بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد:
فإن الله أرسل خاتم النبيين محمدا صلى الله عليه وسلم بالقرآن ولا يزال القرآن غضا طريا كما أنزل ومنه قوله ﴿فَاصْدَعْ بما تُؤْمَرُ﴾ الحجر، ومن المثاني معه قوله ﴿فإن تولوا فقل آذنتكم على سواءٍ﴾ الأنبياء، ويعني أنه صلى الله عليه وسلم لم يُخْفِ عن بعض الناس رسالة الله إليهم وإنما صدَع بها وجهَر ليستويَ الجميع في العلم بها وهو مدلول الإيذان على سواء، ومن زعم أن رسول الله محمدا صلى الله عليه وسلم كانت له تنظيمات سرية يسرّ إليها بعض رسالته ويخفيه عن العامة فليأت ببرهان من القرآن أكثر وضوحا من حرفي الحجر والأنبياء وأقرب إلى هدْيِ النبيين من قبل وإلا فقد أعظم الفرية.
إن حرف الحجر يعني التكليف بوجوب إعلان أن الأوثان لا تضر ولا تنفع وأن الناس في ضلال مبين إن لم يهتدوا إلى أن محمدا صلى الله عليه وسلم مرسل من ربه بالقرآن، وهي الحقائق الكبرى التي أخفى إعلانها عن جمهور أهل مكة وحدّث بها خواصّه قبل نزول حرف الحجر.
ويعني حرف الأنبياء أن النبي الأمي صلى الله عليه وسلم قد أبلغ رسالته وهي القرآن علَنا لكل الناس سواء منهم المؤمنون الذين اتبعوه والكفار الذين تولَّوا عنه.
ويحتج أصحاب التنظيمات السرية بأن إقامة الخلافة واجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ولست أدري من أين علموا وجوب إقامة الخلافة على المسلم المغلوب على أمره، وهل يصح  اعتقاد أن النبيين والرسل الذين لم يمكَّن لهم في الأرض ومنهم نوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وعيسى ومثل هود وصالح وشعيب قد تركوا واجبا؟.
ولم يكن من تفصيل القرآن أن نبيا أو رسولا أنشأ تنظيمات سرية وإذاً لكان موسى وهارون أولى الناس بها لإنقاذ شعبهما المستضعف من الإبادة الجماعية التي قهرهم بها فرعون وقومه.
إن قوله :
ـ ﴿قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني﴾ يوسف 
ـ ﴿يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه﴾ الأحزاب
ـ ﴿الـر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد﴾ إبراهيم
ـ ﴿ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه﴾ المائدة
ـ ﴿وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله﴾ النساء 
ـ ﴿وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا﴾ السجدة 
ـ ﴿وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات﴾ الأنبياء
لتعني أن الدعوة إلى الله ليست عملا يختاره المسلم لنفسه يدعو كيف شاء.
وإنما كان الرسول النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله على بصيرة أي بوحي من الله إليه  يرشده  ويأمره بتكليف الله ، وأرسله الله داعيا إليه بإذنه أي أن الله أذن له بالدعوة إليه وأذن له كذلك في أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور وأذن للناس في طاعته كما في حرف النساء.
وهل يصدق قادة التنظيمات السرية والجهادية في ادّعاء أن الله قد أذِنَ لهم في دعوة الناس وقيادتهم وأذن للناس في طاعتهم؟
إن قوله ﴿وداعيا إلى الله بإذنه﴾ ليعني أن سيكون دعاة بغير إذن الله يدعون على غير بصيرة وبغير إذن منه.
إن الخطأ المنهجي الذي وقع فيه قادة التنظيمات السرية أن كلا منهم قد جعل من نفسه وصيا على الملة والأمة أي شرع لنفسه وللأمة أنه هو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته، واضطرب الأمر بتعدد الخلفاء قادة التنظيمات السرية، يتنازعون الأمة  لتصبح بين قادة متشاكسين مختلفين، كل منهم يرى نفسه ـ تزكية منه لنفسه ـ هو الآمر الذي يجب على جماعة المسلمين مبايعته وطاعته.
ولن يسلم له الزعم أن الله أذن للناس في طاعته بل الأمر كما في قوله ﴿وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله﴾ النساء، أي أن الله أذن للناس أن يطيعوا رسوله إليهم ولا يتخلفوا عنه ولا يعصونه، وأنّى لهم الرشد حين يتخلفون عن السمع والطاعة لمن يدعو إلى الله على بصيرة أي بالوحي المنزل عليه، ومنه أن الله أذن له في دعوة الناس وأن يعلّمهم الكتاب والحكمة وأن يزكيهم ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه.
وكان حريا بالأمّة وبالأمناء على الـمِلّة وهم خواصّها الذين درسوا الكتاب المنزل وتعلموا من الْهَدْيِ النبوي أن ينشغلوا في تعليم الناس الكتاب المنزل والحديث النبوي وتدارسهما فلعلّ مبلَّغا ـ بصيغة اسم المفعول ـ من المتأخرين أوعى من مبلِّغ ـ بصيغة اسم الفاعل ـ وأفقه ممن حمل إليه نصوص الوحي.
ومعلوم إعلان هذه الكلية الكبرى في حجة الوداع في يوم النحر كما في الحديث الصحيح المرفوع "رب مُبلَّغ أوعى من سامع"، من حديث أبي بكرة: ذكر النبيَّ صلى الله عليه وسلم قعد على بعيره وأمسك إنسان بخطامه أو بزمامه قال : "أيُّ يوم هذا؟ فسكتنا حتى ظننّا أنه سيسميه سوى اسمه قال أليس يوم النحر؟ قلنا بلى، قال فأيُّ شهر هذا؟ فسكتنا حتى ظننّا أنه سيسميه بغير اسمه فقال أليس بذي الحجة؟ قلنا بلى قال فإنَّ دماءَكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا لِيُبَلِّغ الشاهدُ الغائبَ فإن الشّاهدَ عسى أن يُبَلِّغَ من هو أوعى له منه" وهو من مكررات البخاري ورواه مسلم.
إن قوله ﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله﴾  عمران، وقوله ﴿لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس﴾ النساء، وقوله ﴿وافعلوا الخير﴾ الحج، لظاهر الدلالة على التكليف بأعمال البر وإشاعتها بين الناس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي لن تستطيع التنظيمات السرية تمثله.

وكتبه طالب العلم/ الحسن محمد ماديك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Top