﴿فكيف كان عذابي ونذر﴾

إن من المثاني قوله:
ـ ﴿ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب﴾ غافر
ـ ﴿ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب﴾ الرعد   
ـ ﴿وإن يكذبوك فقد كَذَّبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير﴾ الحج
ـ ﴿وإن يكذبوك فقد كَذَّب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير﴾ فاطر
ـ ﴿وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير﴾ سبأ
ـ ﴿وكذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير﴾ الملك
ـ ﴿فكيف كان عذابي ونذر﴾ القمر
ـ ﴿ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير﴾ الملك
ويعني حرف غافر أن قوم نوح والأحزاب من بعدهم قد علموا بالعذاب في الدنيا كيف كان عقاب الله المكذبين، وكذلك الذين كفروا في هـذه الأمة الذين سيجادلون في آيات الله ويتقلبون في البلاد ـ كناية عن التمكين ـ سيأخذهم ربهم أي يعذبهم ليعلموا كيف سيكون عقابه.
ويعني حرف الرعد أن الله سيمهل الذين كفروا في هـذه الأمة ويصيبهم من العذاب الأدنى كما سيأتي تقريره قبل العذاب الأكبر الموعود في الدنيا ليعلموا كيف سيكون عقابه كما أتى الذين استهزأوا بالرسل وأملي لهم ثم أخذهم الله وعلموا كيف كان عقابه.
ويعني حرف فاطر وسبأ وثاني الملك وأربعة القمر أن الذين كذبوا من قبل قد أُمْلِيَ لهم ثم أُخِذوا بالعذاب فعلموا كيف كان نكيره وعذابه ونذيره ولقد كذب هـؤلاء وسيعلمون رأي العين كيف سيكون نكيره وعذابه ونذيره.
ويعني أول الملك أن الله قد أنذر المكذبين في هـذه الأمة عذابا من تحت أرجلهم وعذابا من فوقهم، ووعدهم أن يعذبهم في الدنيا حتى يعلموا رأي العين كيف يكون نذيره أي كيف سيقع عليهم ما أُنْذِروا به في القرآن من العذاب في الدنيا، ويحسب المفسرون أن إنذار الله في القرآن إنما هو للتسلية وللعبرة التي لا تتجاوز السماع والقراءة أي لن يقع بعدها حوادث مثلها، تجاهلوا أن القرآن هو الموصوف بقوله ﴿إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا﴾ المزمل، وبقوله ﴿إنه لقول قول فصل وما هو بالهزل﴾ الطارق، ولكن خف القول الثقيل على الذين لم يفقهوه فلم يفهموا تفصيله فخلطوه بالهزل ومنه التسلية الكاذبة.


إن قوله:
ـ ﴿ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص﴾ الشورى
ـ } ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأُخِذوا من مكان قريب وقالوا آمنا به وأنَّى لهم التناوش من مكان بعيد وقد كفروا به من قبل ويَقذفون بالغيب من مكان بعيد وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فُعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب﴾ خاتمة سبإ
ـ ﴿ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم﴾ الأنعام
ـ ﴿ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة  يضربون وجوههم وأدبارهم﴾ الأنفال
ليعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لن يدرك هـذا الموعود في القرآن وإنما سيقع بعده في أمته، ولو رآه في الدنيا أي أخر عنه الموت حتى يدركه لسرّ به، وكما بيّنت في كلية النبوة.
وإن قوله:
ـ ﴿ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ... ﴾
ـ } ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب﴾ الفجر  
ـ ﴿ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار﴾ إبراهيم
ليعني الحوادثَ الماضية التي سبقت النبي الأمي صلى الله عليه وسلم وعُرِضت عليه فرآها عَرضا بعينيه يقظة كما بينت في النبوة وكما هي دلالة قوله ﴿كذبت ثمود وعاد بالقارعة فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية﴾ الحاقة، ويعني أنه قد عرض عليه القوم وهم صرعى يوم صُرِعوا بالصاعقة وصُرِعوا بالريح العقيم، ولهـذا العرض الذي نبئ به النبي الأمي صلى الله عليه وسلم دلالة كبرى تعني أن سيقع مثله في أمته كما بينت في النبوة، وسيغزو جيش الكعبة فيفعل بهم ربُّنا كما فعَل بأصحاب الفيل ولو عقل المتأخرون القرآن لكانوا كأنما أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم وعاصروه.
وسيصُبُّ ربُّنا سوطَ عذاب على خَلَف عاد الأولى وهم عاد الأخرى الذين سيبنون بكل ريع آية يعبثون ويبطشون جبارين لا يرحمون وعلى خلَف ثمود وهم الذين سيتخذون من الصخر والجبال بيوتا وعلى خلَف فرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد ثم إن ربَّنا لهم بالمرصاد إذ سيعذبهم في الدنيا كما عذّب سلَفهم.


