دلالة الاسم
بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه:
الاسم: كما في قوله تعالى ﴿يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبلُ سَمِيًّا﴾ مريم، مشتق من السُّمُوِّ، واستثقل الواو بعد الكسر فقلب ياءً، ويسمو الاسم بالإنسان إلى المعرفة والتميّز بدل النكارة والجهالة فيؤهّله للنداء وللخطاب ولِيَشرعَ في المسابقة في أولى مراحل شعوره بوجوده، وحرص المشركون على رفع أصنامهم بتسميتها بأسماء تُعرف بها كاللَّاتِ والعزّى ومناةِ، ينادونها يبتغون عندها الرزق والنصر وأن تُقرّبهم إلى الله زلْفَى كما يدّعون.
ولا يُحتمل اشتقاق الاسم من السِّمة كما في قوله تعالى ﴿سَنسِمه على الخرطوم﴾ القلم، وقوله ﴿سِيماهم في وجوههم من أثر السجود﴾ الفتح، لدلالتها على علامة بأثر ملموس كالتي يُميِّزُ به أهل البادية دوابّهم وكالعَوَر في العين وكالقِصر والطول علامات فارقة مميّزة.
وليس الاسم بماديّ ولا ملموس وليس هو المسمّى بذاته إذ يقع إحراق كتاب حوى أسماء عديدة ولم يشعر المُسمَّوْنَ بالنار ولا بالدخان، ويهلك المسمَّى وينقلب ترابا وعظاما ويظل اسمه حيّا بعده.
وأكرم ربُّــــنا عبادَه المخلَصِين رُسُلا وأنبياءَ فعلّمَ آدمَ أسماءَهم وعرضَ صورهم على الملائكة وعلى مَن دونهم من المخلوقات ومنهم الجنُّ وإلا فأنّى لإبليس يومئذ العِلمُ أن لا سلطان له على عباد الله المخلَصينَ، وبينته في مادة خليفة وغيرها.
وإنما يهتدي المكلّفون إلى الله رب العالمين بإحصاء أسمائه الحسنى وبتبَيُّـــنٍ دلالتها ومعانيها، وكذلك وقع الشرك من المشْرك حسب جهله أو كفرِه وجحوده من أسماء الله الحسنى، فالشرك بحَسَب الكفر ومقداره، ودعا المقرَّبون اللهَ ربَّـــهم متوسِّلين بما أنعم عليهم به من العلم بأسمائه التي تضمن كل منها وعدا حسنا غير مكذوب.
ووقع التكليف في الكتاب المنزل بعبادة الله ربِّــنا وأن ندعوَه ونتّقيَه ونسبّحه ونَذكرَه ذِكرا كثيرا وأن نذكر اسم الله ربنا في بعض التكاليف وأن نسبّح اسم ربنا ولكل من الصيغتين دلالة يأتي تفصيلها في مواطنها من التفسيروالله المستعان، وهذا بيانها إجمالا:
إن من تفصيل الكتاب وأصول الخطاب أن اسم ﴿الله﴾ حيث ورد بيانه في الكتاب المنزل فإنما:
ـ لبيان عبادة وتكليف من الله المعبود يسع جميع المخاطبين به الطاعة والعصيان.
ـ أو لبيان أسباب العبادة التي أمدّ الله بها المكلفين.
ـ أو لبيان أثر الإيمان والطاعة على المكلفين في الدنيا.
ـ أو لبيان أثر الكفر والمعصية على المكلفين في الدنيا.
ـ أو لبيان الحساب والجزاء في الآخرة.
فأما بيان ما كلف الله به من العبادة فكما في قوله ﴿اعبدوا الله﴾ وقوله ﴿اتقوا الله﴾.
وأما بيان أسباب العبادة التي أمدّ الله بها المكلفين وأعانهم بها ليعبدوه فكما في قوله ﴿فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له﴾ العنكبوت، من قول إبراهيم يعني اسألوا الله أن يرزقكم لتقوى أجسامكم على الطاعة والعبادة، وقوله ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين﴾ الذاريات، يعني أن الله يرزق الإنس والجن ليتمكنوا بالرزق والقوت من العبادة وقوله ﴿وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا وشربوا من رزق الله﴾ البقرة، وقوله ﴿وكفّلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هـذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب﴾ آل عمران.  
وأما أثر الطاعة على المكلفين في الدنيا فكما في قوله ﴿ويزيد الله الذين اهتدوا هدى﴾ مريم، وقوله ﴿هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين﴾ يونس، فكانت نجاتهم بسبب أثر طاعتهم في دعوتهم الله مخلصين له الدين.
