الحمد
الحمد تعبير عن تمام معاني النعم والخير وهكذا كملت وتمت في النبي الأمي محمد صلى الله وبارك عليه وعلى آله وسلم معاني الفضل والخير والبركة امتلاء فاض فلم يبق معه موضع أو موطئ للشر والسوء، وسيبعث رب العالمين عبده محمدا قبل انقضاء الدنيا مقاما محمودا لا يتأتى معه ذمّه أو النيل منه.
وغفَل المنافقُ الـمُمَكَّن في الأرض عن حمد الله، فأحب أن يُحْمَد بما لم يفعل، فرحا بسلوكه وعمله، وليْتَه تعلّم الإنصاف من الكتاب المنزل فلم يكلّف رعيتَه بحمده على نيته وتسويفه بالإصلاح كما هو مفصل في آخر سورة آل عمران. 
ويوم ينفخ في الصور ويدعو الداعي أهل القبور سيستجيبون بحمد الله استجابة كاملة لا يعتريها ضَعف أو نقص، إذ قد تمّ إحياء كل ميِّت حياةً تامة وتجددت قوى أجسامهم وليخرجوا سراعا من القبور يتبعون الداعي إلى حيث يقوم الناس لرب العالمين.
ويسارع من يسبّح بحمد الله إلى البراءة من الشرك والمعصية إلى الإقرار بحمد الله ذي النعم الظاهرة والباطنة ومنه تسبيح الرعد بحمد الله، وتسبيح الملائكة براءةً من متمكن يفسد في الأرض ويسفك الدماء قبيل ظهور خليفة في الأرض، وتسبّح المخلوقاتُ غيرُ الإنس والجن بحمد الله براءةً من شرك ومعاصي الثقلين.
وبينته في مادة التسبيح.
وإن من تفصيل الكتاب وبيان القرآن أن ﴿الحَمْدُ للهِ﴾ حيث وقع في الكتاب المنزل فإنما لبيان نعمة هي من وعد الله وعد بها من قبلُ قد تمّت ونفذَت يوم نزل القرآن أو لبيان نعمة هي من وعْد الله سيتِمّ نفاذُه في الدنيا أو في الآخرة.
ومن الأول قوله:
ـ ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ الأنعام
ـ ﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الحَمْدُ للهِ الذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ الفلاح
ـ ﴿ الحَمْدُ للهِ الذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ﴾ إبراهيم
ـ ﴿ الحَمْدُ للهِ الذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾ الكهف
ـ ﴿ الحَمْدُ للهِ الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ الأنعام
ولا يخفى أن جميعه مما مضى وانقضى.
ويعني حرف الأنعام أن قطع دابر القوم الذين ظلموا من قوم نوح والأحزاب من بعدهم هو مما وعد الله به رسلهم نوحا وهودا وصالحا ولوطا وشعيبا وموسى وقد تمّت النعمة به على المؤمنين فليحمد المسلمون بألسنتهم وليعملوا شكرا بسائر جوارحهم.
ويعني حرف الفلاح أن الله وعد نوحا أن ينجّيَه هو ومن معه من الطوفان وأمرهم بحمده إذا تم الوعد به، ويدل على الوعد به قوله ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ﴾ هود ، يعني تمسك نوح بوعد الله أن ينجيه ومن معه ظنّا منه دخول ابنه في من معه.
ويعني حرف إبراهيم أن الله قد استجاب دعوة إبراهيم ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ وبشّره بغلامين صالحين هما إسماعيل وإسحاق كما هو معلوم من بشارته هو وزوجته بإسحاق الغلام العليم على ألسنة ضيفه الملائكة المكرمين، ومعلوم في سورة الصافات من بشارته بغلام حليم وهو إسماعيل كما في حرف مريم الذي وصف إسماعيل بأنه كان صادق الوعد، ولم يتضمن تفصيل الكتاب المنزل وعْدا من إسحاق وإنما من إسماعيل إذ قال: ﴿يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ وقد صدق وعده كما هي دلاله إسلامه  كأبيه كما في قوله جلّ جلاله ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا﴾.