﴿والله محيط بالكافرين﴾
إن قوله:
ـ ﴿بل الذين كفروا في تكذيب والله من ورائهم محيط﴾ البروج
ـ ﴿والله محيط بالكافرين﴾ البقرة
ـ ﴿وإذ قلنا إن ربَّك أحاط بالناس﴾ الإسراء
ليعني الوعدَ من الله أن يأخذ الكافرين في الدنيا بالعذاب فلا يفلتُ منهم أحدٌ، كما أحيط بثمر صاحب الجنتين فلم يسلمْ منه شيء، وكما ستحيط سرادق النار بالمعذَّبين فلا تسلم من أجسامهم ذرَّة تنجو من العذاب.

﴿فسيكفيكهم الله﴾ 
إن قوله:
ـ ﴿إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلـها آخر فسوف يعلمون﴾ الحجر
ـ ﴿وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم﴾ البقرة
ـ ﴿وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله  قويا عزيزا﴾ الأحزاب
ـ ﴿والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليًّا وكفى بالله نصيرا﴾ النساء
ليعني أن الوعد من الله أن يهزم المستهزئين والذين يشاقّون الله ورسوله والمشركين دونما جهد من المؤمنين.

ـ ﴿فأما الذين كفروا فأعذِّبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين﴾
إن قوله:
ـ ﴿لينذر بأسا شديدا من لدنه﴾ الكهف
ـ ﴿إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد﴾ سبأ  
ـ ﴿حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون﴾ الفلاح
ـ ﴿فأما الذين كفروا فأعذِّبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين﴾ آل عمران
ـ ﴿وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا﴾ الإسراء
ليعني الوعد من الله أن يعذِّب الذين كفروا بعذاب شديد وببأس شديد في الحياة الدنيا قبل يوم القيامة كما في صريح حرف آل عمران وحرف الإسراء.

﴿لهم سوءُ العذاب وفي الآخرة هم الأخسرون﴾
إن قوله:
ـ ﴿وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم القيامة﴾ غافر
ـ ﴿إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الآخرة هم الأخسرون﴾ النمل
ليعني أنه العذاب في الدنيا يمحق الذين لا يؤمنون بالآخرة ويسحقهم بقرينة ما حاق بآل فرعون من سوء العذاب قبل العذاب بالنار في البرزخ إذ يعرضون على النار غدوا وعشيا وأما الدنيا فلا غدو ولا عشي عليهم بل هو العذاب المقيم في جهنم حيث لا يُقضى عليهم فيموتوا ولا يُخفف عنهم من العذاب، ووعد الله في حرف النمل بسوء العذاب على الذين لا يؤمنون بالآخرة وتزيَّنتْ لهم أعمالهم، وإنما هو العذاب المنتظر في الدنيا بقرينة بيان حالهم في الآخرة بعده.

الرجز الأليم
إن قوله ﴿فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه﴾ الأعراف، لمن الذكر من الأولين ويعني أن الرجز المكشوف عنهم هو العذاب الأدنى بالجراد والقمَّل والضفادع والدم، ومن المثاني معه وعدا في الآخرين قوله:
ـ ﴿والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم﴾ سبأ
ـ ﴿هذا هدى والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم﴾ الجاثية
ويعني الوعد بعذاب من رجز أليم على الذين سيكفرون بآيات ربهم الخارقة للتخويف والقضاء في آخر الأمة ويسعون فيها معاجزين معاندين كالتي كفر بها فرعون وجنوده، ولهي بزيادة الوصف أكبر من العذاب بالرجز غير موصوف بالأليم الذي عُذِّب به فرعون وملؤه.