وأما بيان أثر المعصية على المكلفين في الدنيا فكما في قوله ﴿إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم﴾ البقرة، أي بسبب كفرهم وإعراضهم عن النذير عوقبوا بذلك ، وقوله ﴿كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب﴾ الأنفال، والمعنى أنهم بسبب كفرهم بنعم الله التي أنعم عليهم بها ليعبدوه ويطيعوه عذبهم في الدنيا.
وأما بيان الحساب بعد البعث فكما في قوله ﴿ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب﴾ النور، وقوله ﴿يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين﴾ النور.
وأما بيان الجزاء فكما في قوله ﴿فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين﴾ المائدة، وقوله ﴿ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون﴾ فصلت.
إن قوله ﴿باسم الله﴾ حيث وقع في الكتاب فإنما هو للدلالة على عبادة وتكليف من الله يجب أن يقوم به المكلف العابد مستعينا ومبتدئا باسم الله الذي شرع له ذلك الفعل ومخلصا له فيه من غير إشراك معه وكما بدأ طاعته بإعلان أنها باسم الله المعبود الذي شرعها له، وهكذا ركب نوح ومن معه في السفينة كما في قوله ﴿وقال اركبوا فيها باسم الله مجراها ومرساها﴾ هود، فأطاع أمر الله حين أوحي إليه قوله ﴿قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن﴾ هود.
ولم يحل من الذبائح والصيد البري إلا ما ذكر اسم الله عليه كما في المائدة أربعة الأنعام وثلاثة الحج، ويعني حرف الأنعام ﴿ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق﴾ أن إزهاق الحياة في الطير والدواب إنما يجب أن يكون باسم الله الذي شرع لنا أكلها لنحيى ونقوى على العبادة، أما ما لم يذكر اسم الله عليه منها فتجرد من هذا القصد والنية فهو فسق خرج به الإنسان عن الوحي الذي جاء به النبيون وعن مقتضى العبودية إلى المعصية والعبث فحرم على المسلمين أكله، ولئن كان النهي عن الأكل من المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذُكِّيِ منها بـإنهار دمه وذَكِرَ اسم الله عليه فما ظنك بقتل الصحيح من الطير والأنعام عبثا وما ظنك بقتل الإنسان إذا لم يكن من المكلف به طاعة لله ورسوله.
إن الذي يقول "باسم الله" قبل طعامه وشرابه المباح قد أطاع الله في تكليفه ﴿وكلوا واشربوا ولا تسرفوا﴾ الأعراف.
وإن الذي يقول "باسم الله" ويأكل الخنزير والميتة والدم غير مضطر فقد افترى على الله كذبا وادعى أن الله قد شرع ذلك.
وإن الذي يقول "باسم الله" ويطأ زوجته قد أطاع الله في قوله ﴿وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين﴾ النساء، فهي كلمة الله التي استحللنا بها فروج النساء.
وإن الذي يقول "باسم الله" ويزنـي قد افترى على الله وادّعى أن الله شرع له الزنا وكلّفه به وما أشبهه بسلفه من القرامطة الذين كانوا يقرأون القرآن لابتداء الليالي الحمراء فإذا سكت القارئ أطفئت المصابيح ووقع كل رجل على من تقع يده عليها ولو كانت أخته أو أمه كما سنّه عليِّ ابن الفضل الجدني القرمطي في آخر القرن الثالث الهجري في اليمن.
إن قوله ﴿باسم الله الرحمن الرحيم﴾ ليعني أن قائلها ككاتبها يشهد على نفسه ويقر بأنه يبتدئ فعلا هو من تكليف الله تماما كما تعني رسالة سليمان إلى ملكة سبإ والملإ معها من قومها ﴿إنه من سليمان وإنه باسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين﴾ النمل، أن سليمان رسول الله إلى الناس وأن كتابه هذا هو من رسالته إليهم وهم أعم من بني إسرائيل فزيادة التكليف بقدر زيادة التمكين.
وإن اسم ﴿رب العالمين﴾ حيث ورد بيانه في الكتاب المنزل فإنما:
ـ ليقوم به أمر أو فعل خارق يعجز العالمون عن مثله وإيقاعه كما يعجزون عن دفعه.
ـ أو لبيان نعمه التي لا كسب للمخلوق فيها وما يجب له من العبادة والشكر.
ـ أو لاستعانته ليهب لنا في الدنيا ما لا نبلغه بجهدنا ولا نستحقه بعملنا القاصر.
وأما بيان أن كل فعل أو أمر أسند إلى ربنا فإنما هو أمر خارق يعجز العالمون عن مثله فكما في قوله ﴿قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر﴾ الإسراء، من قول موسى في وصف الآيات المعجزة التي أرسله ربه بها وكما في قوله ﴿قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم﴾ فصلت، ولا يخفى أن عاقلا من العالمين لا يستطيع ادعاء مثل هذا.
