دراسة
نقدية حول تفسير الأحرف السبعة
تقيدا بالبحث العلمي المجرد وبعيدا عن
التقليد وعن التكلف سأناقش في هذا الباب أربع مسائل تتعلق بحديث إنزال القرآن على
سبعة أحرف:
أولاها: إجماع المصنفين من طرق الرواة
ومن تبعهم من المفسرين وغيرهم على تأويلهم دلالة الأحرف السبعة.
وثانيها: إجماع القراء والمفسرين على
ما حسبوه سبب ورود الحديث.
وثالثها: مناقشة روايات الحديث.
ورابعها: تفسير جديد لمدلول الأحرف
السبعة.
المسألة الأولى: إجماعهم على تأويلهم
دلالة الأحرف السبعة.
ولقد أجمع المصنفون من طرق رواة
القراءات على الكليتين التاليتين:
1.
أن ليس المقصود بالأحرف السبعة جواز قراءة كل
كلمة من القرآن بسبعة أوجه
2.
وأن ليس المقصود بالأحرف السبعة القراءات السبع
التي جمعها ابن مجاهد في سبعته في القرن الرابع الهجري
قلت: ولقد وافقوا الصواب في المسألتين
غير أنهم تخلصوا من الإشكالية بتأويل دلالة الأحرف السبعة على أنها لغات رغم
اختلافهم في تعيينها فمنهم من يقول هي لغة قريش وهذيل وثقيف وهوازن وكنانة وتميم
واليمن.
وتأوّل المصنفون من طرق الرواة كالداني
في جامع البيان (1/107) الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن بأحد تفسيرين:
1.
بأوجه اللغات بقوله ﴿ومن الناس من يعبد الله
على حرف﴾ الحج، أي على وجه النعمة والسراء.
2.
بالقراءات من باب تسمية الشيء باسم بعضه.
وعلق ابن الجزري في النشر (1/24) على
مذهب الداني المذكور بقوله "وكلا الأمرين محتمل إلا أن الأول محتمل احتمالا
قويا في قوله صلى الله عليه وسلم "سبعة
أحرف" أي سبعة أوجه وأنحاء، والثاني محتمل احتمالا قويا في قول عمر رضي الله
عنه في الحديث : "سمعت هشاما يقرأ سورة الفرقان على حروف كثيرة لم يقرئنيها
رسول الله صلى الله عليه وسلم أي على
قراءات كثيرة ..." اهـ محل الغرض منه.
ولقد أحسن المحقق ابن الجزري في رد هذا
التفسير بقوله (1/24) "وهذه الأقوال مدخولة فإن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم
اختلفا في قراءة سورة الفرقان كما ثبت في الصحيح وكلاهما قرشيان من لغة واحدة
وقبيلة واحدة" اهـ بلفظه.
ويلاحظ أن ابن الجزري قد اعتبر القول
المدخول حسب وصفه وعدّه أولا ضمن تأويله دلالة الأحرف السبعة قال (1/26) :"ولا
زلت أستشكل هذا الحديث وأفكر فيه وأمعن النظر من نيف وثلاثين سنة حتى فتح الله
عليّ بما يمكن أن يكون صوابا إن شاء الله وذلك أني تتبعت القراءات صحيحها وشاذها
وضعيفها ومنكرها فإذا هو يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه من الاختلاف لا يخرج عنها وذلك:
1.
إما في الحركات بلا تغير في المعنى والصورة نحو
﴿البخل﴾ بأربعة و ﴿يحسب﴾ بوجهين
2.
أو بتغير في المعنى فقط نحو ﴿فتلقى آدم من ربه
كلمات﴾ ﴿وادكر بعد أمة﴾ و ﴿أمه﴾
3.
وإما في الحروف بتغير المعنى لا الصورة نحو ﴿تبلوا﴾
و ﴿تتلوا﴾ و ﴿ننجيك ببدنك﴾ و ﴿ننحيك ببدنك﴾
4.
أو عكس ذلك نحو ﴿بصطة﴾ و ﴿بسطة﴾ و ﴿الصراط﴾ و ﴿السراط﴾
5.
أو بتغيرهما نحو ﴿أشد منكم﴾ و ﴿ومنهم﴾ و ﴿يأتل﴾
و ﴿يتألَ﴾ و ﴿فاسعَوا إلى ذكر الله﴾ و ﴿فامضوا﴾
6.
وإما في التقديم والتأخير نحو ﴿فيقتلون ويقتلون﴾
و ﴿وجاءت سكرة الموت بالحق﴾ ﴿وجاءت سكرة
الحق بالموت﴾
7.
أو في الزيادة والنقصان نحو ﴿وأوصى﴾ ﴿ووصى﴾ ﴿والذكر
والأنثى﴾
فهذه سبعة أوجه لا يخرج الاختلاف عنها
وأما نحو اختلاف الإظهار والإدغام والروم والإشمام والتفخيم والترقيق والمد والقصر
والإمالة والفتح والتحقيق والتسهيل والإبدال والنقل مما يعبر عنه بالأصول فهذا ليس
من الاختلاف الذي يتنوع فيه اللفظ والمعنى لأن هذه الصفات المتنوعة في أدائه لا
تخرجه عن أن يكون لفظا واحدا ولئن فرض فيكون من الأول" اهـ بلفظه وبزيادة بعض
الأمثلة للتوضيح.
