سورة النساء
عقب السورة التي تدور حول محور التنافس والصراع والمغالبة تتْلوها هذه السورة ويدور محورها حول حفظ الضرورات السبع:
أولا: حفظ الدِّين
ثانيا: حفظ العقل
ثالثا:
حفظ الأمن الغذائي
رابعا: حفظ المجتمع بالحقوق والأمن والسِّلْم والعدل
خامسا: حفظ النفس والنسل
سادسا: الأعراض
سابعا: حفظ المال
ومن تفصيله:
أولا: حفظ الدين
ولا يصح تمثل الدِّين وحفظه قبل البراءة من الشرك واتخاذ الشيطان المَريد الرجيم عدوًّا مبينا وليصح حفظ الدين بتمثل الخطاب أمرا ونهيا
وابتدأتْ هذه السورة بخطاب الناس كل الناس لِيَتَّقُوا ربَّهم، ويعني تذكيرهم بأن اللهَ رقيب عليهم الوَعْدَ من الله أنْ سيحاسبُ يوم القيامة الذين يُقَطعون الأرحام والله المستعان.
وتنزل التكليف بعبادة الله وبالإيمان بالله ورسله وعدم التفرقة بين الرسل بالإيمان ببعضهم وبالكفر ببعضهم، وتنزل تشريع الهجرة فرارا من الفتن.
ثانيا حفظ العقل
ومنه النهي عن الصلاة حالة السكر والخطاب بدراية ما يقوله المصلي وذلك في بداية مرحلة نشأة المجتمع المسلم يوم كان القرآن يتنزل قبل الخطاب بتحريم الخمر والميسر بتاتا ويعني تقرير فقه المرحلة والواقع بعيدا عن إنشاء المجتمع بتخمة القوانين النظرية.
ثالثا: حفظ الأمن الغذائي والكسوة
كما في قوله:
ـ ﴿تبتغون عرَضَ الحياة الدنيا فعند الله مغانمُ كثيرةٌ﴾
ـ ﴿وإذا حضر القِسمة أولوا القربى واليتامى فارزقوهم منه واكسوهم﴾
ولدلالة الرزق في القرآن على الأكل والشرب، وكذلك من باب الأولَى النهي عن التكليف بالإحسن إلى الوالدين وذي القربى واليتامى والمساكين والصاحب والجار والنهي عن البخل وأكل أموال اليتامى ظلما والإذن للوصي على مال اليتيم أن يأكل منه بالمعروف إن احتاجه، وكذا السَعَة مع المراغم الكثير اللذيْن وعد الله بهما المهاجر في سبيل الله، وعرض الحياة الدنيا والمغانم.

رابعا: حفظ المجتمع بالحقوق والأمن والسِّلْم
حفظ المجتمع بالحقوق
مما ابتدئت به السورة التذكير بخلق الناس كلهم من نفس واحدة وبتذكيرهم بالأرحام ولْيشُدَّ بعضُهم بعضا وهم إخوة من نفسٍ واحدة ولا عِتاب على مَن يَسْأَلُ ذا رَحِمٍ حقا أو صلةً أو عفْوًا وتَجاوزا، ولا تَسَل عن عقوق المُعرضِ عن بَلَال رَحمِه ولا عن جفائه وشذوذه.
وتنزَّلَ الخِطابُ بإيتاءِ اليتامى أموالهم وبالنهي عن أكلها وتكرر التكليف بالإحسان إليهم مع الوالديْنِ وذي القربى والمساكين والجار والصاحب وابن السبيل، وأنَّ لأولي القربى واليتامى والمساكينِ حقَّا من أموال التركة إذا حضروها صدقةً عن الميت، وتكرر الخطاب بمراعاة اليتامى من النساء ووقع التغليظ بعدم مراعاة حقوقهن والترغيب بنكاحهن.
وتنزل النهي عن الحسَدِ والبخل وتزيينه للناس واكتناز المال خشية إنفاقه، ثم التكليف بالإنفاق ابتغاء رضوان الله من غير رياء قبل يوم يودّ المفرِّطون الذين كفروا وعصَوُا الرسول لو تُسَوَّى بهم الأرض لينجُوا من الحساب.
وتضمنت السورة تقرير كلية ﴿الرجال قوامون على النساء﴾ وتفصيل المحرم نكاحهن وأحكام النساء أنكحة وصداقا وميراثا وتأديبا إن رغبن عن الإحصان إلى الأَخْدَانِ والفاحشة، والتذكير بالميثاق الغليظ الذي أخذته الزوجات على الزوج أن يستُرَهُنَّ مادِّيًّا ومعنويا ولِيَكْفِيَهِنَّ عَنَتَ الشهوةِ والكسوة والمطعم والمسكن وأن يستُرَ ما أفضَى بعضهم به إلى بعضٍ، وتنزل الخطاب بالإحسان إليهن صَبرا ومعاشرة ولو كرِه الزوج منهن كما في قوله تعالى ﴿وعاشِروهنَّ بالمعروف فإن كرهتُمُوهنَّ فعسَى أن تكرهوا شيئا ويجعلَ الله فيه خيرا كثيرا﴾.
وتنزل الخطابُ بإيتاء الصداق وبالنهي عن عَضلِهنّ أي مَنْعِهِنَّ بعضَ حقوقهن يضطرُّهن إلى استعادتها ببعض الصداق، وكذا النهي عن ظلم يتامى النساء بالرغبة عن نكاحهنَّ وعن إيتائهنّ ما كُتِبَ لهنَّ من الحقوق، وكذا سائر المستضعفين من الولدان واليتامى.
