وردتني الأسئلة
التالية:
"حسب فقه
الواقع والمرحلة يجب على الدعاة والعلماء دعوة المسلمين للعودة الى دينهم لان
الدعوة تعتبر السبيل الوحيد للرجوع الى شرع الله في هذا الوقت الحانك زمن ضعف
الامة الاسلامية. واعداد القوة اللازمة بالرجوع الى ريادة العلوم و البحوث. لكن لي
اسئلة. كيف يمكن لهذه الامة ايجاد حاكم قوي يحمل هذه القضية و يصبر على مضايقات
الغرب؟؟؟ وكيف يمكن لهذه الامة ايجاد علماء ودعاة يصبرون على الفتن والاسر والسجون
من اجل اصال دعوتهم النقية من الشوائب؟؟" انتهى
الجواب:
أولا: الدعاة والعلماء هم الرسل والنبيون وهم الذين يعلمون
بالوحي وبما علَّمهم ربهم علما فوق كل ذي علم من الأمة وهم الذين يدعون إلى الله
على بصيرة بالوحي إليهم وهم الذين أذِن الله لهم في دعوة الناس بتكليفهم بالإبلاغ
وهم الذين أذن الله للناس بطاعتهم واتباعهم كما في قوله تعالى"وما أرسلنا من
رسول إلا ليطاع بإذن الله" سورة النساء، أما نحن عامة الأمة فلا ندعو إلى
الله على بصيرة بل اجتهادا منه الخطأ ومنه الصواب ولم يأذن الله في الكتاب المنزل
بوجوب طاعة أحد منا لعينه وذاته وليس من لم يتبعه حبط حمله واستكبر عن الحق.
ثانيا: المتاح في هذه المرحلة حسب فقهي المرحلة وهو اجتهاد قد
يصيب وقد يخطئ إنما هو تصحيح المفاهيم بتقريب الناس من الوحي قرآنا وهديا نبويا ولِيَأتمَّ
بهما الخاصة والعامة مرجعية واحدة وما الخاصة الذين وصفتهم بالعلماء والدعاة على
شيء اليوم قبل أن يصبح لأهل السنة مرجعية علمية موحدة فردية أو جماعية تماما كما
عند الملل الأخرى المسيحية والشيعة الذين سبقونا بإنشاء مرجعية البابا ومرجعية ولي
الشيطان أو ما يسمونه بالفقيه نائب الوَهْمِ المغيب في السرداب، وتبدأ رحلة الألف
ميل بتصحيح المفاهيم وبالابتعاد عن التحزُّب والتمذهب وتقليد الفرق والمذاهب
والفرق سواء منها العقدية والفقهية وليصبح طلاب العلم ـ وهم المتخصصون في التفسير والحديث
والقراءات والأصول والفقه ـ غير منتسبين إلى أي فرقة سلفية أو صوفيه أو أشعرية أو
ماترودية ولا حنابلة ولا شافعة ولا مالكية ولا شيء من تلك المسميات كلها وليكتفوا
بالتسمية التي تسمى بها إبراهيم والنبيون بعده وهي الإسلام الغني في ذاته غير
المفتقر إلى ترقيع باسم فرقة ولا مذهب من المذاهب الفقهية ولا حركة أو تيار إسلامي
حزبي أو غير حزبي تنظيمي أو غير تنظيمي، سري أو جهري، جهادي أو مدخلي، على السواء.
وإنما تحتاج الأمة اليوم دعاةَ استعادةِ فطرة الإنسان وكرامته
ولا مناص من تأجيل الحديث عن الحقوق، ذلكم أن فطرة الإنسان قد طمسها الذين يريدون
لنا أن نتبع الشهوات فبثُّوا عبر الأثير من مسلسلات المجون والعري والعهر وطمس
الفطرة والمسرحيات ومهزلة الكرة والرياضة، ولقد كفَّ رسول رب العالمين لوطٌ عن
دعوة قومه إلى عبادة الله فلم يأمرهم بها البتة وإنما سارع إلى تمثل فقه المرحلة
باستعادة الفطرة فدعاهم إلى التخلِّي عن الفاحشة والتطهر منها وأعلن على الملإ
أمام ضيفه المكرمين تقديمه بناته إلى قومه ليأتوهن من حيث أمر الله كالفكرة التي
لم تشذ عنها دابَّة في الأرض ولا طير، فذلكم هو فقه المرحلة لا كما يتأول المفسرون
وغيرهم بل وصف بناته في سورتي هود والحجر وأعرض قومه عن الفطرة بإتيان بناته كما
في قولهم "لقد علمْتَ ما لنا في بناتِكَ من حقٍّ وإنك لتعلم ما نريدُ"
في سورة هود، ولا يتأتى قبول القوم المجرمين من قومه وصف نسائهم ببنات لوط ولا
سلطان له عليهم.