وأبدأ
بإعطاء كل ذي حق حقه وكل ذي فضل فضله معترفا بفضل من سبقني من الباحثين الجادّين
أعني الشيخ محمد محمد أبا شهبة في كتابه "المدخل لدراسة القرآن الكريم"،
ولقد سبقني بما بهرني من رأي سديد وفكر ثاقب أثناء نقاشه الرائع الآراء المختلفة
حول الأحرف السبعة، قال:
"يمكننا
إجمال النقد فيما يلي:
1.
إن القائلين بهذا الرأي ـ على اختلافهم ـ لم
يذكر واحد منهم دليلا إلا أنه تتبع وجوه الاختلاف في القراءة فوجدها لا تخرج عن
سبع وهذا التتبع لا يصلح أن يكون دليلا على أن المراد بالأحرف السبعة الوجوه التي
يرجع إليها اختلاف القراءات.
ولا
يقال كيف لا يعتبر التتبع وهو لا يخرج عن كونه استقراء.
لأنا
نقول إنه استقراء ناقص بدليل أن طريق ابن الجزري مخالف لطريق تتبع ابن قتيبة وابن
الطيب والرازي وليس أدل على ذلك من أن الرازي ذكر الوجه السابع ولم يذكره واحد من
الثلاثة الآخرين بل برر ابن الجزري إهماله مما يدل على أنه يمكن الزيادة على سبع
وأن الوجه الأول عند الرازي والثاني والسادس ترجع ثلاثتها إلى الوجه الخامس عند
ابن الجزري مما يدل على أن هذه الوجوه يمكن أن يتداخل بعضها في بعض وأن تعيينها
إنما هو بطريق الاتفاق لا الاستقراء الصحيح.
وعلى
هذا يكون الحصر في الوجوه السبعة غير مجزوم به ولا متعين فهو مبني على الظن
والتخمين.
2.
إن الغرض من الأحرف السبعة إنما هو رفع الحرج
والمشقة عن الأمة والتيسير والتسهيل عليها، والمشقة غير ظاهرة في إبدال الفعل
المبني للمعلوم بالفعل المبني للمجهول ولا في إبدال فتحة بضمة أو حرف بآخر أو
تقديم كلمة أو تأخيرها أو زيادة كلمة أو نقصانها، فإن القراءة بإحداهما دون الأخرى
لا توجد مشقة يسأل النبي صلى الله عليه وسلم
منها المعافاة وأن أمته لا تطيق ذلك ويراجع جبريل مرارا ويطلب التيسير
فيجاب بإبدال حركة بأخرى أو تقديم كلمة وتأخيرها، فالحق: أنه مستبعد أن يكون هذا هو
المراد بالأحرف السبعة.
3.
إن أصحاب هذه الأقوال اشتبه عليهم القراءات
بالأحرف، فالقراءات غير الأحرف لا محالة وإن كانت مندرجة تحتها وراجعة إليها"
اهـ بلفظه من "المدخل لدراسة القرآن الكريم" ص 193 والتي بعدها.
ولا مزيد على حسنه وتمامه وتأصيله
فجزاه الله خيرا عن أمة القرآن.
وهنالك أربعة أقوال عن المتقدمين في
تأويل دلالة الأحرف السبعة هي:
1.
أنها معاني الأحكام كالحلال والحرام والمتشابه
والأمثال والإنشاء والإخبار.
2.
أنها الناسخ والمنسوخ والخاص والعام والمجمل
والمبين والمفسر.
3.
أنها الأمر والنهي والطلب والدعاء والخبر
والاستخبار والزجر.
4.
أنها الوعد والوعيد والمطلق والمقيد والتفسير
والإعراب والتأويل.
قال ابن الجزري (1/25) "وهذه
الأقوال غير صحيحة فإن الصحابة الذين اختلفوا وترافعوا إلى النبي صلى الله عليه
وسلم كما ثبت في حديث عمر وهشام وأبيّ
وابن مسعود وعمرو بن العاص وغيرهم لم يختلفوا في تفسيره ولا أحكامه وإنما اختلفوا
في قراءة حروفه" اهـ بلفظه
وهكذا يتبين الاضطراب في تأويل دلالة
الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن ولم ينسب السلف ومنهم الداني ومكي وابن
الجزري رحمهم الله بسبب أمانتهم العلمية شيئا من تلك الأقوال إلى التابعين ولا إلى
الصحابة ولا إلى النبي صلى الله عليه وسلم
بل ظلت تلك الأقوال اجتهادات متأخرة من المصنفين فجزاهم الله خيرا على
الأمانة العلمية.
ونسجل لابن الجزري رحمه الله عدم القطع
برأيه وتأويله ونشكر له قوله الآنف الذكر: "ولا زلت أستشكل هذا الحديث وأفكر
فيه وأمعن النظر من نيف وثلاثين سنة حتى فتح الله عليّ بما يمكن أن يكون صوابا إن شاء
الله" اهـ ولم يقطع بأنه هو الصواب لا غيره.
ونسجل للداني رحمه الله عدم القطع
برأيه وتأويله ونشكر له قوله في جامع البيان (1/ 109) "ويمكن أن يكون هذه
السبعة أوجه من اللغات فلذلك أنزل القرآن عليها" اهـ بلفظه.
