِل بأشياعهم من قبلُ إنهم كانوا في شك مريب﴾ خاتمة
سبإ، ويعني أن الآخرين سيحال بينهم وبين ما يشتهون من الأمن ومتاع الحياة الدنيا ﴿كما
فُعِل بأشياعهم من قبل﴾ وهم القرون الأولى.
وقوله
﴿فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين﴾ الزخرف،
ويعني أن فرعون وجنوده قد أغرقوا في البحر وأنهم سلف لخلف منتظر هم الآخرون الذين
سيغرقون كذلك.
وقوله
﴿فأخذه الله نكال الآخرة والأولى إن في لك لعبرة لمن يخشى﴾ النازعات، ويعني أن
الإغراق الذي أهلك به فرعونَ هو النكال في المرة الأولى أي العذاب الذي عذب به قوم
نوح، وهو النكال المنتظر الذي سيعذب به في المرة الآخرة خلفه من الآخرين، ولن ينجو
من نكال الآخرة إلا من اعتبر وءامن بالغيب في القرآن وبالكتاب كله.
الوعد
في الدنيا
إن
قوله ﴿قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين﴾
هود، ليعني أن نوحا قد وعد قومه بالعذاب في الدنيا إن لم يؤمنوا، وأن قومه لفرط
تكذيبهم قد تعجّلوا ما وعدهم به من العذاب.
وإن
قوله ﴿قالوا أجئتنا لنعبدَ اللهَ وحده ونذرَ ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا
إن كنت من الصادقين﴾ الأعراف، وقوله ﴿قالوا
أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين﴾ الأحقاف، ليعني أن
هودا قد وعد عادا بالعذاب في الدنيا إن لم يؤمنوا، وأن عادا لفرط تكذيبهم قد
تعجلوا ما وعدهم به من العذاب.
وإن
قوله ﴿وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين﴾ الأعراف، وقوله ﴿فقال
تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب﴾ هود، ليعني أن صالحا قد وعد ثمود
بالعذاب في الدنيا إن لم يؤمنوا، وأن ثمود لفرط تكذيبهم قد عقروا الناقة وعتَوْا
عن أمر ربهم وتعجلوا ما وعدهم به من العذاب.
وإن
قوله ﴿وإن يك صادقا يُصِبْكم بعضُ الذي يعدكم﴾ غافر، ليعني أن موسى قد وعد آل
فرعون بالعذاب في الدنيا إن لم يؤمنوا، وأن رجلا مؤمنا من آل فرعون قد حذّر قومه
أن يصيبهم العذاب الذي وعدهم به موسى.
وإن
قوله ﴿كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة
وقوم تبّع كل كذّب الرسل فحقّ وعيد﴾ سورة ق،
ليعني أن القرون الأولى قد كذّبوا الرسل فحق عليهم في الدنيا الوعيد الذي جاءهم به
الرسل وهو إهلاكهم في الدنيا إن لم يؤمنوا.
وإن
قوله ﴿وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون
وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم
ومن نشاء وأهلكنا المسرفين﴾ الأنبياء، ليعني أن رب العالمين قد صدق وعدَه رسلَه
فأنجاهم ومن معهم وأهلك المسرفين أي عذّبهم عذابا استأصلهم في الدنيا.
وإن
الله قد وعَدَ رسولَه وخاتم النبيين صلى الله وعلى آله وسلم بمثل ما وعَد به الرسل
قبله، وقد صدقهم اللهُ وعدَه، أفلا يصدق رسولَه خاتمَ النبيّين كذلك وعْدَه بإهلاك
المجرمين المكذبين بعذاب من عنده كالذي أهلك به الأولين، وتساءل المجرمون الذين
عاصروا نزول القرآن لفرط تكذيبهم متى يقع الوعد بإهلاكهم وتعجلوه كما في المثاني:
ـ
﴿قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق
مما يمكرون ويقولون متى هـذا الوعد إن كنتم صادقين قل عسى أن يكون ردف لكم بعض
الذي تستعجلون﴾ النمل
ـ
﴿وإمّا نُرينَّك بعضَ الذي نعدهم أو نتوفّيَنَّك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على
ما يفعلون ولكل أمَّة رسول فإذا جاء رسولهم قُضِيَ بينهم بالحق وهم لا يُظْلَمون ويقولون
متى هـذا الوعد إن كنتم صادقين قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله لكل
أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون قل أرأيتم إن أتاكم عذابه
بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون أثم إذا ما وقع آمنتم به ءالآن وقد كنتم
به تستعجلون﴾ يونس
ـ
﴿ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون وكأيِّن
من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإليّ المصير﴾ الحج
ويعني
أن العذاب الموعود في هـذه الأمة سيتأخر إلى أن يحين أجلها، وقد سمّى يوما واحدا
وهو ألف سنة انقضت قبل العذاب الموعود في الدنيا، وسكت عن اليوم الثاني فلن يتم
وإلا لسمّى يومين كما سمّى يوما واحدا والله أعلم.
