دراسة نقدية
هذا البحث دراسة استراتيجية لا تُساير أحدا من طرَفَيِ الصراع: الأنظمة السياسية والإسلام السياسي ولا تحابيه بل أعدَّها باحث متجرّدٌ لا يملك وظيفةً ولا عقارا ولا مالا أي ليس لديْه ما يخسَره مِن متاع الحياة الدنيا، أعدَدتُّها بمنطق رجل الإطفاء السّويِّ الذي يكره الحريق مخافة أن يتضرّر به وهو المؤهَّلُ قبل غيرِه للاقتراب منه لإطفائه، وبتصوراتِ طفلٍ قاصر لـم يتجاوزِ العاشرة شهِد ـ مع أخَوَيْه الفَطيمِ والرّضيعِ ـ معركةً داميَةً بين أبويْهِ الأحمَقَيْنِ فَأقعدتْ كلا منهما عن الحركة فأضحيَا كِلاهُما كَلًّا على ذُرِّيَّةٍ ضُعَفَاءَ في وادٍ ذِي ذِئاب وضِباعٍ وسِباعٍ ولا يملكون لأنفُسِهم نفْعا ولا ضَرًّا إذ أضاعَهُم الأبوانِ المسؤولان شرعا وفِطرَةً عن تأمينِهم وحمايتهم وتربيهم.
من هذا الْمُنطلَق والْـمنطِقِ والتصوُّرات لا أزال أزداد نُفورا من الانتخابات العامَّةِ لِما تحَسَّسْتُه فيها مِن تسوِيَة رأْيِ أعقَل النَّاسِ وأصلَحِهم برأيِ أجهل الناس وأسكَرِ الناسِ وأغفَلِ الناسِ إذْ لا تصلُحُ سياسة الناسِ في كل عصر ومِصْرٍ ومن كلِّ دِينٍ ومِلَّةٍ إلا بعزْلِ السّاسَة من أهل الرأي والحلم والعدل عن تأثيرِ الغوغاء والدَّهماءِ.
 إنَّ قراءةً في علم الاجتماع حوادِثَ التشرُّد والقتل ومحرقة الأطفال والعامَّةِ، وحوادثَ فِرارِ الآلاف من العرب المسلمين من سوريا الحبيبةِ المنكوبة إلى ألمانيا وأوروبّا يبتغون ملْـجَأً أو مَغاراتٍ أو مُدَّخَلًا يَقِيهِم محرقة البراميل المتفجرة العمياء إذ لا تُفَرِّقُ بين الرجال المعارضين المقاتلين وبين الأطفال والرُّضَّع والشيوخ العجزة، ومنظرَ الطفل السوري عمران دقنيش المتماسك من غير بكاء ولا صراخ ولا استغاثة بعد تفجير منزل أهله على رأسه، ومنظرَ غَرَقِ الطفل السوري إيلان في البحر فرارا عن بلاد العرب والمسلمين وعن جزيرة العرب إلى بلاد النصارى والكفار لكفيلةٌ بنسْفِ مُصطلح "دار الإسلام ودار الكفر" في عصرنا الحاضر، وحقيقَةٌ بتأصيلِ القَوْلِ بأنّ "الاجتهاداتِ الفقهية لا يجوز الإفتاءُ بها بعد انقراض الجيل الذي عاصَرَها" ولا تسل عن مصداقية مصطلح "دار الإسلام ودار الكفر" في العهد النبويّ بعد غزوة الأحزاب وتجاوزهم مرحلة الدفاع إلى مرحلة التمكين وفي العهد الراشدي وعصر يوسف ابن تاشفين الزاهر القاهر الظاهر ونحوه.
ويصحو الراشد العاقلُ بين الفينة والفينةِ من سَكْرةِ الفِتْنَة واللطمةِ فإذا بالساسة والمسوسين والحكام والمحكومين كأنّما يُساقون إلى مزيد من الصراع والضياع، فيعلمُ أن ليس له شرْعا تَضييعُ ساعةٍ ولو واحدة من عمُرِه ولا هَدْرُ الـجُهْدِ بالاجتهاد في السُّؤالِ لِتَحْدِيدِ الباغِي والصَّائِلِ الأوّل مخافةَ أن تزدادَ اشتعالا نيرانٌ للحرب أوقدَها أعداءُ البشرية تُجّار الأسلحة، بل يلزَمُ العقلاءَ من كل الأمم والأديان ضرورةَ الإسراعِ في إطفاء الفتن والحرائق ونَزْعِ فَتِيلِها لِاستبقاء ما تَبَقَّى من كرامة الإنسان مسلمٍ وغيرِ مسلمٍ، عربيٍّ وأعجميٍّ على السّواء.
ولا يزَالُ خَواصُّ الناسِ وعمومُ الناسِ ظَلَمَةً قبلَ التمكُّنِ مِن تمثُّلِ الواجِبِ الأوّلِ ـ في هذه المرحلة ـ وهو إطفاءُ الفِتَن والحروب، لتحرير رقاب البقيّة المتبقِّيَة من العامّة المنكوبة المستضعفة ﴿لَا يَسْتَطِيعُون حِيلَةً ولَا يَهْتَدُون سَبيلًا﴾ [النساء 98]، أي طريقا يسلُكُهُ المستضعفون من الرجال والنساء والوِلْدانِ ينجيهم من المحرقة والتمزّقِ والتشرُّدِ.
بهذه الموازين والتصورات أناقشُ إشكاليّة الصراع بين الأنظمة السياسيّة والإسلام السياسيّ، صراعٌ تضرَّر منه العامَّةُ ـ وهم مَن يأكلون بِعَرَقِ الجبينِ بعيدا عن أكاذيب السياسة كالطبيب والمدرِّسِ والخبّاز وَمَن لا يفقَه مِن فلسفة الصراع شيئًا ـ قبل الأطراف المتصارعة.
وإنّ مِن أكبر عقبات الواقع تلكم النظرة غَيْرُ الوُدِّيَّةِ بين الإسلام السياسي وبين الأنظمة السياسيّة.
وأبدأ بالتعريف بالأنظمة السياسيّة ثم الإسلام السياسي ولِيتأتّـى وصْفُ الحلول المقتَرَحة لوأدِ الفتنة وإطفاء الحروب بتبيان فقه المرحلة والواقع.
الحسن محمد ماديك
باحث في تأصيل القراءات والتفسير وفقه المرحلة

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Top