وكذلك
اعترف ابن الجزري في نشره (1/25) باحتمال أن لا يكون اختلاف القراءات هو المراد
بالأحرف السبعة فقال: "فإن قيل فما تقول في الحديث الذي رواه الطبراني من
حديث عمر بن أبي سلمة المخزومي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن مسعود
"إن الكتب كانت تنزل من السماء من باب واحد وإن القرآن أنزل من سبعة أبواب
على سبعة أحرف: حلال وحرام ومحكم ومتشابه وضرب أمثال وآمر وزاجر فأحل حلاله وحرم
حرامه وأعمل بمحكمه وقف عند متشابهه واعتبر أمثاله فإن كلا من عند الله ﴿وما يذكر
إلا أولوا الألباب﴾ فالجواب عنه من ثلاثة أوجه أحدها: أن هذه السبعة غير الأحرف
السبعة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم
في تلك الأحاديث وذلك من حيث فسرها في هذا الحديث فقال حلال وحرام إلى آخره
وأمر بإحلال حلاله وتحريم حرامه إلى آخره ثم أكد ذلك الأمر بقول ﴿آمنا به كل من
عند ربنا﴾ فدل على أن هذه غير تلك القراءات" اهـ بلفظه.
قلت: ولقد وقع الإدراج في الحديث فضُم
إليه من تفسير بعض الرواة مصطلحات لم تكن متداولة في جيل الصحابة ولا نطقوا بها
ولا سمعوها من النبي صلى الله عليه وسلم مصطلحات: الإنشاء والإخبار والناسخ
والمنسوخ والخاص والعام والمجمل والمبين والمفسر والطلب والدعاء والخبر والاستخبار
والزجر والمطلق والمقيد والإعراب.
وينقض تأويلهم دلالة الأحرف السبعة ـ
التي أنزل عليها القرآن ـ بالقراءات أن المقروء بسبعة أوجه نادر جدا وأن بعض
الكلمات قد قرئت بأكثر من سبعة أوجه بل بأكثر من عشرة أوجه مثل ﴿مالك يوم الدين﴾،
ومثل ﴿وعبد الطاغوت﴾ ، ومثل ﴿أف﴾ كما هو معلوم وأن قد وقع التكلف في اقتصار ﴿يخصمون﴾
و ﴿لا يهدي﴾ على سبعة أوجه.
المسألة الثانية: إجماع القراء
والمفسرين على ما حسبوه سبب ورود الحديث
لقد اتفق المصنفون من طرق القراء ومنهم
الداني وابن الجزري والمفسرون وغيرهم على أن سبب ورود حديث إنزال القرآن على سبعة
أحرف هو التخفيف والتيسير والتهوين على أمة منها الغلام والشيخ الفاني والعجوز.
وقطعوا ولم يترددوا فاعتبروا اختلاف
أهل الأداء في تلاوة القرآن هو المراد بالأحرف السبعة.
ولا اعتراض مني على اعتبار علّة
التخفيف والتيسير والتهوين على أمة منها الغلام والشيخ الفاني والعجوز هو سبب
إنزال القرآن على سبعة أحرف، وإنما الاعتراض على أن المصنفين من طرق رواة القراءات
لم يتصوروا المشقة على الأمة كلها إلا في كيفية الأداء بتلاوة القرآن أي كيفية
النطق بكلماته وصلا ووقفا، ولكأنهم حصروا الغاية من إنزال القرآن في تلاوته أما
التكليف بتدبره وبالبحث فيه عن الرشد وعن التي هي أقوم وبالعمل بمأموراته والكف عن
منهياته ومحاولة تبيّن المرحلة لإسقاط ما يقع عليها من نصوص الوحي قرآنا وحديثا
نبويا أي دراية فقه المرحلة فجميعه في موازين المصنفين من طرق رواة القراءات وتصورهم
خفيف ليس بشيء ولا يثقل على النبي الأميّ كما أثقل عليه تعامل المتأخرين مع
الإطباق الشفوي والفرجة والغنة والمدود والتسهيل والسكت والإدغام والإمالة...
ولعل باحثا منصفا لا يضيق ذرعا
بتساؤلاتي التالية:
ـ القراءتان في قوله تعالى ﴿وقد أخذ
ميثاقكم﴾ الحديد، بين التجهيل والتسمية أي مشقة وحرج في إحداهما ليستعيذ النبي صلى
الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته ليعدل عن التجهيل فيها إلى التسمية أو عن
التسمية إلى التجهيل؟
ـ القراءتان في قوله تعالى ﴿وكفلها﴾ آل
عمران، بين الثقل والتخفيف أي مشقة وحرج على الأميّ والعجوز والشيخ الفاني ومن لم
يقرأ كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته
ليعدل عن تشديد الفاء إلى تخفيفه أو عن تخفيف الفاء فيها إلى ثقله؟
ـ القراءتان في قوله تعالى ﴿فتلقى آدم
من ربه كلمات﴾ البقرة، بين الرفع في ﴿آدم﴾ والنصب في ﴿كلمات﴾ وبين النصب في ﴿آدم﴾
والرفع في ﴿كلمات﴾ أي مشقة وحرج على الأميّ والعجوز والشيخ الفاني ومن لم يقرأ
كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته
ليعدل عن تقديم الفاعل إلى تأخيره أو عن تقديم المفعول إلى تأخيره؟
ـ القراءتان في قوله تعالى ﴿والذين
اتخذوا مسجدا ضرارا﴾ التوبة، أي مشقة وحرج على الأميّ والعجوز والشيخ الفاني ومن
لم يقرأ كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن
أمته ليعدل عن زيادة الواو قبلها أو تجريدها منه؟
ـ القراءتان في قوله تعالى ﴿فإن الله
هو الغني الحميد﴾ في سورة الحديد، أي مشقة وحرج على الأميّ والعجوز والشيخ الفاني
ومن لم يقرأ كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف
عن أمته ليعدل عن زيادة ﴿هو﴾ إلى حذفها.