وإن
المثاني:
ـ
﴿قل رب إما تريَنِّـي ما يوعدون رب فلا تجعلني في القوم الظالمين وإنا على أن نريك
ما نعدهم لقادرون﴾ الفلاح
ـ
﴿أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين فإما نذهبن بك فإنا منهم
منتقمون أو نُرِيَكَّ الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون﴾ الزخرف
ـ
﴿فاصبر إن وعد الله حق فإما نُرِيَنَّك بعض الذي نعدهم أو نتوفينّك فإلينا يرجعون﴾
غافر
ـ
﴿وإن ما نُرِيَنَّك بعض الذي نعدهم أو نتوفينّك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب﴾
الرعد
ـ
﴿وإما نُرِيَنَّك بعض الذي نعدهم أو نتوفينّك فإلينا مرجعهم﴾ يونس
ـ
﴿قل إن أدري أقريب ما توعدون أو يجعل له ربي أمدا﴾ الجن
ـ
﴿فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون﴾ الأنبياء
ـ ﴿وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور يا
أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور﴾ فاطر
وشبهها
ليعني أن المكذبين في هـذه الأمة موعودون بانتقام في الدنيا لن يدركه النبيّ صلى
الله عليه وسلم في حياته، وكما في المثاني معه في قوله ﴿وما كان الله ليعذبهم وأنت
فيهم﴾ الأنفال، ويعني وصف وعده بأنه حق أنه سيتأخر كثيرا حتى يوسوس الشيطان، وكذلك
دلالة أمره بالصبر قبله في حرف غافر، لدلالة التكليف بالصبر في الكتاب المنزل على
دعوة المكلف إلى حبس النفس عن استعجال غيب موعود.
وإن
المثاني:
ـ
﴿فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم
يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون﴾ خاتمة الأحقاف
ـ
﴿كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم فيأتيهم بغتة
وهم لا يشعرون فيقولوا هل نحن منظرون أفبعذابنا يستعجلون أفرأيت إن متعناهم سنين ثم
جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يُمتّعون﴾ الشعراء
ـ
﴿وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا قل من كان في الضلالة فليمدد له
الرحمـن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر
مكانا وأضعف جندا﴾ مريم
ـ
﴿ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون
من أضعف ناصرا وأقل عددا﴾ الجن
ويعني
أن الفاسقين والمجرمين ومن كان في الضلالة ومن يعص الله ورسوله سيرون ما يوعدون من
العذاب الذي يهلكهم ولا يؤخرون حين يسألون التأخير كما هي دلالة قوله ﴿كأنهم يوم
يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار﴾ وكما هو صريح قوله ﴿فيقولوا هل نحن مُنظَرون﴾
بل يهلكون إذ كانوا يستعجلون العذاب الذي سيصيبهم منه مثل ما أصاب الأولين
وسيعلمون أنهم شر مكانا وأضعف جندا وأقل عددا من جند الله من الملائكة التي ستتنزل
عليهم بالعذاب.
