لَامِيَةُ الْـحَسَن في تحرير العَشْرِ النَّافِعِيَّةِ
مع شرحها الْمُسَمَّى "المحْظرَةُ الشِّنْقِيطِيَّةُ"
مقدمة
بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين على ما أسبغ من نعمه الظاهرة والباطنة وعلى ما مَنَّ به علينا من الإيمان والفضل على الْمُعرضين عن تلاوة القرآن وتدارُسِه وتدبُّرِه بحثا فيه عن الرشْد وعن التي هي أقوم.
والصلاة والسلام على الرسول النبيِّ الأمّيِّ محمد بن عبدِ الله الهاشمي قُدوة مَنْ تَلا القرآن الكتاب المنزّل من عند الله.
أتقدّم بنظمي هذا "لَامِيَةُ الْحَسَنِ في تحرير العشْرِ النَّافِعِيَّةِ" وبشرحه هديَّةً إلى كافَّةِ طلبة القرآن والْمُشْرِفين على التحفيظ وإلى الباحثين في علم القراءات وتتبّع الأداء بالمصحف المدني إذ تضمّن هذا الشرح تتبُّعَ الأداء الذي قرأ به طرُقُ نافع العشرية ونافِلَةَ الأداء الذي قرأ به أبو جعفر المدني.
ولأجْلِ مِلْءِ الفراغ في الدرر اللوامع لابْنِ بَرِّيٍّ وفي كتاب التعريف في اختلاف الرواة عن نافع للدّانِي وفروعه فقد تضمّنت اللّامِيَةُ:
ـ تفصيلَ حروفِ الخلاف في النّشْر لابن الجزري حَسَبَ قراءةِ غيرِ نافِعٍ ما وَسِعَها النظْمُ وإلا فَحَسَب قراءة نافِعٍ.
ـ تعويض جفاف منظومات القراءات باستحضار سياق حرف الخلاف ما وسعه النظم.
ـ إلْغَاءَ قَيْدِ الرموز لتيسير هذا العلم على الطلاب والباحثين.
ـ الاستفادة من جامع البيان للدَّاني لتِبيان بعض ما لطرُقِ نافع لإظهارِ تفصيل لم يتضمّنْهُ أصلُ منظومتنا كتاب التعريف للدّانِي.
ولعلّ هذه المنظومة المختصرة تُوَفِّرُ للحفّاظ بقراءة نافع في قطر شنقيط وما حولها من بلاد التكرور وفي المغرب والجزائر وتونس وليبيا وحيث كانوا من الجهد والوقت بما تَكْفِيهم جُهْدَ مراجعة حروف الخلاف في الحرز وفي طيّبة النشر كلّما اضطرّهمُ الشّكُّ أو الْوَهْمُ في وجه الأداء لنافع في حروف الخلاف التي خالف فيها نافع غيره من القراء.
وتضمَّن شرحُ "الْمَحظرةُ الشنقيطيّة":
ـ ضَبطِ تفرُّداتِ الرواة والقُرَّاءِ.
ـ ضبْطَ قراءة أبي جعفر المدني فإن اتَّفق معه تلميذُه نافعٌ قلتُ: قرأ المدنيّان، وإن كان في حرف الخلاف قراءتان فقط اكتفيتُ بتبيان قراءة نافع، وإن كان في حرف الخلاف ثلاث قراءات فأكثر بيّنتُ الأداء الذي قرأ به أبو جعفر أو راوياه حال اختلافهما.
ـ الإعراض عن مصطلح التجهيل في ثنايا الشرح لتفادي الحرج في الْمُسْنَد إلى الله سبحانه وتعالى.
ـ الإعراضَ عن وصف الحروف المتشابهة بأسمائها وذلك تفصيلا في الباء والتاء والثّاء والياء، وفي الحاء والخاء، وفي الدّال والذّال، وفي السّين والشّين، وفي الصّاد والضّادِ، وفي العَيْنِ والغيْن، وليتمّ تبيُّنُ الحروف المهملة من الحروف المعجمة، كتبيّن الباء بالموحدة التحتية وتبيّنِ النون بالموحدة الفوقيّة وتبيُّن المثناة الفوقية من المثناة التحتيّة والثاء المثلثة.