ـ
القراءتان بين الإظهار والإدغام أي مشقة وحرج على الأميّ والعجوز والشيخ الفاني
ومن لم يقرأ كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف
عن أمته ليعدل عن الإظهار إلى الإدغام أو عن الإدغام إلى الإظهار؟
ـ
القراءتان بين تحقيق الهمز وتسهيله ببين بين أو بالنقل أو بالحذف أي مشقة وحرج على
الأميّ والعجوز والشيخ الفاني ومن لم يقرأ كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى
الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته ليعدل عن التحقيق إلى التسهيل أو عن التسهيل
إلى التحقيق؟
القراءتان
بين الفتح والإمالة بقسميها أي مشقة وحرج على الأميّ والعجوز والشيخ الفاني ومن لم
يقرأ كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته
ليعدل عن الفتح إلى الإمالة أو عن الإمالة إلى الفتح؟
ـ
القراءتان ببين فتح ياء الإضافة وإسكانها بجعلها ياء مدية أي مشقة وحرج على الأميّ
والعجوز والشيخ الفاني ومن لم يقرأ كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله
عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته ليعدل عن الفتح إلى الإسكان أو عن الإسكان إلى
الفتح؟
ـ
القراءتان بين حذف ياءات الزوائد وإثباتها أي مشقة وحرج على الأميّ والعجوز والشيخ
الفاني ومن لم يقرأ كتابا قط في إحداهما ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب
التخفيف عن أمته ليعدل عن حذف الياء إلى إثباتها؟
ـ
القراءات بالإشمام والروم وبتفاوت مقدار المد كل مرتبة تزيد بألِف أو بنصف ألف أي
مشقة وحرج على الأميّ والعجوز والشيخ الفاني ومن لم يقرأ كتابا قط في إحداهما
ليستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب التخفيف عن أمته في العدول عن بعضها على
بعض؟
المسألة
الثالثة: مناقشة روايات الحديث
الرواية
الأولى:
أخرج
البخاري في صحيحه في كتاب فضائل القرآن باب أنزل القرآن على سبعة أحرف بسنده عن عمر بن الخطاب: "سمعت
هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت
لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم
فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلّم فلببته بردائه فقلت من أقرأك هذه السورة
التي سمعتك تقرأ قال أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت كذبت فإن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت فانطلقت به أقوده إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقلت إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم
تقرئنيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله، اقرأ يا هشام فقرأ عليه
القراءة التي سمعته يقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذلك أنزلت، ثم قال
اقرأ يا عمر فقرأت القراءة التي أقرأني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"كذلك
أنزلت إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه. وهو من مكررات البخاري، وأخرجه مسلم وأبو
داوود والترمذي وقال: حسن صحيح، والنسائي مكررا ومالك في الموطإ وأحمد مكررا في مسند أحمد مسند عمر بن الخطاب، والبيهقي
مسندا وموقوفا، وفي سنن البيهقي الكبرى وفي شعب الإيمان وابن حبان في صحيحه.
الرواية
الثانية للحديث:
الحديث
في مسند أحمد بقية حديث عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم:
عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص قال: سمع عمرو بن العاص رجلا يقرأ آية من
القرآن، فقال: من أقرأكها؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقد أقرأنيها
رسول الله صلى الله عليه وسلم على غير هذا، فذهبا إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فقال أحدهما: يا رسول الله آية كذا وكذا، ثم قرأها، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: هكذا أنزلت، فقال الآخر: يا رسول الله فقرأتها على رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فقال : أليس هكذا يا رسول الله؟ قال: هكذا أنزلت، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فأي ذلك قرأتم فقد
أحسنتم، ولا تماروا فيه، فإن المراء فيه كفر - أو آية الكفر.
الرواية
الثالثة للحديث:
الحديث
في مسند أحمد حديث سليمان بن صرد عن أبيّ بن كعب رضي الله عنهما:
عن سليمان بن صرد عن أبيّ بن كعب قال: سمعت رجلاً يقرأ، فقلت: من أقرأك؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: انطلق إليه، فأتيت النبي صلى الله عليه
وسلم فقلت: استقرئ هذا، فقال: اقرأ فقرأ، فقال: أحسنت، فقلت له: أو لم تقرئني كذا
و كذا؟ قال: بلى، وأنت قد أحسنت، فقلت بيدي قد أحسنت مرتين، قال: فضرب النبي صلى
الله عليه وسلم بيده في صدري ثم قال: اللهم أذهب عن أبيّ الشك، ففضت عرقاً وامتلأ جوفي فرقاً، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: يا أبيّ إن ملكين أتياني فقال أحدهما: اقرأ على حرف، فقال الآخر:
زده، فقلت: زدني، قال: اقرأ على حرفين، فقال الآخر زده، فقلت زدني، فقال اقرأ على
ثلاثة، فقال الآخر: زده، فقلت: زدني، قال: اقرأ على أربعة أحرف، قال الآخر: زده،
قلت: زدني، قال: اقرأ على خمسة أحرف، قال: الآخر: زده، قلت: زدني، قال: اقرأ على
ستة، قال الآخر: زده، قال: اقرأ على سبعة أحرف، فالقرآن أنزل على سبعة أحرف.