﴿سنعذبهم مرتين﴾
إن قوله:
﴿فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمّل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين﴾ الأعراف
﴿وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون﴾ الزخرف
﴿فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين﴾ الزخرف
﴿ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولـكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون﴾ الأنعام
﴿وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضّرّعون ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مسّ آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون﴾ الأعراف
ليعني أن الرجز الذي أرسل على قوم فرعون هو عذاب أدنى بالطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم لعلهم يرجعون عن الظلم والكفر فلما نكثوا انتقم رب العالمين منهم فأغرقهم أجمعين وهو العذاب الأكبر الذي أهلكهم.
وكان العذاب الأدنى الذي عذّب به الأولون هو البأساء والضراء والسيئات التي أخذتهم ولم يتضرعوا إلى الله لفرط شركهم ثم أُخِذوا بالعذاب الأكبر بغتة وهم لا يشعرون فأهلكوا فإذا هم مبلسون.
وإن المثاني:
ـ ﴿ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم﴾ التوبة
ـ ﴿أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء يضاعف لهم العذاب﴾ هود
ـ ﴿ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون﴾ السجدة  
ـ ﴿وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يُصعقون يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم يُنصرون وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون﴾ الطور
ـ ﴿ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر لَلَجُّوا في طغيانهم يعمهون ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون﴾﴾ الفلاح
ـ ﴿بل هم في شك يلعبون فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هـذا عذاب أليم ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون﴾ الدخان
ـ ﴿ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون﴾ الروم
ـ ﴿قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون﴾ الأنعام
ـ ﴿ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب﴾ الرعد
ـ ﴿أولا يرون أنهم يُفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذّكّرون﴾ التوبة  
ـ ﴿فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون﴾ العنكبوت
ـ ﴿وإذا مس الناس ضر ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون﴾ الروم
ـ ﴿وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ثم كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون﴾ النحل
ـ ﴿فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون قد قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هـؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين﴾ الزمر
ـ ﴿وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون﴾ يونس
ـ ﴿وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعوا إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار﴾ الزمر
لتعني أن العذابين الموعودين هما في الدنيا قبل العذاب العظيم في جهنم  المفصول بينهما بالحرف ﴿ثم﴾ للدلالة  على طول البرزخ  وطول يوم القيامة قبل الجزاء في اليوم الآخر كما هي دلالة حرف براءة، وإنما العذاب الأكبر في الدنيا قبل الإياب يوم البعث في اليوم الآخر كما في قوله ﴿إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم﴾ خاتمة الغاشية، ويعني أن العذاب الأكبر هو في الدنيا من غير فصل بينه وبين التولي والكفر كما هي دلالة النسق بالفاء ولو كان العذاب الأكبر في اليوم الآخر لكان الفصل بينه وبين التولي والكفر بـ ﴿ثم﴾ كما هو تفصيل الكتاب في وصف حوادث الآخرة بعد حوادث الدنيا.
إن العذاب الأدنى هو بالدخان الذي يغشى الناس والريح المصفر الذي سيرسل عليهم والضر الذي يمسهم ويمس الإنسان ومنه الحاكم يومئذ كما مس فرعون قبله،  فيتضرعون فيكشف فينكثون ويكفرون من يومهم ويشركون فينتقم رب العالمين منهم فيذيقهم العذاب الأكبر في البطشة الكبرى بعد مطلع فجر ليلة القدر.

﴿سلام هي﴾

إن قوله ﴿سلام هي﴾ لمن المثاني مع قوله ﴿في ليلة مباركة﴾ الدخان، ويعني أن ليلة القدر سلام من كل عذاب، خالية منه فهي ليلة مباركة لا عذاب فيها، وهكذا لن يقع العذاب على الشام الموصوف في المثاني:
﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله﴾
ـ ﴿وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها﴾ الأعراف  
ـ ﴿وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها﴾ سبأ 
ـ ﴿ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها﴾ الأنبياء 
ـ ﴿ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين {  الأنبياء
ليعني أن الأرض التي حول القدس مباركة للعالَمين وهم أعم من المسلمين، ولن يقع العذاب الموعود في الأرض المباركة، وسارع اليهود أهل الكتاب إلى الهجرة إلى الأرض المباركة إذ فقهوا من الكتاب المنزل أكثر من فقهاء المسلمين ليسلَموا من العذاب الموعود الذي أهلك بمثله قوم نوح والأحزاب من بعدهم، ولن يقع  العذاب كذلك على الأرض قبل هدم الكعبة  كما هي دلالة قوله ﴿إن أول بيت وضع  للناس للذي  ببكة مباركا وهدى للعالمين﴾ عمران، ولن يقع العذاب بمثل  الريح  العقيم  مِن عارضٍ نزل منه الماء كما هي دلالة قوله ﴿ونزلنا من السماء ماء مباركا﴾ ق، وكان النبي الأمي صلى الله عليه وسلم يحزن إذا رأى السحاب  لأجل ذلك فإذا نزل الماء  سري عنه.