وأما بيان أمر ربِّــنا الذي يعجز العالمون عن دفعه فكما في قوله ﴿يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربِّـك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود﴾ هود، من قول رسل ربِّــنا من الملائكة الذين أرسلوا بعذاب قوم لوط وكما في قوله ﴿وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر﴾ القمر. 
وأما بيان نعم ربِّنا التي لا كسب للمخلوق فيها فكما في قوله ﴿ربُّكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله﴾ الإسراء.
وأما بيان ما يجب لربِّـــنا من العبادة والشكر على نعمه فكما في قوله ﴿ثم تذكروا نعمة ربَّكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربِّـــنا لمنقلبون﴾ الزخرف، وقوله ﴿لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربِّكم واشكروا له بلدة طيبة وربٌّ غفور﴾ سبأ، وقوله ﴿يأيها الناس اعبدوا ربَّكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم﴾ البقرة.
وأما بيان ما يجب علينا من استعانته ليهب لنا في الدنيا والآخرة من نعمه ويصرف عنا من الضر والكرب ما لا نستطيعه بجهدنا ولا نستحقه بعملنا القاصر القليل فكما في دعاء النبيين وضراعتهم ربَّـهم حيث وقعت في القرآن كما في قوله ﴿وأيوب إذ نادى ربَّــــه أنِّـي مسَّنيَ الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم﴾ الأنبياء.
إن القرآن لمنزل من عند الله وإنما محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله به وخاتم النبيين بلغ وحي الله ولم يزده حرفا أو ينقصه منه رغم أنه كان أميا لا علم له بالكتاب والإيمان قبل نزول الوحي عليه كما في قوله ﴿بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين﴾ يوسف، ومن المثاني معه قوله ﴿وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان﴾ الشورى، فوقعتْ وتـمَّـتْ قراءة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم باسم ربه لأنها خارقة معجزة، وكانت قراءة القرآن بعدها غير خارقة فابتدئت الفاتحة كما السور بقوله ﴿باسم الله الرحمن الرحيم﴾ وتعني أنها كسائر العبادات يسع كلا طاعتها وعصيانها.


دلالة وصف الأسماء بالحسنى
إن قوله:
ـ ﴿ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يُلحِدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون﴾ الأعراف
ـ ﴿قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمان أيّا مّا تدعو فله الأسماء الحسنى﴾ الإسراء
ـ ﴿الله لا إلـه إلا هو له الأسماء الحسنى﴾ طـه
ـ ﴿هو الله الذي لا إلـه إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمان الرحيم هو الله الذي لا إلـه إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى﴾ الحشر
ليعني أن الله قد كلّف عباده أن يدعوه بأسمائه الحسنى وحذّر في سورة الأعراف من الإلحاد فيها ووعد بحساب الملحدين فيها على إلحادهم، وتضمنت سورة الحشر نماذج منها تقاربت دلالاتها ومعانيها مما يهدي إلى ترتيبها.
أما إحصاؤها فلهو الحمل الثقيل والعمل الصالح الذي تقاصرت قبل إتمامه الجهود رغم الجائزة الكبرى التي أعلنها النبي الأمي صلى الله عليه وسلم في حديثه المتفق عليه عن أبي هريرة مرفوعا: "إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة".
وإن عدم تبيان النبي صلى الله عليه وسلم الأسماء الحسنى واحدا تلو الآخر حتى يكمل إحصاء تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا ليذكرنا بمثل صنيعه بالقرآن إذ بيّن للناس ما نزّل إليهم وهو القرآن وترك الأمة مكلفة بتدبره وبالاهتداء به وكما هي دلالة قوله:
ـ ﴿أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها﴾ محمد
ـ ﴿أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا﴾ النساء
ـ ﴿كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبّروا آياته وليتذكر أولوا الألباب﴾ ص
ـ ﴿أفلم يدّبّروا القول﴾ قد أفلح
ـ ﴿لتبين للناس ما نزّل إليهم ولعلهم يتفكرون﴾ النحل
ـ ﴿فاقصص القصص لعلهم يتفكرون﴾ الأعراف
ـ ﴿وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون﴾ الحشر
ـ ﴿وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون﴾ العنكبوت
وحسب الناس قديما وحديثا عبر التاريخ الإسلامي أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بيّن معاني ودلالات القرآن كلها ويستشهدون بقوله تعالى ﴿وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نُزِّلَ إليهم ولعلهم يتفكرون﴾ النحل
وإنما بيّن النبي الأمي رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس ما نزّل إليهم وهو القرآن فكان كلما أنزل عليه بعض من القرآن قرأه عليهم وأمر بكتابته وأن يجعل في السورة كذا بعد الآية كذا ونهي أن يكتب عنه شيء غير القرآن لئلا يختلط بالقرآن، وتلا عليهم القرآن وسمعوه منه وأقرأهم إياه فذلك ما كلّف به النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، وكلفت الأمة كلها بعد ذلك بالتفكر في القرآن كما هي دلالة قوله ﴿ولعلهم يتفكرون﴾ النحل، وكلفوا بتدبر القرآن العظيم.