قُلتُ: ولقد أَصَّلَ أبو عمرو الدّانِي رحمه اللهُ تأصيلًا دقيقا حقيقا بالدِّرايَة لتَعَلُّقِه بضبط الأداء والرواية إذ تضمَّنتْ كتُبه التعريف وجامع البيان والتيسير والمفردات تقديمَ أسانيده بالتحديث والإخبار قبل أسانيده بالقراءة ـ كما في النّماذِجِ المبيّنَة في شرح البيْتيْنِ الثامن والتّاسع ـ وغفَلَ عنه المتأخِّرون فقَلَبُوا الْمُتراجِحَة باعتبارِهم قراءةَ الْمُتَلَقِّي أقْوَى درجاتِ الصِّحَّة والْحُجِّيَّةِ ويحتَجّون بحديث "القراءة سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ"، وإنَّها لكذلك غير أنَّه لا حُجَّةَ في قراءة الْمُتأخِّرين إلا تكن وِفْقَ أَدَاءٍ منصُوص في أمّهات كتب القراءات ويتّفِقُ المتأخّرون على هذا العموم لولا نَقْضُه تفصيلا بإلْغَاءِ كلِّ أداءٍ تضمّنتْه أمهاتُ القراءات لم يُقْرِئْ به الشيخُ الْمُتَلَقِّيَ ويعني صراحة فصاحة مَنْحَ المتأخِّرين المعاصِرين صلاحيّةَ تشذيذِ الأداءِ المنصوصِ في أمّهات القراءات الأولى، ولن يَصِحَّ لِأحدٍ منَّا معشرَ الْمُتأخَّرِين أن يُهَيْمِنَ نزولُ سندِه وتأخُّرُ قراءتِه أكثر من ألفِ سنةٍ وقُصور عِلْمِه بتفاصيل الأداء الذي تلقَّاه الصحابة الكرام وأثبتوه في المصاحف العثمانية على الأداء المنصوص في أمهات القراءات الأولى ويلحق به كتب ابن مهران وابن مجاهد وابني غلبون والدّاني وأترابُهم.
إنّ التحديث المنصوص ثم الإخبار بأحرُفِ الخلاف في أمّهات القراءات لأَثْبَتُ وأضبَطُ لها من قراءة المتلَقِّي على الشيخ ولِتَظَلَّ قراءة الْمُتَلَقِّي على الشيخ بغير الأداء المنصوص في أمّهات القراءات أدْنَى درجات الصحّة والثبوت إذ لا تصحُّ شرعيّةُ نشأةٍ قراءةٍ أو أداءٍ غيرِ الأداء الْمنصوص في أمّهات القراءات الذي قرأ به مَن كانوا أقربَ إلى الصحابة والتابعين وأعلى سَنَدًا.
وأدعو أخوَتِي المتخصِّصين المعاصرين في القراءات إلى تحريرها بِفَرْزِ الأداءِ الأوّلِ لكل مصحف عثمانيٍّ بدل تحرير طرُقِ القراءات أو ما يُسَمُّونه تحرير الأوجه واحتمالاتِها كأوجه الضرب والحساب وافتَتَن بها الناسُ عن قراءات التدبُّر لاستنباط المعاني والدلالات.
وأدعُو الْمُشْتغِلين بعِلم القراءات لِيُسَارِعُوا إلى تدبُّر القرآن لِيَسْتَنبِطوا منه التي هي أقوم وأَهْدَى مِن حال الْبَشَرِيَّة اليومَ وإلا كان ضَرَرُ القراءات أكثرَ مِن نفْعِها بما صَرَفَتْهم عن رأس المالِ الذي هو تدَبُّر القرآن العجب الذي يهدِي للرُّشْدِ.
واللهَ أسْألُ أن يتقبَّلَ جُهْدَ الْمُقِلِّ وأنْ يغفرَ لِي ولِمَنْ دَرَسَها وتدارَسَها وصحَّحَها واعْتنَى بها ذُنوبَنا وإسرافَنا في أمْرِنا وأن يكَفِّرَ عنَّا سيِّئاتِنا وأن يتوَفَّانَا مع الأبرارِ وأن لا يَجْعلَنا فِتْنَةً للقوْمِ الظالِمين وأن يَنْفَع بنا المسلمين وسائر المستضعفين.
طالب العلم/ الحسن ولد ماديك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Top