﴿حتى مطلع الفجر﴾

إن قوله:
ـ ﴿وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا﴾ الكهف
ـ ﴿وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون﴾ الحجر
ـ ﴿ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون﴾ الفلاح
ـ ﴿فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب﴾ هود
ـ ﴿إن موعدهم الصبح﴾ هود
ليعني أن كل قرية عذبت من قبل قد جعل ربُّ العالمين لوقت عذابها في الدنيا موعدا وكذلك كل قرن من القرون الأولى وهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم إنما أنزل عليهم العذاب في أجل معلوم قد علموه جميعا يوم أخبرهم به رسلهم بالآيات ولفرط تكذيبهم لم يعبأوا به حتى جاءهم العذاب بغتة وهم لا يشعرون وكذلك أهلكت ثمود بعد ثلاثة أيام كانت معلومة لهم جميعا إذ أخبرهم رسولهم صالح بالموعد الذي جعله الله لإهلاكهم، وكذلك أهلكت قوم لوط بعد موعد الصبح المعلوم.
وإن من المثاني وعدا في الآخرين قوله:
ـ ﴿وإما نُرينّك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون ويقولون متى هـذا الوعد إن كنتم صادقين قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون﴾ يونس
ـ ﴿ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون﴾ الأعراف
ـ ﴿ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون﴾ النحل
ـ ﴿ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا﴾ خاتمة فاطر
ـ ﴿ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون﴾ العنكبوت
ـ ﴿ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما يعدون﴾ الحج
ـ ﴿فلا تعجل عليهم إنما نعدّ لهم عدّا﴾ مريم
ـ ﴿وربُّك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجَّل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا﴾ الكهف
ـ ﴿ويقولون متى هـذا الوعد إن كنتم صادقين قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون﴾ سبأ
ـ ﴿ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون﴾ هود
ويعني أن العذاب الموعود في الدنيا إنما سيقع على المجرمين في أجل مسمى كما في حرف النحل وفاطر والعنكبوت، وهو الموعد الذي لن يجدوا من دونه موئلا أي مرجعا يركضون إليه كما في حرف الكهف، وهو الميعاد والأجل الذي لن يؤخروا عنه ساعة ولن يعجل لهم العذاب قبله ساعة كذلك كما في حرف سبأ والأعراف ويونس والنحل وفاطر، وهو الأجل الذي جعله الله لكل أمة لوقوع العذاب عليها في الدنيا.
ولتقعنّ تسمية ذلك الأجل المعلوم ليصبح أجلا مسمى من عيسى وإمام المتقين معه  ليقع علمه لكل الناس وينتظره الفريقان ويتربصونه.
وإن أجل كل أمَّة قد عذبت من قبل كقوم نوح والأحزاب من بعدهم قد وقع به قطع دابرها وتناسلها كما في قوله ﴿فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين﴾ الأعراف، يعني عادا، وكما في قوله ﴿وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين﴾ الحجر، أي أوحي به إلى لوط، ولم يؤخروا إلى أجل مسمى للذين آمنوا وكانوا يتقون واستخلفوا في الأرض من بعدهم كما في قوله:
ـ ﴿إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم قال يا قوم إني لكم نذير مبين أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى﴾ نوح
ـ ﴿قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى﴾ إبراهيم
ـ ﴿ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين﴾ الأنعام
ويعني أن الرسل وهم أولوا العلم قد وعدوا من قبل من آمن من قومهم أن يغفر الله لهم ذنوبهم فلا يعذبهم بها في الدنيا بل يؤخرهم إلى أجل مسمى آخر ويستخلفون في الأرض من بعد المجرمين، ويعني حرف الأنعام أن قطع دابر الذين ظلموا كان وعدا من الله وعد به الرسل قبل النبي الأمي صلى الله عليه وسلم وأنه قد تم كما هي دلالة الحمد، ويعني قوله ﴿ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك﴾ تهديدا للأمم بعد نزول القرآن بمثل ما عوقب به الأمم قبلهم ومن القرائن قوله ﴿قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إلـه غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون﴾ الأنعام، ويعني أن الله سيحول بين المكذبين من الأمم القائمة وبين الإيمان فلا ينتفعون بسمعهم ولا بأبصارهم ولا يفقهون بقلوبهم بل يستمرون في التكذيب وسيهلكون وهم الظالمون كما أهلك الذين ظلموا من قبل وقطع دابرهم.