وتحتاح الأمة اليوم مع استعادة الفطرة استعادة كرامة الإنسان
فلا يعبث بها رجال الخوف شرطا ومخابرات أو دواعش أو مُلثَّمي المنظمات الإرهابية على
السواء تعذيبا وحرقا وتقتيلا وإخفاء في السجون السرية والسجون الوطنية وفي
اكوانتنامو أو حيث يتم الإخفاء القسري.
ولْيخسأْ ولْيختفِ دعاة فقه الأوراق المُنَظِّرون للجماعات
الإسلامية السياسية والجهادية على السواء قبل تمكنهم من استعادة فطرة الإنسان واستعادة
كرامته ذلكم أن المسلمين اليوم في مرحلة الجبريات والشعوب عامة وخاصة ملكتهم أيمان
رجال الخوف والخطف والتعذيب البعيدة عن التأهل لظهور دَعِيٍّ مختف لا يتمكن من
تأمين نفسه ولا يصدق عليه الوصف بأنه فئة يستطيع تأمين من يأوي إليه من المستضعفين
المشردين الممزقين بل يزداد المستضعفون رَهَقا وذُلّا وانحطاطا وتفرقا بظهور هذا
الدعِيِّ أنه إمام المسلمين وأمير المؤمنين به الدواعش وغيرهم وأنه يملك شرعية
إعلان الجهاد والقتال القتل والخطف وقطع الرؤوس وحرق الأسرى.
أما قبل استعادة الفطرة والكرامة فليسارع الخاصة والعامة إلى
بناء الإنسان بالعلم وأتمنى وأسعى إلى إنشاء جامعة وقفية على شاكلة جامعة هارفارد الوقفية
لبناء الإنسان في العلوم الشرعية والطبية وسائر العلوم التجريبية والإنسانية
لتخريج أجيال تبحث في مشكل الإنسان وبنائه بعيدا عن التقليد والنسخ واللصق.
ثانثا: لا يمكن للأمة إيجاد حاكم قوي يتجاوز التحديات الداخلية
والخارجية بل لا يتأتى ذلك شرعا عبر ثورات الغوغاء التي يزداد بها الحكام طغيانا
وتجبرا وينفلت بها الأمن ويتشرد الأطفال والنساء والخباز والحمال والطبيب، وقد
يمنُّ الله على المستضعفين بظهور نماذج قطز وصلاح الدين ويوسف بن تاشفين فيجوز في ظلهم
قتال الدفع الجماعي والإصلاح لكنه انقلاب من داخل القصر ممن يتاح لهم بعيدا عن سفك
الدماء المعصومة وبعيدا عن الإخلال بالسلم الاجتماعي.
والخلاصة أن فقه المرحلة اليوم يقضي بتكليف الفرد المسلم أن
يكون كما كان موسى رسول العالمين مع فرعون وملئه إذ لم يكن جزءا من منظومته ونظامه
ولم يُطِعْهُ ولم يدع قومَه بني إسرائيل إلى ثورة غوغاء ولا إلى رفع السلاح
والاغتيال والخطف والقتل إذ سيزداد المستضعفون رهقا وتمزقا وذلا، وليس قادة
التنظيمات الجهادية المعاصرة بأهدى من موسى والنبيين الذين لم يمكنوا في الأرض ولعل
من حكام العصر خلفا لفرعون وهو سلفهم ولكنهم حتى الآن ليسوا بأكفر منه ولا أشقى.
بقلم
الحسن محمد ماديك
صاحب مدرسة لتأصيل التفسير والقراءات وفقه المرحلة
0 التعليقات:
إرسال تعليق