ويعني حرف الكهف أن الله قد وعد أنبياءه من قبل أن سيُنزّل على النبيّ الأمِّيّ صلى الله عليه وسلم الكتاب ومن ذلك الوعد قوله تعالى في التوراة والإنجيل والقرآن ﴿فَالذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ وقد نفذ الوعد وتم يوم كان القرآن يتنزل.
وتعني فاتحة الأنعام أن الله وعد بعض ملائكته ولعلّهم الذين يحملون العرش ومن حوله من الملائكة المقربين أن يخلق السماوات والأرض وأن يجعل الظلمات والنور ولا يخفى نفاذ الوعد وتمامه وأن العرش وما حوله فوق السماء السابعة. 
ومن وعد الله الذي سيتم نفاذه في الآخرة قوله ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ الله قُلِ الحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ لقمان، ويعني أن الله الذي خلق السماوات والأرض سيخلق مثلهم ليوم البعث أي بعد إعدامهما فلا يبقى منهم شيء وعدا منه سيتم نفاذه بحمد الله ولو جهله أكثر الناس.
وقوله ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ الله قُلِ الحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يعقلون﴾ العنكبوت، ويعني أن الله الذي نزّل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها وعد بإحياء الموتى يوم البعث وسيتم بحمد الله ذلك الوعد ولو كذّب الذين لا يعقلون.
وقوله ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ الزمر، ويعني أن جميع موعودات الله عن اليوم الآخر ستتحقق كلها.
ومن وعد الله الذي سيتم نفاذه في الدنيا قوله ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ للهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا﴾ النمل، ويعني أن قراءة النبيّ صلى الله عليه وسلم وتلاوته القرآن سيتم بعدها نفاذ وعد الله بإنزال الآيات الخارقة للتخويف والقضاء يراها الناس فيعرفونها بالقرآن ولا ينكرونها، وبينته في مادة رأى.
وأما قوله ﴿فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ غافر، فهو من الأمر في القرآن الذي سيقع نفاذه في الدنيا خاصة كما أصلت في تأصيلي للتفسير، والخطاب للأخيار في آخر الأمة سيقومون بالكتاب والحكم والنبوة حق القيام كما هو مدلول قوله ﴿فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾ ومن المثاني معه قوله ﴿مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ أولئك الأخيار سيُستخلفون في الأرض وَعْدًا من الله من قبلُ ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ التي نبّأ الله جميع النبيين من قبل ويومئذ يحمد الحامدون ربهم رب العالمين.
وقوله ﴿قُلِ الْحَمْدُ للهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الذِينَ اصْطَفَى﴾ النمل، يعني أن الله وعَد وعْدا سيتم نفاذه يوم ينجِّي من العذاب الموعود في الدنيا عباده الذين اصطفى ومنهم يقينا ثلاثة في حرف فاطر ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾ وبينته في مادة اصطفى.
وبيّنتُ قوله ﴿وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ خاتمة الصافات، في مادة رسل.
وقوله ﴿ الْحَمْدُ للهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فاطر، يعني أن البشرية قبل انقضاء الدنيا ستشاهد رسل الله من الملائكة تتنزل من السماء فيعرفونهم بأجنحتهم مثنى وثلاث ورباع ولا ينكرونهم وهم يبشّرون المتّقين في ليلة القدر أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون بل ناجون من العذاب وبالجنة في اليوم الآخر ، أولئكم الملائكة ليصبحن غيبهم في الدنيا شهادة وليشهدوا على أن محمدا الأمي رسول الله بالقرآن، ولم تقع بعد شهادة الملائكة عليها رغم تكليفهم بها في القرآن كما في قوله:
ـ ﴿لـَكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا النساء
ـ ﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَــــهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ عمران
وبينتها في مادة شهد، وبينْتُ من حرف فاطر في مادة فطر.
وبينتُ قوله ﴿يُسَبِّحُ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمٌلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ التغابن، في مادة التسبيح ومادة الملك.
ومن الوعد الذي سيتم نفاذه في اليوم الآخر قوله ﴿ الْحَمْدُ للهِ الذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ سبإ، ويعني أن وعد الله في السماوات والأرض سيتم نفاذه كله فيهما وفي ما بينهما.