وكذلك سيقع قطع دابر المكذبين بعد نزول القرآن في الدنيا فلا يؤخرون إلى أجل مسمى آخر للذين آمنوا وكانوا يتقون كما في قوله ﴿ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين﴾ الأنفال، وهو وعْد من الله في القرآن لم يقع بعدُ وسيقع نفاذ كل وعْد أراده الله ولا مردَّ له كما في قوله ﴿وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال، الرعد.
وإن الموعد الذي جعله الله لإهلاك المجرمين في آخر هـذه الأمة هو قوله ﴿من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر﴾ ويعني أن مطلع الفجر من ليلة القدر هو الموعد الذي جعله الله لإهلاك المكذبين في أخر هـذه الأمة.
وإن قوله ﴿حتى مطلع الفجر﴾ لمن المثاني مع قوله ﴿والفجر﴾ في سورته، ويعني أن الله سيدمر أعداءه المجرمين المكذبين بعد  مطلع فجر ليلة القد، أي لا سلام عليهم بعد مطلع الفجر وإنما هو الحرب من الله عليهم، وسيهلكون جميعا ـ إلا من كان منهم في الأرض المقدسة وهم الذين سيقاتلهم المسلمون في سبيل الله في ظل إمامهم ـ منهم ـ ومعه عيسى ابن مريم  في الساعة بين مطلع الفجر ومطلع الشمس  كما في قوله ﴿والصبح إذا أسفر﴾ المدثر﴾ ومن المثاني معه قوله ﴿والصبح إذا تنفس﴾ التكوير، لأن الملائكة التي ستتنزل في ليلة القدر ستُغِير عليهم صُبْحا كما هي دلالة قوله ﴿فالمغيرات صبحا﴾ العاديات﴾ ومن المثاني معه قوله ﴿وإن جندنا لهم الغالبون فتولَّ عنهم حتى حينٍ وأبصرهم فسوف يبصرون أفبعذابنا يستعجلون فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذَرين﴾ الصافات، وسيُقضى الأمرُ قبل الضحى لِيَعلم الناس أن رب محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما ودَّعَه وما قَلاه بل شهد على صدق رسالته إذ سيجعل غيب القرآن شهادة  في صبح ليلة القدر.
إن قوم لوط أهلكوا بعد مطلع الفجر كما في قوله:
ـ ﴿إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب﴾ هود 
ـ ﴿وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هـؤلاء مقطوع مصبحين { الحجر
ـ ﴿ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر { القمر
ـ ﴿فأخذتهم الصيحة مشرقين فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل﴾ الحجر
وكذلك أهلكت ثمود بعد مطلع الفجر كما في قوله:
ـ ﴿فأخذتهم الصيحة مصبحين﴾ الحجر
ـ ﴿وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين﴾ هود 
ـ ﴿فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين﴾ الأعراف
وكذلك أهلكت مدين بعد مطلع الفجر كما في قوله:
ـ ﴿وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين﴾ هود
ـ ﴿فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين { الأعراف  91
وكذلك أهلكت عاد عند مطلع الفجر كما هي دلالة قوله ﴿وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما﴾ الحاقة، ويعني أن العذاب أرسل عليهم في فجر اليوم الأول من الأيام الثمانية وبعد غروب شمس اليوم الأول بدأت الليلة الأولى من الليالي السبع، وكذلك أخرج الله فرعون وجنده ليغرقهم كما في قوله ﴿فأتبعوهم مشرقين﴾ الشعراء.
إن من يزعم أن ما بعد مطلع فجر ليلة القدر سلام كليلتها فقد قال على الله بغير علم، وإنما هو مطلع الفجر على أم القرى التي ستأخذها الصاعقة كما في قوله:
ـ ﴿وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها﴾ الشورى
ـ ﴿فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود﴾ فصلت
ـ ﴿فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون﴾ الطور