وتكرر الخطاب بالإحسان في عقد الزواج باستكمال شروطه وشروط التعدد وبالإحسان في العشرة وبإتاحة الفرصة للصلح وأن يصَّاحا والصلح خير قبل قرار الطلاق والتفرق عند الاقتضاء ولعل الله يُغنِي كلا منهما من سَعَتِه.
ولكل امرأة مواليها من الوالدين والأقربين وهم مَن يأذنون بزواجها ويزوجونها بصداق وشرط وكذلك الأمة كما في قوله تعالى ﴿فانكحوهن بإذن أهلهنَّ وءاتُوهنَّ أجورهنَّ بالمعروف﴾.
وتنزل التحذير من اتباع دعاة المَيْلِ العظيم باتِّباع الشهوات.
حفظ المجتمع بالسِّلْم والأمْن والعدل
ومنه المثاني:
﴿وإذا جاءهم أمْرٌ من الأمْنِ أو الخَوفِ أذاعُوا به ولو ردُّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمْرِ منهم لعلمَه الذين يستنبطونه منهم﴾
﴿يا أيُّها الذين ءامنوا إذا ضربْتُم في سبيل الله فتبيَّنُوا ولا تقولوا لِمَنْ ألْقَى إليكم السلامَ لَسْتَ مؤمنا﴾
﴿وإذا حُيِّيتُم بتحيَّةٍ فحيُّوا بأحسَنَ منها أو رُدُّوها﴾
وتنزل تغليظ العقوبة على قاتل النفس المؤمنة وتشريع تحرير الرقاب.
وتنزل التحذير من:
ـ الذين أوتُوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ليُضِلوا غيرهم ويؤمنون بالجبت والطاغوت ويفَضِّلون الذين كفروا على المؤمنين
ـ الذين هادوا يحرِّفون الكلم عن مواضعه
ـ من تزكية النفس وافتراء الكذب على الله
ـ المنافقين وتثبيطهم وكيدهم ومن موالاتهم
ـ مجالسة المستهزئين بآيات الله المتلوة
ـ سلوك أهل الكتاب بسؤالهم ما ليس لهم والكفر ونقض الميثاق والبهتان وقتل الأنبياء والظلم والصد عن سبيل الله وأكل الأموال بالباطل
وتنزل التكليف بالحكم بالعدل وأن تُرَدَّ النزاعات إلى الله وإلى الرسول وأن يقوم الذين ءامَنوا بالقسط شهداء لله ولو على أنفسهم أو الوالديْن والأقربين.
وعلى الخاصَّةِ قبل نفاذ الوعْد ومَن في موقِعٍ عمومي أن يشفعوا شفاعة حسنة ينتفع بها مَن يحتاجونها من القاصرين عنها وإلا فلا يشْفعوا شفاعة سيئةً يتضرر بها الناس كما في الكليتين الكبيرتين ﴿مَن يشفَعْ شفاعة حسنةً يكن له نصيبٌ منها ومَن يشفَعْ شفاعةً سيئةً يكن له كفل منها﴾
وتنزل التكليف بالقتال في سبيل الله أي في حياة الرسول وبأمْرٍ منه، ثم بعد حياة النبيِّ الإذْنُ بالقتال الجماعي في ظل سلطان ظاهر غير مُخْتَفٍ ولا مُسْتَتِرٍ في سبيل تحرير المستضعفين من الرجال والنساء والولدان المقهورين المسجونين أو العاجزين الذين لا يستطيعون حِيلَةً ولا يهتدون سبيلا يُخرِجُهم هِجرةً من القريةِ الظالمِ أهلُها إلى بلد ءامِنٍ، وشرعت صلاة الخوف ثم الوصية بإقامتها عند الاطمئنان وزوال الخوف ويعني صحة الحديث النبويّ أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أمر فزع إلى الصلاة.
خامسا: حفظ النفس والنسل
وتنزل النهي عن قتل النفس وأن يُلْقُوا بأيديهم إلى التهلُكَة، ويعني إعلان كلية ﴿أينما تكونوا يُدرككم الموت﴾ بيانَ أن ليس من الدِّين في شيء صَونُ النفسِ عن ضريبة الدفاع عن المجتمع وحمايته من الاجتياح الخارجي.
وتنزلت الوصية في الأولاد، وحقوق الذريَّة الصغار الضعاف وخشية ضياعهم وتشردهم من بعد موته وليغنِيَهم عن السؤال والضياع والتشرد.
سادسا: حفظ الأعراض
وكما في المثاني:
ـ ﴿ومَن يَكسِبْ خطيئةً أو إثما ثم يرمِ به بريئًا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا﴾
ـ ﴿وبكفرِهم وقولِهم على مريم بهتانا عظيما﴾
ـ ﴿لا يُحِب الله الجهر بالسوء من القول إلا مَن ظُلِمَ وكان الله سميعا عليما﴾
سابعا: حفظ المال
ومنه النهيُ أن يُؤتُوا السفهاء الأموال والنهي عن أكل أموال الغير بالباطل إلا تجارةً عن تراض بينهم، وكذا أحكام المواريث والوصية، والنهي عن أكل اليتامى ظلما والتكليف برَدِّ الأمانات إلى أهلها. 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Top