وقوله ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ يونس، أن أهل الجنة تجاب دعوتهم عند فراغهم من الدعاء فيعطون ما يشاءون فيكون آخر دعواهم ﴿الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ يعني أن قد صدقهم الوعد وأتم النعمة فأعطاهم ما يشاءون ويبتغون، وإنما دعاؤهم التسبيح أي تنزيه الله أن يخلف وعده في الدنيا أن لهم في الجنة ما يشاءون.
وأما في فاتحة الكتاب ﴿الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ فتعني:
ـ أن العالمين كلهم وهم جميع المخلوقات قد تمت عليهم النعمة يوم نزل القرآن بإرسال الرسول به رحمة للعالمين من الله ربهم كما بينته مفصلا في مادة خليفة.
ـ أن من نعم ربنا القيام بالتكليف حامدين لله ربنا
ـ أن الحمد لله هو أصل  الطاعات كلها ومنه تتفرع كلها كالتسبيح والاستغفار وسائر التكاليف فمن صلى وصام وقرأ القرآن وتدبّره وحجّ وأنفق فقد حمِد الله على نعمه بصرفها في طاعته عزّ وجلّ
ـ أن العالمين جميعا مكلفون بالحمد إذ تمت عليهم نعمة الله ربنا يوم نزل القرآن على النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، ولقد علموا من القرآن من تفصيل الغيب الذي وقع التكليف بالإيمان به جملة وتفصيلا.
وعلِم العالَمون من القرآن أن من نعم الله عليهم:  
ـ أن رسالة النبيّ الأميّ بالقرآن هي رحمة للعالمين وإذن فلن يقع العذاب على العالمين قبل أن يرفع القرآن من الأرض فما ظنّ الذي مات ولم يقرإ القرآن في عمره كله مرة واحدة ولم يتدبره ولم يهتد به
ـ وأن الله لا يريد ظلما للعالمين وبينته في مادة ظلم
ـ وأن الله غنيٌّ عن العالمين وأنهم الفقراء إليه
وأن البيت العتيق في بكة مباركٌ وهدًى للعالمين فيا لسفاهة الذين ظلموا من الناس سيهدمونه، ولا يزال الناس يتمتعون بنظُم وتقاليد وموازين ما لم يهدم البيتُ الحرام فإن هُدِم انفلت الأمن كما هي دلالة قوله ﴿جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ﴾ المائدة، وسينعدم قيامُ الناس في شؤونهم آمنين مطمئنين بانعدام البيت.
ـ وأن الله ذو فضل على العالمين، وبينته في مادة فضل.
ـ وأن القرآن ذكرى وذكر للعالمين، وبينته في مادة ذكر.
ـ وأن تفصيل الكتاب وتنزيله كلاهما لا ريب فيه من رب العالمين وبينته في مادة ريب ومادة تفصيل ومادة تنزيل ومادة كتاب ومادة صحف.
ـ وأن من الوعد الحسن غير المكذوب أن يقوم الناس لرب العالمين ليفصل بينهم فيما كانوا فيه يختلفون قبل الجزاء بالجنة أو النار.
أما الحمد المقترن بالتسبيح فيعني أن الحامد قد علم من الله وعْدا وعَدَه به سيُدركه ويناله في حياته ولإيمانه بالغيب فقد سبّح ربه مستشعرا نعمته فقدّسه ونزّهه عن خُلْف الوعْد وعن العجْز عن إتمامه ونفاذه.
وهكذا سبّح زكريا بالعشيّ والإبكار بعد بشارته بيحيى في سورة آل عمران تسبيحا لم يقترن بالحمد لأن زكريا مات قبل أن يولد عيسى ولأن المصدّق بعيسى هو يحيى الذي عاصره ولو عاش زكريا إلى حين ولادة عيسى لصدّق به.
ووعد الله نبيّه الأمي بنصر الله والفتح ودخول الناس في دين الله أفواجا وكلّف بالتسبيح المقرون بالحمد لأنه سيدرك ذلك كله في حياته، وبينته في مادة التسبيح.

الله عز وجل:
إن العبد لحقيق بدراية افتقاره وأنه ليس قائما على نفسه ليشكر فاطر السماوات والأرض على نعمه الظاهرة والباطنة وإذ خلقه فجعله شيئا مذكورا بعد أن لم يكن، وفضّله على كثير من العالمين كالجن والأنعام والدوابّ والطير ...