الرواية
الرابعة للحديث
الحديث
في مسند أحمد عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: أن جبريل عليه السلام لقي
رسول الله صلى الله عليه وسلم عند حجارة المراء، فقال: يا جبريل، إني أرسلت إلى
أمة أمية، إلى الشيخ والعجوز والغلام والجارية والشيخ الذي لم يقرأ كتاباً قط،
فقال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف.
وكذا
حديث أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم
جبريل فقال يا جبريل إني بعثت إلى أمة أميين منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام
والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط قال يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف،
وهو الحديث في سنن الترمذي كتاب القراءات عن رسول الله باب ما جاء أنزل
القرآن على سبعة أحرف، وقال الترمذي: حسن صحيح.
قلت:
لعل المراد في الرواية الأولى والثانية والثالثة هو صرفهم عن الانشغال بتعدد
الأداء تعددا توقيفيا إلى تدبر القرآن المنزل على سبعة أحرف، وهكذا حسّن النبي صلى
الله عليه وسلم قراءة كل من هشام بن حكيم وعمر بن الخطاب سورة الفرقان.
وفي
وصف قراءة الرجلين اللذين اختلفا على قراءة آية من القرآن ـ كما في حديث عمرو بن
العاص ـ قال صلى الله عليه وسلم هكذا
أنزلت.
وفي
وصف قراءة الذي اختلف مع أبيّ بن كعب على قراءة بعض القرآن قال صلى الله عليه
وسلم: أحسنت، وفي وصف قراءة أبيّ بن كعب نفس الآيات قال صلى الله عليه وسلم:
"وأنت قد أحسنت".
ولا
يتعلق إنكار بعض الصحابة قراءة بعض باختلاف ألسنة العرب وإنما بأداء منزل أقرأ
النبي صلى الله عليه وسلم بكل منه بعضا من الصحابة فأنكر بعضهم قراءة بعض أن غاب
عنه الأداء الذي تلقاه غيره من الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم.
ولقد
أشكل على المصنفين من طرق الرواة اختلاف عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم القرشيان في
قراءة سورة الفرقان، ولكأن المصنفين من طرق الرواة لم يتصوروا أن يختلف القرشيان
على الأداء في سورة الفرقان وإنما تصوروا أن يختلف الأداء لدى الصحابة من قبائل
شتى عرفوا لهجات مختلفة كالذين لا يعرفون غير إمالة ذوات الياء والذين لا يعرفون
غير الفتح فيها وكالذين لا يعرفون غير تحقيق الهمزتين من كلمة وكلمتين والذين لا
يعرفون غير تسهيل الثانية منهما أو إسقاط الأولى من متفقتي الحركة.
وإنما
نشأ عجَب المصنفين من طرق الرواة من اختلاف القرشيين على أداء سورة الفرقان بسبب
قطعهم أن الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن تعني لهجات العرب واختلافها.
ولقد
تتبعت سورة الفرقان فألفيت فيها أكثر من عشرين حرفا اختلف في أدائه وتلاوته
وقراءته اختلافا لا علاقة له بلهجات العرب وألسنتها وإنما هو اختلاف منزل من عند
الله أقرأ بكل منه النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة فالتزموه وإنما أنكر
بعضهم من الأداء ما لم يتعلمه من نبيه صلى الله عليه وسلم ولما صوّب النبي صلى
الله عليه وسلم وحسّن كلا منه وأخبر بأنه كذلك أنزل أذعنوا إذعانا كان سبب تعدد
رسم المصاحف العثمانية.
وليختلفنّ
أداء كل اثنين من الصحابة في سورة الفرقان كما في غيرها ما لم يتلقياها من في رسول
الله صلى الله عليه وسلم في نفس الجلسة ونفس المرة.
وإليك
أخي الباحث المتجرد: نموذجا من أحرف الخلاف ـ في سورة الفرقان ـ والتي لا علاقة
لها باختلاف لهجات العرب وألسنتها:
ـ ﴿أو
تكون له جنة يأكل منها﴾ الوجهان بين النون والياء
ـ ﴿ويجعل
لك قصورا﴾ الوجهان بين الرفع والجزم
ـ ﴿ويوم
يحشرهم﴾ الوجهان بين النون والياء
ـ ﴿فيقول
أأنتم﴾ الوجهان بين النون والياء
ـ ﴿أن
نتخذ﴾ الوجهان (1) بضم النون وفتح الخاء
(2) أو بفتح النون وكسر الخاء
ـ ﴿كذبوكم
بما تقولون﴾ الوجهان بين الغيب والخطاب
ـ ﴿فما
تستطيعون﴾ الوجهان بين الغيب والخطاب
ـ ﴿تشقق
السماء﴾ الوجهان بين تخفيف الشين وتشديدها
ـ ﴿ونزل
الملائكة﴾ الوجهان (1) بنونين الأولى مضمومة والثانية ساكنة مع تخفيف الزاي
ورفع اللام ونصب الملائكة وكذلك في المصحف المكي وحده رسمت بنونين (2) أو بنون
واحدة وتشديد الزاي وفتح اللام ورفع الملائكة
ـ ﴿وهو
الذي أرسل الرياح﴾ الوجهان بين الإفراد والجمع
ـ ﴿بشرا
بين يدي﴾ الوجهان بين الباء والنون أي بين الموحدة التحتية والفوقية
ـ ﴿بلدة ميتا﴾ الوجهان بين
التخفيف والثقل
ـ ﴿ليذكروا فأبى﴾ الوجهان (1)
بإسكان الذال وضم الكاف مع تخفيفها (2) أو بفتح الذال والكاف وتشديدهما
ـ ﴿لما تأمرنا﴾ الوجهان بين
الغيب والخطاب
ـ ﴿سراجا﴾ الوجهان بين الإفراد والجمع
ـ ﴿لمن أراد أن يذكر﴾ الوجهان
(1) بتخفيف الذال ساكنة وتخفيف الكاف مضمومة (2) بتشديدهما مفتوحتين
ـ ﴿ولم يقتروا﴾ ثلاثة أوجه (1)
بضم الياء وكسر التاء (2) أو بفتح الياء وكسر التاء (3) أو بفتح الياء وضم التاء
ـ ﴿يضاعف له﴾ ثلاثة أوجه (1) بمد
الضاد بألف وتخفيف العين ورفع الفاء (2) أو بمد الضاد بألف وتخفيف العين وجزم
الفاء (3) أو بقصر الضاد وتشديد العين
ـ ﴿ويخلد﴾ الوجهان بين الرفع والجزم
ـ ﴿وذرياتنا﴾ الوجهان بين الإفراد
والجمع
ـ ﴿ويلقون﴾ الوجهان (1) بفتح الياء
وإسكان اللام وتخفيف القاف (2) بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف.
