لا أعتب على الإسلاموفوبيا ولا على العلمانيين العرب فلَعَلَّهم يخافون الصورة القاصرة المشوهة الممجوجة التي يُقَدِّمها رعاةُ التطرف والغلوِّ باسم الإسلام لتنفير الناس منه، أو لعلَّهم يحذرون الصورة الجامدة في بعض المتون الاجتهادية في عصور الانحطاط واتَّخَذَها بعض المقلِّدين المعاصرين مرجعيةً مقدسةً لا يجيزون القصورَ عنها ولا تجاوُزَها قيدَ أنملةٍ ولو أصبح المسلمون في مرحلة الاستضعاف والتشرد والتحريق.
وإنما أعتبُ على أهل العلم قصورَهم عن بيان كليات عامَّة في الإسلام ومنها:
أولها: أن كلية ﴿لا إِكْرَاهَ في الدِّينِ﴾ البقرة، ثابتة غير منسوخة ومن المثاني معها:
﴿وقلِ الحقُّ من ربِّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاءَ فليكفرْ﴾ الكهف
﴿وهديْناه النَّجديْنِ﴾ البلد
ولو كان الإسلام دين إكراهٍ لَمَا تنزل في القرآن التحذير من المَسَاسِ بطائفةٍ من المنافقين اعتزلوا قتال المسلمين وكرهوا قتالَ قومهم كما في قوله تعالى ﴿الذين يَصِلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاقٌ أو جاءوكم حَصِرَتْ صدورُهم أن يُقاتِلوكم أو يُقاتِلوا قوْمَهم ولو شاء الله لسلَّطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يُقاتِلوكم وأَلْقَوْا إليكم السّلَم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا﴾ النساء، ويعني تنزل القرآن بتحريم دمائهم وأموالهم ولم يعتِبْ عليهم الكف عن مقاتلة قومهم.
ثانيها: أن التكفير ليس من دِينِ الإسلام بل هو جزءٌ من تحريف اليهود والنصارى دينهم كما في قوله تعالى ﴿وقالتِ اليهود ليستِ النصارى على شيء وقالت النصارى ليستِ اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب﴾ البقرة، ويعني الإنكار على مَن يتلو الكتابَ ويجحد بعض ما عند مخالفِه من الصواب، وكما في المثاني معه في قوله ﴿وقالوا لن يدخلَ الجنةَ إلا مَن كان هودًا أو نصارى﴾ البقرة.
وإنما نشأت فتنة التكفير بالغلو في تقديس الرأي والمذهب والسلوك عُجبًا من صاحبه وكذلك اليهود والنصارى كما في قوله ﴿وقالتِ اليهود والنصارى نحن أبناءُ الله وأحبَّاؤه﴾ المائدة، وقوله ﴿ألم تر إلى الذين يُزَكُون أنفسَهم﴾ النساء.
أما الإسلام فيدعو المسلمين إلى الابتعاد عن تزكية النفس عُجْبا كما في قوله تعالى ﴿فلا تُزكوا أنفسَكم هو أعلم بمن اتَّقَى﴾ النجم، ويدعو المسلمين إلى اعتبار ما مع المخالفين من صواب كما في المثاني:
﴿قل يا أهل الكتاب تعالَوْا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم أن لا نعبدَ إلا الله ولا نُشرِكَ به شيئا ولا يتَّخِذَ بعضنا بعضًا أربابا من دون الله﴾ آل عمران
﴿وقولوا ءامَنَّا بالذي أُنزِلَ إليْنا وأُنزِلَ إليكم وإلَهُنا وإلـهُكم واحدٌ﴾
ثالثها: أن القرآن حدثنا أن كل عملية قَتْلٍ أو محاولةَ اغتيالٍ أو تهديدٍ به وقعت عبر التاريخ منذ قتل ابن آدم الأول بيد شقيقه الخاسر وإلى أن نزلت التوراة على أول مجتمع مسلم وقُتِل قتيل بني إسرائيل الذي ضُرِبَ ببعض أجزاء البقرة - إنما كانت من جانب الكفار والمشركين، إذ لم يتضمن القرآن القتل ومحاولته والقتال والاغتيال في مرحلة ما قبل التمكين  إلا من جانب الكفار:
ـ ومنه تهديد نوح بالرجم كما في قوله ﴿قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين﴾ الشعراء
ـ ومنه تهديد إبراهيم بالرجم كما في قوله ﴿قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك﴾ مريم
ـ ومنه تهديد شعيب بالرجم كما في قوله ﴿قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك﴾ هود
ـ ومنه تهديد الرسل الثلاثة أصحاب القرية بالرجم كما في قوله ﴿قالوا طائركم معكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسّنّكم منا عذاب أليم﴾ يـس
ـ ومنه محاولة اغتيال صالح وأهله من جانب تسعة رهط من قومه كما في قوله ﴿وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون قالوا تقاسموا بالله لنبيّتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون﴾ النمل.