هو الله لا تدركه الأبصار، وليس كمثله شيء، لم يلد، ولو يولد، وهو على كل شيء وعد به قدير ، وبكل شيء من الغيب عليم، فعّال لما يريد، اصطفى من بني آدم رسلا وأنبياء فأنزل عليهم الكتاب والميزان ليحكم بين الناس بالحق وليهتدوا إلى صراط مستقيم ووعد بإعدام الكون وبإعادة نشأته مرة أخرى وبالبعث بعد الموت والحساب والجزاء بالنار أو الجنة.
ويعني أن ليس كمثله شيء أن قدرة كل ذي قدرة من الخلق ليست كقدرة الله وهكذا لا يماثل علمه علم عليم ولا قوته قوة قويّ وهو السميع البصير، ولن يبلغ غيرُه من خلقه مثل أسمائه الحسنى، رغم ثبوت الرحمة والقوة والسمع والبصر والخلق في المخلوقات ولا يجحده إلا المغفلون، كما لا يتأوّل أسماء الله وصفاته إلا المعطلون بما ألحدوا، وأما قولنا "ليس مثله شيء" فيعني أن ليس شيء مثله ويشمل الذاتَ والصفاتِ ولا يقول به إلا المشبّهون بما أشركوا .
وإن من تفصيل الكتاب وأصول الخطاب أن اسم ﴿الله﴾ حيث ورد ذكره في الكتاب المنزل فإنما :
ـ لبيان عبادة وتكليف من الله المعبود يسع جميع المخاطبين به الطاعة والعصيان .
ـ أو لبيان أسباب العبادة التي أمدّ الله بها المكلفين.
ـ أو لبيان أثر الإيمان والطاعة على المكلفين في الدنيا.
ـ أو لبيان أثر الكفر والمعصية على المكلفين في الدنيا.
ـ أو لبيان الحساب والجزاء في الآخرة.
فأما بيان ما كلف الله به من العبادة فكما في قوله ﴿اعْبْدُوا اللهَ﴾ وقوله ﴿اتَّقُوا اللهَ﴾.
وأما بيان أسباب العبادة التي أمدّ الله بها المكلفين وأعانهم بها ليعبدوه فكما في قوله ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ﴾ العنكبوت، من قول إبراهيم يعني اسألوا الله أن يرزقكم لتقوى أجسامكم على الطاعة والعبادة، وقوله ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ الذاريات، يعني أن الله يرزق الإنس والجن ليتمكنوا بالرزق والقوت من العبادة وقوله ﴿وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللهِ﴾ البقرة، وقوله ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ آل عمران.  
وأما أثر الطاعة على المكلفين في الدنيا فكما في قوله ﴿وَيَزِيدُ اللهُ الذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى﴾ مريم، وقوله ﴿ دَعَوُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ يونس، فكانت نجاتهم بسبب أثر طاعتهم في دعوتهم الله مخلصين له الدين.
وأما بيان أثر المعصية على المكلفين في الدنيا فكما في قوله ﴿إِنَّ الذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ﴾ البقرة، أي بسبب كفرهم وإعراضهم عن النذير عوقبوا بذلك ، وقوله ﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ الأنفال، والمعنى أنهم بسبب كفرهم بنعم الله التي أنعم عليهم بها ليعبدوه ويطيعوه عذبهم في الدنيا .
وأما بيان الحساب بعد البعث فكما في قوله ﴿وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ النور، وقوله ﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ﴾ النور.
وأما بيان الجزاء فكما في قوله ﴿فَأَثَابَهُمُ اللهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَاُر خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ﴾ المائدة، وقوله ﴿ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ فصلت.

رب:
تضمن تفصيل الكتاب المنزل ورودها في وصف بعض الناس وأكثر ما وردت وصفا لله الواحد القهار.
أما ورودها في وصف ولِيّ النعمة من البشر ففي قوله ﴿فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ﴾ يوسف، وأما في وصف ما يتصوره الناس من معبوداتهم ففي قوله ﴿فَلَمَّا رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي﴾ الأنعام.