﴿أفأمنوا
مكر الله﴾
وإنما
هو العذاب في الدنيا أَمِنَه المكذبون قبل نزول التوراة كما في الذِّكر من الأولين
في قوله:
ـ
﴿قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخرّ عليهم السقف من فوقهم
وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون﴾ النحل
ـ
﴿وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضّرعون ثم
بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مسّ آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم
بغتة وهم لا يشعرون﴾ الأعراف
ـ
﴿ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ
جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون فلما نسوا
ما ذكِّروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة
فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين﴾ الأنعام
وكذلك
أمِنَه المكذبون الذين عاصروا تنزل القرآن كما في المثاني وعْدا في الآخرين:
ـ
﴿كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم فيأتيهم بغتة
وهم لا يشعرون فيقولوا هل نحن منظرون أفبعذابنا يستعجلون﴾ الشعراء
ـ
﴿ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون﴾ العنكبوت
ـ
﴿واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا
تشعرون﴾ الزمر
ـ
﴿قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون﴾ الأنعام
ـ
﴿أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم
بأسنا ضحى وهم يلعبون أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم
الخاسرون﴾ الأعراف
ـ
﴿أفـأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا
يشعرون أو يأخذهم في تقلبهم فما هم
بمعجزين أو يأخذهم على تخوُّف﴾ النحل
ـ
﴿أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون﴾ يوسف
ـ
﴿ءَأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن
يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير﴾ الملك
ـ
﴿أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا أم
أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم
لا تجدوا لكم علينا به تبيعا﴾ الإسراء
ويعني
أن الذين حسبوا أنفسهم آمنين من العذاب الموعود في القرآن واهمون.
وإن
من الوعد في الآخرين قولَه ﴿أفأمن الذين
مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض﴾ النحل، وقوله ﴿أأمنتم من في السماء أن يخسف
بكم الأرض فإذا هي تمور﴾ الملك، وقوله ﴿أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر﴾ الإسراء، وقوله
﴿قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم﴾ الأنعام، وجميعه من المثاني مع الذكر من الأولين في قوله
﴿فخسفنا به وبداره الأرض﴾ القصص، وقوله ﴿فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها﴾ هود.
وإن
من الوعد في الآخرين قولَه ﴿أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا﴾ الملك، وقوله
﴿أو يرسل عليكم حاصبا﴾ الإسراء، وقوله ﴿قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من
فوقكم﴾ الأنعام، وجميعه من المثاني مع الذكر من الأولين في قوله ﴿إنا أرسلنا عليهم
حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر﴾ القمر، وقوله ﴿فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا﴾ العنكبوت،
وقوله ﴿ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء﴾ الفرقان، وقوله ﴿وأمطرنا عليهم
حجارة من سجيل﴾ الحجر، وشبهه.
ويعني
حرف الأعراف الإنكار على القوم الخاسرين أن يأمنوا مكر الله المنتظرَ وهو أن يأتيَ
بعضَ أهلِ القرى بأسُه بياتا وهم نائمون وأن يأتيَ بعضَهم بأسُه ضحى وهم يلعبون.
ويعني
حرف النحل الإنكار على الذين مكروا السيئات أن يأمنوا أن يخسف الله بهم الأرض أو
يأتيهم العذاب وهم لا يشعرون أو يأخذهم بالعذاب في تقلّبهم أي غير مقيمين وغير
مصحوبين بأسباب القوة والدفاع أو يأخذهم بالعذاب على تَـخَوُّفٍ.
ويعني
حرفُ يوسف الإنكارَ على المشركين المعرضين عن آيات ربهم التي يمرُّون عليها في
السماوات والأرض أن يأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله في الدنيا بغتة وهم لا
يشعرون.
ويعني
حرفُ الملك الإنكارَ على المكذبين من هـذه الأمة أن يأمنوا أن يخسف اللهُ بهم
الأرض فتمور بهم أو يرسل عليهم حاصبا من السماء.
ويعني
حرف الإسراء الإنكار على الذين يتبعون الشيطان ويفتنون بصوته وبخيله ورجله ويشركون
بالله أن يخسف الله بهم جانب البر من الأرض أو يرسل عليهم حاصبا من السماء أو
يغرقهم في البحر بكفرهم.
ودلالة
الاستفهام للإنكار تعني أنهم أمنوا موعودا سيحل بهم في الدنيا.