ولعلنا فهمنا ما قصده عمر بن الخطاب بقوله
: (سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت
لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ) اهـ ولا يخفى أن عشرين موضعا فأكثر
من مواضع الاختلاف جديرة بالوصف بأحرف كثيرة ليس منها شيء من قبيلِ لهجات العرب
كالإمالة بالصغرى والكبرى والإدغام الصغير والكبير وكالتسهيل بأنواعه المتعددة: بين
بين والنقل وإسقاط الهمزة والإبدال وكالاختلاس والإشمام والروم ...
ومن
أمثلة الخلاف في الأداء الذي لا علاقة له بلهجات العرب خارج سورة الفرقان:
ـ
قوله تعالى ﴿أو أن يظهر في الأرض الفساد﴾ قرئ بأربعة أوجه:
1.
بالواو مع أن ﴿وأن﴾ وبضم الياء وكسر الهاء في ﴿يظهر﴾
على أنه فعل رباعي وبنصب ﴿الفساد﴾ لوقوع الفعل عليه بعد إسناد الفعل إلى ضمير
الغائب وهو موسى، وهي المنسوبة فيما بعد للمدنيين وأبي عمرو
2.
بالواو مع أن ﴿وأن﴾ وبفتح الياء والهاء في ﴿يظهر﴾
على أنه ثلاثي وبرفع ﴿الفساد﴾ لإسناد الفعل إليه وهي المنسوبة فيما بعد للمكي
والشامي
3.
بزياة أو قبل أن ﴿أو أن﴾ وبضم الياء وكسر الهاء
في ﴿يظهر { وبنصب ﴿الفساد { وهي المنسوبة
فيما بعد لحفص ويعقوب
4.
بزياة أو قبل أن ﴿أو أن﴾ وبفتح الياء والهاء في
﴿يظهر﴾ وبرفع ﴿الفساد﴾ وهي المنسوبة فيما بعد لشعبة وحمزة والكسائي وخلف
ـ
قوله تعالى ﴿ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد﴾ الحديد، قرئ بوجهين:
1.
بزيادة ﴿هو﴾ لتقرأ ﴿ومن يتول فإن الله هو الغني
الحميد﴾
2.
بحذف تلك الزيادة لتقرأ ﴿ومن يتول فإن الله
الغني الحميد﴾
ـ
قوله تعالى ﴿هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت﴾ قرئ بوجهين
1.
بالباء الموحدة التحتية قبل اللام
2.
وبالتاء المثناة الفوقية قبل اللام.
قال
طالب العلم الحسن بن ماديك: أما اختلافهم في الأداء كالإمالة والفتح والإدغام
والإظهار وتخفيف بعض الهمز وتحقيقها واختلافهم في هاء الضمير ذلكم الاختلاف الذي
يرجع إلى اختلاف لهجات القبائل العربية فلم تصلنا رواية ـ ضعيفة ولا واهية فضلا عن
الصحيح ـ على إنكار الصحابة بعضهم على بعض القراءة به والله أعلم.
المسألة
الرابعة : تفسير جديد لمدلول الأحرف السبعة.
ويحتاج
اليوم أئمة القراءات المعاصرين إلى نصيب من التحقيق والمراجعات لما أطبقت عليه
الأمة منذ القرون الأولى للتدوين على حصر مدلول الأحرف السبعة التي أنزل عليها
القرآن بتعدد الأداء والأوجه التي يقرأ بها القرآن، ولم يرَوْا رأْيا أو يذهبوا
مذهبا في التأويل والبيان أبعد من ذلك.
ولو
أن باحثا منصفا تجرد للبحث لأدرك بادئ الأمر كلية أوضح من فلق الصبح، ولأبصروها
وتبيّنوها أكثر من الشمس في كبد السماء الصحو.
تلكم
الكلية تتلخص في أن الحقيقة أي حقيقة هي ثابتة لا تزيد بإقرار الناس ولا تنقص
بإنكارهم.
ولعلنا
معشر المسلمين نتفق على شهادتنا ـ أن لا إلـه إلا الله وأن محمدا رسول الله
بالقرآن وبما معه من الحديث النبوي ـ إلى الناس جميعا، وأنها حقيقة ثابتة لم تنقص
بنكران المنكرين ولم يزدها ثبوتا إقرارهم، وهكذا كانت الشهادة أن لا إله إلا الله
وأن إبراهيم رسول الله، حقيقة ثابتة لم تنقص قبل إسلام لوط، ولم تنقص الشهادة أن
لا إله إلا الله قبل أن يعلنها نوح وحده رغم إنكار أهل الأرض كلهم.