ـ ﴿وما ينظر هـؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق﴾ ص
ويعني إنذارُ أمِّ القرى مكة قبلَ مَن حولها من القرى أن العذاب الموعود سيبدأ بها.
وإنه لا تعارض بين الأحاديث الصحيحة في فضل قيام رمضان وبين فجر ليلة القدر التي سيدمر الله فيها المجرين، ويعني القسم في سورة الفجر أنها الليلة الرابعة بعد عشر ذي الحجة لأنه عدَّ عشر ليال  وعدّ شفعا وعدّ وِترا أي ثلاثا بعد العشر وقال ﴿والليل إذا يسر﴾ فهي الليلة الرابعة بعد عشر ذي الحجة المعلومة وهي الليلة التي تلي اليوم الثالث من أيام التشريق، وهي ذات قمر كاملٍ لا هلال كما في قوله ﴿وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر كلا والقمر والليل إذ أدبر والصبح إذا أسفر إنها لإحدى الكبر نذيرا للبشر لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر﴾ المدثر، ويعني أن ليلة القدر ليلة شاتية يطول ليلها ويدبر ولا يزال القمر في السماء فإذا أسفر صبحُها فقد وقعت إحدى الكبر وهي إحدى أيام الله التي أهلك فيها المكذبين من قبل.
ويعني قوله ﴿ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد  للكافرين عذابا مهينا﴾ النساء، أن ليلة القدر ليلة ممطرة كما في الحديث النبوي الصحيح، وسيصيب المؤمنين فيها أذى من مطر وسيكون فيها منهم مرضى وهم يحاصرون العدو فيأتي النصر من الله  دونما  جهد من المؤمنين في ليلة القدر التي أعد الله في فجرها للكافرين عذابا مهينا، ولن يتأتى تأويله بالعذاب في يوم القيامة إذ لا تكليف بأخذ الحذر ولا بالجهاد والقتال والرباط وصلاة الخوف.
إن رفع علم ليلة القدر عن النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمة قد تضمنه القرآن في قوله ﴿قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا﴾ الجن، ومن المثاني معه قوله ﴿فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء  وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون﴾ الأنبياء، وكما لم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم منذ نزلت سورة القدر في بداية البعثة النبوية إلى آخر حياته صلى الله عليه وسلم أن ليلة القدر الموعودة قد كانت البارحة أي قبل صلاتهم الفجر هذه.
وليس ما استنبطته من أنها الليلة الرابعة بعد عشر ذي الحجة هو علم ما رُفِع عن النبي صلى الله عليه وسلم علِمه وأُنسِيه وإنما استنبطت من القرآن الذي كُلِّفنا بتدبره، غير أني لم أستطع تحديد السنة التي ستكون فيها ولا أدري كذلك أهي مما قرب أم لا تزال بعيدة عنا نحن المتأخرين عن نزول القرآن بأربعة عشر قرنا لم ينقض فيها الرويد الذي أمهل الله فيه المشركين قبل أن يكيد لهم كيدا يجعلهم هم المكيدين، ويعني كذلك رفع علمها عن النبي صلى الله عليه وسلم أن لن يدركه معاصروه.
إن قوله ﴿إن ربك لبالمرصاد﴾ ليعني أنه سيصب سوط عذاب على الذين تولوا وكفروا فيعذبهم به العذاب الأكبر في الدنيا  كما في السورة  قبلها، وهـذا الوعد هو الذي  أقسم الله عليه بقوله ﴿والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسر هل في ذلك قسم لذي حجر﴾ لتأكيد نفاذه وإن تأخر بعد نزول القرآن.

وإن قوله ﴿إن ربك لبالمرصاد﴾ ليعني أن ذلك مما ينتظر كما في قوله ﴿فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا﴾ الجن، أي في انتظاره قبل الاستماع ما بقي الرسول حيا  منذ بدء رسالته كما هي دلالة قوله ﴿الآن﴾، وقوله ﴿إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا﴾ النبأ، أي في انتظارهم، وقوله ﴿واقعدوا لهم كل مرصد﴾ التوبة، أي قبل أن يتحركوا كونوا في انتظارهم مستعدين لقتالهم، وقوله ﴿وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل﴾ التوبة﴾ أي ليجدوا المنافقين في انتظارهم، وقوله ﴿فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا﴾ أي حرسا يترصدون أعداء الرسول فيحفظونه منهم.
يتواصل

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Top