﴿وما أنتم بمعجزين في الأرض﴾
إن من الذكر من الأولين قولَه:
ـ ﴿قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن
كنت من الصادقين قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين﴾ هود، ويعني أن
نوحا وعَدَ قومه بعذاب من عند الله في الدنيا والآخرة لن يفلتوا منه ولن يسبقوه
ولن يفوت منهم أحد ينجو منه كما هي دلالة قوله ﴿وما أنتم بمعجزين﴾ ولقد عذِّب
المكذبون من قوم نوح أجمعون في الدنيا فلم يعجزوا أي لم يكن الذي أَنزل عليهم
العذاب في الدنيا بعاجز عن إلحاقه بهم سبحانه وتعالى، وكذلك سيعذب المكذبون من قوم
نوح في الآخرة ولا يعجزون الله بل يعذبهم وهم صاغرون داخرون.
وإن المثاني:
ـ ﴿أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم
وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان
عليما قديرا﴾ فاطر
ـ ﴿وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء﴾ العنكبوت
ـ ﴿وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا﴾ الجن
ـ ﴿ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض﴾ الأحقاف
ـ ﴿لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار﴾ النور
ـ ﴿الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم
كافرون أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياءَ﴾ هود
ـ ﴿وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا
نصير﴾ الشورى
ـ ﴿ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون﴾ الأنفال
ـ ﴿أفـأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو
يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين﴾ النحل
ـ ﴿والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم
بمعجزين﴾ الزمر
ـ ﴿إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين﴾ الأنعام
ـ ﴿وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله﴾ التوبة
وجميعه
في خطاب المكذبين بعد نزول القرآن الذي تضمن أنهم لن يُعجزوا الله يوم ينزل عليهم
العذاب الموعود في الدنيا كما لم يعجزه الذين كانوا من قبلهم كما هي دلالة حرف
فاطر الذي تضمن الوعد من الله أن لن يعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض ومنه
وعده أن يعذب المكذبين بعد نزول القرآن في الدنيا على نسق المكذبين قبلهم.
وإن
الله العليم بما في السماوات والأرض ليعلم أن البشرية سيكون منها صعود إلى الفضاء
وهروب إلى السماوات وهو القدير عليهم فلن يعجزوه بل سيقع عليهم وعده كما وقع على
الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة.
ويعني
الاسمان العليم القدير أن الله وعد وعدا حسنا غير مكذوب أن سيعذب في الدنيا
المستكبرين في الأرض الذين يمكرون المكر السيّء وأنهم ستأتي عليهم سنة الأولين وهو
العذاب في الدنيا.
وحيث
وقع في تفصيل الكتاب المنزل نفي تعجيز الإنسان في الأرض فإنما هو في الدنيا لقصور
الإنسان في يوم القيامة عن أبسط مقومات الدفاع والهروب إذ كل فرد يأتي يوم القيامة
وهو عبْدٌ فرْدٌ معه سائق وشهيد.
ويعني حرف الجن أن الجن قد علموا لما استمعوا القرآن أنهم إذا لم يؤمنوا
فسيعذبون في الدنيا ولن يعجزوا الله في الأرض ولن يعجزوه هربا إلى الفضاء إذ كانوا
يلمسون السماء كما في قوله ﴿وأنا لمسنا السماء﴾ الجن، وإنما هو الظن بمعنى اليقين كما أخبروا عنه في حرف الأحقاف.
وكذلك
دلالة قوله تعالى ﴿وكأيِّن من ءاية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها
معرضون وما يؤمن أكثرُهم بالله إلا وهم مشركون أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب
الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون﴾ يوسف، على أن الإنسان سيصعد في السماء
ولكنه لن يعجز الله هربا يوم ينزل العذاب الموعود في الدنيا
ويعني حرف النور أن الذين كفروا سيعذبون في الدنيا ولا يعجزون وأما في اليوم
الآخر فمأواهم النار يعذبون فيها كذلك.
ويعني حرف هود أن الأحزاب الذين سيصُدُّون عن سبيل الله بعد نزول القرآن
ويبغونها عوجا لن يعجزوا في الأرض بل سيعذبون في الدنيا ويضاعف لهم العذاب.
ويعني حرف الشورى إعلام البشرية جميعا بقدرة الله عليهم وأنهم لا يعجزون
الله في الأرض وليؤمن منهم من يخاف العذاب في الدنيا.
ويعني حرف الأنفال الوعد من الله أن لا يعجزه الذين كفروا أي سيعذبهم في
الدنيا وإن حسبوا أنفسهم سبقوا أي هربوا من العذاب الموعود وأفلتوا منه.