لقد
حدّث النبي الأمي صلى الله عليه وسلم بأحاديث صريحة في إنزال القرآن على سبعة أحرف.
ولكم
جهِل المعاصرون أنبياءهم ورسلهم بعض كلامهم وهكذا لم يفهم قوم شعيب قوله ﴿واستغفروا
ربكم ثم توبوا إليه﴾ هود، وخوطبت بها هذه الأمة كما في قوله ﴿وأن استغفروا ربكم ثم
توبوا إليه﴾ هود.
وفي
الحديث النبوي كما في مستدرك الحاكم كتاب العلم الحديث رقم 296...
عن محمد بن جبير بن مطعم: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول وهو بالخيف من منى: رحم الله عبداً سمع مقالتي فوعاها ثم
أدّاها إلى من لم يسمعها، فرب حامل فقه لا فقه له ورب حامل فقه إلى من هو أفقه
منه، ثلاث لا يغَلّ عليهن قلب المؤمن: إخلاص العمل، و مناصحة ذوي الأمر، ولزوم
الجماعة فإن دعوتهم تكون من ورائهم .
وفي الباب عن جماعة من الصحابة منهم: عمر وعثمان وعليّ وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وأنس رضي الله عنهم وغيرهم عدة وحديث النعمان بن بشير من شرط الصحيح.
وفي الباب عن جماعة من الصحابة منهم: عمر وعثمان وعليّ وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وأنس رضي الله عنهم وغيرهم عدة وحديث النعمان بن بشير من شرط الصحيح.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم "ألا ليبلغ
الشاهد الغائب فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه " وهو مكرر في صحيح البخاري وفي
مسلم وسنن ابن ماجه والدارمي وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم ومسند أحمد وأبي يعلى
الموصلي وسنن البيهقي الكبرى وشعب الإيمان كما اقتبست هذا التخريج من الشبكة
الإسلامية.
ورحم الله الصحابة العدول فلقد بلّغوا
عن النبي ما سمعوه منه، ولم يتأولوا ما تأوله المتأخرون عنهم قرونا من مصنفي طرق
رواة القراءات لتفسير دلالة الأحرف السبعة.
ولقد
نبّأ الله النبيّ الأمي صلى الله عليه وسلم
بالقرآن ومنه قوله تعالى ﴿إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا﴾ المزمل، وللباحثين
المتجردين أن يتصوروا كم هو القرآن أثقل وأثقل علينا نحن عامة الأمة إذ لم يتنزل
على قلب أحد منا، وإنما نزّل الله القرآن على قلب نبيه صلى الله عليه وسلم.
وتصور
المسلمون القرآن بسيطا لا يحتاج إلى إعمال الفكر لفهمه وتدبره والاهتداء به والعمل
به وحسبوه خفيفا لا يحتاج إلى حمل فلم يحملوه واتخذوه مهجورا.
ووا
حيرتي في أمة لم تستنبط ـ عبر أربعة عشر قرنا من تلاوة القرآن آناء الليل وأطراف
النهار ـ حرفا واحدا ولا حرفين من الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن، فما
شغلها عن تدبر القرآن الميسر للذكر إلا أقفال على قلوبها، أقفال من المتون وافتراض
الأقضية والألغاز في ما يسمونه بفقه المعاملات، وأقفال من التقليد حال بينهم وبين
الطاعة باستعمال السمع والبصر والعقل في تدبر القرآن.
إن
الله وصف القرآن بالقول الثقيل الملقى على النبي الأمي صلى الله عليه وسلم في سياق مخاطبته وتكليفه: أن يتجافى عن المضاجع
يقوم الليل ليقرأ القرآن في صلاته قياما ثقيلا طويلا يمتدّ إلى أدنى من ثلثي الليل
مرة وإلى نصف الليل مرة وإلى ثلثه مرة، قياما ينشئه بعد نوم ولتتمكن طائفة من
الذين معه من تدبر القرآن والاهتداء به إلى الرشد وإلى التي هي أقوم.
هكذا
صرف النبي الأمي صلى الله عليه وسلم
الصحابة عن الانشغال بتعدد الأداء المنزل إلى الغاية القصوى التي لأجلها
أنزل القرآن وهي تدبره الذي يهديهم إلى استنباط الأحرف أي المعاني السبعة التي
أنزل عليها القرآن، وليقرأنّ بحرف منها على الأقل من قرأ ما تيسّر من القرآن.
وعلِم
اللهُ علامُ الغيوب أن الأمّة لن تحصي معاني القرآن كما في قوله تعالى ﴿علم أن لن
تحصوه﴾ يعني القرآن علم الله علام الغيوب أن لن تحصي الأمة كلها من أولها إلى
آخرها معانيه ودلالاته رغم تكليفها بتدبر القرآن فكان تقصيرهم ذنبا تاب الله على
الأمة منه وكلفهم بقراءة ما تيسر منه القرآن وعذرهم الله بسبب قصورهم عن إحصاء
معاني القرآن إذ علم أن سيكون منهم مرضى عاجزون عن قيام الليل والتفرغ لتلاوة
القرآن وتدبره وأن سيكون منهم من يضربون في الأرض يبتغون من رزق الله وآخرون
يقاتلون في سبيل الله، وأنّى للثلاثة أن يتمكنوا من قيام الليل قياما ثقيلا لتدبر
القول الثقيل، ولكأن الأمة كلها عبر التاريخ لو امتثلت قيام الليل وتدبر القرآن
لكانت أقرب إلى أن تحصي معانيه ودلالاته وتاب الله عليهم لأن منهم أصحاب الأعذار
المعدودين في سورة المزمل.