وأما قول يوسف مخاطبا امراة العزيز ﴿مَعَاذَ اللهُ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾ فيتجلى فيه أن ربه قد آتاه من قبل حكما وعلما، إذ لم تفهم امرأة العزيز غير استحيائه من خيانة زوجها المنعم عليه، غير أن كلام الصديق يوسف صريح في إقراره واستشعاره نعم ربه الخالق عليه بإبعاده عن كيد إخوته وإيوائه في بيت عزيز مصر، وبقرينة إضافة نفسه إلى ربه على غير نسق خطابه صاحب السجن ورسول الملِكِ إذ أضاف كلا منهما إلى الملِك وحرِيٌ بغيره من العوام في مثل حاله أن يقول لصاحب السجن اذكرني عند ربي الملك ليخرجني من السجن.
ووردت في وصف الله غير مقترنة في السياق بمربوب في قوله ﴿بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾ سبأ، وقوله ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ﴾ في يس.
واقترنت في السياق بالمربوبات التالية: العرش العظيم، العالمين، كل شيء، السماوات والأرض وما بينهما، السماوات السبع ، السماء والأرض، رب المشرق والمغرب وما بينهما، المشارق والمغارب، المشرق والمغرب ، المشرقين، المغربين، هذه البلدة التي حرّمها، هذا البيت، العزة، الشعرى، الفلق، موسى وهارون، الناس، وآباؤهم الأولون، وبضمائر يأتي تفصيلها في مادة المضمرات.
وأضاف النبيون والرسل والمتضرعون خفية أنفسهم إلى ربهم فابتدأ كل منهم مناجاته الخفية بقوله : ربِّ، بحذف حرف النداء إلا في قوله ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرآنَ مَهْجُورًا﴾ في الفرقان، ثبتت فيه ياء النداء لأن الرسول سيسمع المكلفين شكواه إلى ربه أنهم اتخذوا القرآن مهجورا فلم يتدبروه ليهتدوا به للتي هي أقوم وإلى الرشد.
وتضمن تفصيل الكتاب المنزل تأصيلا عجيبا من أصول التفسير في سياق خطاب الله نبيا أو رسولا مضيفا ربوبيته إليه لتنبيهه إلى وعده بنصره كما في قوله ﴿يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾ هود ﴿قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ﴾ هود ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى﴾ ﴿وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا﴾ الأنبياء ﴿وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ﴾ وبينته في تأصيلي الجديد للتفسير.
ولا تسل عن الخفة من المرسل إليهم وهم يخاطبون رسلهم بإضافة الرب إلى الرسول المخاطب كما في قوله ﴿قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ﴾ البقرة، ﴿وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ﴾ الزخرف
وإن اسم ﴿رب العالمين﴾ حيث ورد ذكره في الكتاب المنزل فإنما:
ـ ليقوم به أمر أو فعل خارق يعجز العالمون عن مثله وإيقاعه كما يعجزون عن دفعه.
ـ أو لبيان نعمه التي لا كسب للمخلوق فيها وما يجب له من العبادة والشكر.
ـ أو لاستعانته ليهب لنا في الدنيا ما لا نبلغه بجهدنا ولا نستحقه بعملنا القاصر.
وأما بيان أن كل فعل أو أمر أسند إلى ربنا فإنما هو أمر خارق يعجز العالمون عن مثله فكما في قوله ﴿قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ﴾ الإسراء ، من قول موسى في وصف الآيات المعجزة التي أرسله ربه بها.
وأما بيان أمر ربنا الذي يعجز العالمون عن دفعه فكما في قوله ﴿يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾ هود، من قول رسل ربنا من الملائكة الذين أرسلوا بعذاب قوم لوط. 
وأما بيان نعم ربنا التي لا كسب للمخلوق فيها فكما في قوله ﴿رَبُّكُمُ الذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ الإسراء.
وأما بيان ما يجب لربنا من العبادة والشكر على نعمه فكما في قوله ﴿ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ﴾ الزخرف.
وأما بيان ما يجب علينا من استعانته ليهب لنا في الدنيا والآخرة من نعمه ويصرف عنا من الضر والكرب ما لا نستطيعه بجهدنا ولا نستحقه بعملنا القاصر القليل فكما في دعاء النبيين وضراعتهم ربهم حيث وقعت في القرآن كما في قوله ﴿وَأَيُّوبُ إٍذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ الأنبياء .

وبينتُ الفرق بين كل ما أضيف أو أسند إلى الله وإلى ربنا في مواضعه من المعجم.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Top