ـ ومنه رمي إبراهيم في النار التي نجّاه الله منها كما في قوله ﴿قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين﴾ الصافات، وقوله ﴿قالوا حرّقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين﴾ الأنبياء
ـ ومنه المجزرة الجماعية لأصحاب الأخدود الذين حرّقوا بالنار كما في قوله ﴿قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد﴾ البروج
ـ ومنه سلوك فرعون بإعدام السحرة بعد التمثيل بهم وصلبهم أن آمنوا برب العالمين رب موسى وهارون  كما في قوله ﴿وألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون لأقطّعنّ أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلّبنّكم أجمعين﴾ الأعراف، وقوله ﴿فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علّمكم السحر فلأقطعنّ أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلّبنّكم في جذوع النخل ولتعلمنّ أيّنا أشد عذابا وأبقى﴾ طـه، وقوله ﴿فألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علّمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطّعنّ أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنّكم أجمعين﴾ الشعراء
ـ ومنه قتل أصحاب القرية الرجل الذي جاء من أقصى المدينة ليعز الرسل الثلاثة كما في قوله ﴿إني آمنت بربكم فاسمعن قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين﴾ يـس، والمعنى أنهم قتلوه لما أعلن الإيمان بالرسل الثلاثة وأن الله أحياه وأدخله الجنة كما هو شأن كل قتيل في سبيل الله .
ـ ومنه محاولة اليهود قتل عيسى لولا أن رفعه الله كما في قوله ﴿وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم﴾ النساء، وقوله ﴿ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ﴾ آل عمران
ـ ومنه عمليات قتل أنبياء وأتباعهم لم يفصلها القرآن كما في قوله ﴿لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق﴾ آل عمران،  وقوله ﴿قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبيّنات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين﴾ ، وقوله ﴿لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون﴾ المائدة، وقوله ﴿ أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون﴾ البقرة
ـ ومنه تهديد الرسل بالآيات بالإخراج من الديار أو الإكراه على ترك دينهم كما في قوله ﴿وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنّكم من أرضنا أو لتعودنّ في ملتنا﴾ إبراهيم، وكما في قوله ﴿قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنّك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودنّ في ملتنا﴾ الأعراف، وكما في قوله ﴿لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين﴾ الشعراء، وقوله ﴿وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون﴾ الأعراف، وقوله ﴿فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون﴾ النمل
وأما تفكير الأسباط إخوة يوسف في قتله فقد تراجعوا عنه واستغفروا منه وكان قبل نُبوَّتهم وبدافع الغيرة وهم فتيان لا زالوا يلعبون ويمرحون ويستبقون.
إن القرآن حدثنا أن ابن آدم الأول المقتول إنما منعه دينه عن الدفاع عن نفسه وذلك قوله ﴿لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين﴾ المائدة، ويعني أن خوفه من عذاب ربه وعقابه هو الذي منعه من الدفاع عن نفسه .
وما كان جواب نوح لما هدّد بالرجم إلا كما في قوله ﴿قال رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين﴾ الشعراء.
وما كان جواب إبراهيم لما هدده أبوه بالرجم إلا أن قال كما في قوله ﴿قال سلام عليك سأستغفر لك ربي﴾ مريم وما كان جواب الرسل الثلاثة الذين هدّدوا بالرجم إلا كما في قوله ﴿قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون﴾ يس.
وما كان من شعيب لما هدّد بالإخراج أو الإكراه على ترك دينه إلا أن قال كما في قوله ﴿قال أو لو كنا كارهين قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين﴾ الأعراف
وما كان من لوط لما هدّد بالإخراج إلا أن قال كما في قوله ﴿إني لعملكم من القالين رب نجني وأهلي مما يعملون﴾ الشعراء
وما كان من الرسل بالآيات لما هدّدوا بالإخراج أو الإكراه إلا أن قالوا ﴿ولنصبرنّ على ما آذيتمونا﴾ إبراهيم واستفتحوا ربهم طلبا للنصر.
وكذلك صبر النبيون الذين قتلوا ولم يتضمن تفصيل الكتاب المنزل أنهم بسطوا أيديهم دفاعا عن أنفسهم.

وما كان من السحرة لما هُدِّدوا بالصلب والتمثيل والإعدام إلا أن قالوا كما في قوله ﴿قالوا إنا إلى ربنا منقلبون وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفَّنا مسلمين﴾ الأعراف، وكما في قوله ﴿قالوا لن نُؤثِرَك على ما جاءنا من البيّنات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى﴾ طـه، وكما في قوله ﴿قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين﴾ الشعراء. 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Top