إن
في القرآن معاني وموعودات وغيبا آمن به جملة من شهد أن لا إلـه إلا الله وأن محمدا
رسول الله أي أرسله بالقرآن إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا.
إن القرآن العظيم ليعظم أمام كل باحث
قرأ القرآن وتدبره وتدارسه، أي لا يستطيع أحد من الأمة كلها أن يفرغ من استيعاب
معانيه ودلالاته وما يهدي إليه من الرشد والتي هي أقوم.
وهيهات أن تستكمل الأمة كلها معانيه
ودلالاته وهو القول الثقيل المنزل على قلب النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، ولهو
إذن قول أثقل على الأمة جميعها إذ لم ينزل على قلب أحد منها بل هو كما في قوله ﴿بل
هو آيات بيّنات في صدور الذين أوتوا العلم﴾ العنكبوت، أي أنه تجاوز آذانهم
وأسماعهم ودخل في صدور الذين أوتوا العلم وهم الصحابة الأبرار الأخيار ولكن لم
يبلغوا درجة علم النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، ولا يختلف منصف أن الصحابة
الأبرار الأخيار كأبي بكر وعمر وسائر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار هم
الذين أوتوا العلم كما هي دلالة قوله ﴿ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك
قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا﴾ القتال، يعني أن المنافقين الذين كانوا
يستمعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن لم يفقهوا منه هدى ولا رشدا
فكانوا يسألون الذين أوتوا العلم بالتجهيل وهم الصحابة الكرام عن معاني ودلالات
القرآن.
إنني
شديد العجب من الذين يشتغلون بحفظ المتون وتدارسها وهم لم يفرغوا من تدارس القرآن
ولم يفقهوا بعد أن الله دعا إلى المسارعة إلى الخيرات مسابقة معلنة في القرآن أن
الله سيؤتى من يسبق في هذه المسابقة مغفرة منه وفضلا وهو واسع عليم.
إن الرواية الرابعة للحديث لتعني أن الأمّة الأمّيّة وهي التي لم تتدارس
كتابا منزلا من قبل لبعيدة عن أن تحصي ما في القول الثقيل من المعاني والدلالات
وهكذا أشفق النبي الأمي الرحيم بالمؤمنين من عجز الشيخ والعجوز والغلام والجارية
والرجل الأمي الذي لم يقرأ كتابا قط عن دراية الغيب والوعد في القرآن، فأخبره
الملك جبريل أن القرآن أنزل على سبعة أحرف أي على سبعة معان أو أوجه فمن لم يفقه
أحد المعاني قد يفقه معنى آخر وهكذا إلى سبعة أوجه، وليقرأن بواحد منها من قرأ ما
تيسر له من القرآن.
ولعل
الباحثين يلحظون معي اتفاق روايات الحديث على كلمة القرآن وأنه المنزل على سبعة أحرف
إذ لم ترد رواية واحدة تفيد بإنزال الكتاب على سبعة أحرف.
إن
إدراك الأحرف السبعة وتبينها في كل موعود من موعودات القرآن في الدنيا هو الغاية
التي من أجلها كلفت الأمة كلها بتدبر القرآن والتفكر فيه.
ولعل
الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن هي:
1.
النبوة
2.
ضرب الأمثال
3.
القول والكلمة
4.
الذكر
5.
الغيب في القرآن ومنه الأمر بالإيمان والأمر
بالعلم وإسناد العلم إلى الله
6.
الوعد في الدنيا ومنه الأسماء الحسنى والدعاء
بها ومنه الدعاء في القرآن دون الكتاب
7.
إعلان الجزاء في الآخرة
فإن
لم تكن هـذه مجتمعة هي الأحرف السبعة بذاتها فلقد اجتهدت ونحوتُ نحوها نحوًا
والعلم عند الله، وليجدن من تدبر القرآن أن كل موعود في القرآن ـ وهو كل حادثة
ستقع في الدنيا قبل انقضائها ـ قد تضمنها كل حرف من هـذه الأحرف السبعة، وتضمن كل
حرف منها ما شاء الله من المثاني، وتضمنت كل واحدة من المثاني ذكرا من الأولين
ووعدا في الآخرين، فمتى يعقل أولوا الألباب أن القرآن قول فصل وما هو بالهزل وأن
رب العالمين قد فصله على علم، وأن الأمة لا تزال أمية لم تتدارسه بعد.
ولقد
نحا الأولون قريبا مما فهمتُ لكنهم لم يستطيعوا التفرقة بين الكتاب والقرآن ولا بين
أحكام الكتاب كالحلال والحرام والعام والخاص والمجمل والمبيّن وبين خصائص القرآن
كالأمثال والوعد في الدنيا والخبر بمعنى القصص.
ولقد
تمكنت بفضل الله من إثبات كل موعود في القرآن بهذه الأحرف السبعة التي تضمن كل واحد
منها ما شاء الله من المثاني.
بقلم/ الحسن محمد ماديك
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وددت أن أطلع على النتائج التي توصلتم اليها فهل هناك طبعة رقمية ؟ وشكرا لكم وجزاكم الله خيرا.
ردحذف