ومن زعم أن خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم قد بيّن القرآن أي فسّره كله فليأتنا على سبيل المثال لا الحصر بما بيّن به النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم الفواتح وهي مما نزّل إلى الناس من القرآن ومما كلفوا أن يتدبروه.
إن تدبر القرآن واستنباط ما فيه من معاني ودلالات وهداية إلى الرشد وإلى التي هي أقوم لهو المسابقة إلى الخيرات المأمور بها في القرآن كما في قوله تعالى ﴿ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون﴾ المائدة.
وهنيئا للذي يسبق الناس إلى الكشف عن كنز القرآن ليفتح على الناس فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم، ذلكم السابق ليرفعنّه رفيع الدرجات ذو العرش ولهو الأحسن عملا ـ منذ فتح باب المسابقة بموت النبي صلى الله عليه وسلم أي بانقضاء تنزل القرآن ـ ذلكم الأحسن عملا الموعود في القرآن بحسنة في الأولى وفي الأخرى كما في سورة الملك وهود والكهف.
وكذلك مسابقة إحصاء الأسماء الحسنى هي مسابقة أخرى كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم "من أحصاها دخل الجنة" أي غفر الله له وزحزحه عن النار وأدخله الجنة أي فاز فوزا عظيما.
ولقد كان إحصاء الأسماء الحسنى ودرايتها والدعاء بها قبل هذا الحديث النبوي مما كلفت به الأمة في القرآن ولكن النبي الأمي صلى الله عليه وسلم حريص على المؤمنين وبهم رءوف رحيم دفعهم دفعا وشجعهم ليأخذوا بالكتاب بقوة ليستنبطوا منه الأسماء الحسنى.
ولقد تكلف بعض رواة الحديث إحصاءها دون استقراء مؤصل أو ضابط متفق عليه فأدرجوا فيها ما لا يسلم من الملاحظات.
ولا خلاف في أن إدراج الأسماء في الحديث النبوي إنما هو من اجتهاد وتأويل الرواة.
إن الوعد غير المكذوب  كما في قوله ﴿فقال تمتّعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب﴾ هود، هو الوعد الحسن كما في قوله ﴿أفمن  وعدناه وعدا حسَنا فهو لاقيه﴾ القصص، وكما في قوله ﴿قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعْدا حسَنا﴾ طه.
وإن قوله ﴿ونريد أن نـمُنَّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلَهم أئمةً ونجعلَهم الوارثين ونمكِّنَ لهم في الأرض ونريَ فرعونَ وهامانَ وجنودَهما منهم ما كانوا يحذرون﴾ القصص، لمن الوعد الحسن أي غير المكذوب، وقد وقع لما وافق الأجل الذي جعل الله له كما في قوله ﴿وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا  فيها وتـمَّت كلمةُ ربك الحسْنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمّرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون﴾ الأعراف، ويعني أن كلمة ربنا الحسنى التي تمت أي نفذت هي وعده المذكور في سورة القصص.
وتضمن الكتاب المنزل التكليف بذكر الله بأسمائه الحسنى ودعائه بها ومنه ﴿في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه﴾ النور، ومن المثاني معه قوله ﴿ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها﴾ البقرة،، ومنه ما تضمنت سورة الأعراف والإسراء وطه والحشر من التكليف والخطاب بدعاء الله بأسمائه الحسنى.
وفي كل واحد من أسماء الله بيانُ وعْد وعَده الله سيتمُّ إذا وافق الأجل الذي جعل الله له وهو الميعاد، ولو عقل الناس لانتظروا الميعاد وسيلاقون وعد الله ويجدونه وعدا حسَنا غير مكذوب كما هي دلالة وصف الأسماء بالحسنة ووصف كلمة ربنا بالحسنى ووصف الوعد بالحسَن كذلك، ولم يتضمن تفصيل الكتاب المنزل إيراد أسماء الله الحسنى في سياق ما مضى وانقضى من القدر وإنما في سياق المنتظر منه، وما وجدته كذلك في سياق الماضي المنقضي كما في قوله ﴿وردّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكان الله قويا عزيزا﴾ الأحزاب، فهو وعد أن يقع مثله بعد نزول القرآن.


0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Top