ويعني حرف النحل الإنكار على الذين مكروا السيئات أن يأمنوا أن يخسف الله
بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم العذاب في تقلبهم فلا
يعجزون بل يعذبون ويهلكون بالعذاب الموعود في الدنيا.
ويعني حرف الزمر الوعد من الله أن يصيب الذين ظلموا من هـذه الأمة ـ بعد نزول
القرآن ـ سيئات ما كسبوا أي يعذبهم في الدنيا فلا يعجزون بل يهلكون به كما أصاب من
قبلهم وهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم سيئات ما كسبوا فأهلكوا في الدنيا.
ويعني حرف الأنعام وعدا ءاتيا المكذبين في القرآن معذبون به في الدنيا وما
هم بمعجزين بل سيأخذهم العذاب فلا يفلتون منه.
ويعني حرف براءة أن المشركين الذين سيتولون عن التوبة سيعلمون رأي العين
أنهم غير معجزي الله بل سيعذبهم في الدنيا.
﴿إنهم
يكيدون كيدا وأكيد كيدا﴾
إن
المثاني كما في قوله:
ـ
﴿وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم﴾ هود
ـ
﴿أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون﴾
الشعراء
ليعني
أن المكذبين في هـذه الأمة موعودون أن يُـمَتَّعوا سِنين وأن ما سيمتعون به استدراجا
لن يغني عنهم العذاب في الدنيا إذا جاءهم بل سيهلكون به وتلك من نبوّة نوح من قبل كما
في سورة هود ونبوة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم مثله في حرف هود والشعراء معا.
وإن
المثاني كما في قوله:
ـ
﴿والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين﴾
الأعراف
ـ
﴿فذرني ومن يكذب بهـذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يشعرون وأملي لهم إن كيدي متين﴾
الطور
ـ
﴿ذرهم في غمرتهم حتى حين أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في
الخيرات بل لا يشعرون﴾ الفلاح
ـ
﴿من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون﴾ الأعراف
ـ
﴿فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون﴾ الزخرف والمعارج
وشبهه
ليعني أن رب العالمين يُـمهل الذين يكذبون بآياته ويملي لهم في النعم والمال
والبنين حتى يحسبوا أنه يسارع لهم في الخيرات فيخوضون ويلعبون ويطغون وهم يحسبون
أنهم يحسنون صنعا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ولا يبصرون ما هم عليه من طغيان
حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ويأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون.
وإن
المثاني كما في قوله:
ـ
﴿إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا﴾ خاتمة الطارق
ـ
﴿أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون﴾ الطور
ـ
﴿ذالكم وأن الله موهن كيد الكافرين﴾ الأنفال
ليعني
أن الكفار سيقع منهم كيد وأن الله سيوهن كيدهم ويكيدهم كما سيأتي بيانه.
وإن
قوله:
ـ
﴿إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم﴾ النساء
ـ
﴿يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون﴾ البقرة
لمن
شاكلة ما تقدم عن الكافرين وسيأتي بيانه.
وإن
المثاني في قوله:
ـ
﴿ومكر السيء ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله﴾ فاطر
ـ
﴿يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم﴾ يونس
لتعني
أن الله سيمكر بالمكذبين ويخادعهم ويكيدهم.
وإن
المثاني في قوله:
ـ
﴿فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون فويل للذين كفروا من يومهم
الذي يوعدون﴾ خاتمة الذاريات
ـ
﴿وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية
قوم آخرين إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني
عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار﴾ الأنعام
ـ
﴿فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم وما نحن
بمسبوقين فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون﴾ المعارج
ـ
﴿فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون﴾ الزخرف
ـ
﴿والذاريات ذروا فالحاملات وقرا فالجاريات يسرا فالمقسمات أمرا إن ما توعدون لصادق﴾
ـ
﴿والمرسلات عرفا فالعاصفات عصفا والناشرات نشرا فالفارقات فرقا فالملقيات ذكرا
عذرا أو نذرا إن ما توعدون لواقع﴾
لتعني
أن الله وعد المكذبين في هـذه الأمة بعذاب في الدنيا سيأتيهم ولا يعجزون بل يهلكون
به وسيلاقيهم إذ هو وعد صادق واقع بهم كما يأتي قريبا تحقيقه.
0 التعليقات:
إرسال تعليق