خطأ: الْخَطَأُ: في تفصيل الكتاب المنزل هو "قَوْلٌ أو عَمَلٌ مِنْ أعمالِ الجوارِحِ ـ لا الْقَلْبِ ـ أَخْطَأَ القَصْدَ فلم يُوافِقْهُ وتَضَرَّرَ بِه الْبَرِيءُ، كالذي يدْعُو الرجُلَ إلى غيرِ أبِيهِ وكان قَصْدُه نِسْبَتُهُ إلى أبيهِ ذي النُّطْفَةِ، وكالذي يَرْمِي صَيْدًا بَرِّيًّا فيُصِيبُ بسَهْمِه مؤْمِنًا فيقْتُلُهُ خَطَأً، ووَعَدَ اللهُ بالْعَفْوِ يَومَ الْحِسابِ عن المُؤَاخَذَة بِخَطَإٍ لم يَتَعَمَّدْهُ القَلْبُ مَوْطِنِ النِّيَّةِ والقَصْدِ والإرادة.
وقد وقعتِ المغايَرةُ بين الْخطَإِ والإثْمِ وبين الخَطَإِ والنسيان وبين الخطإِ والذنب، واشتركَ الخطأُ والذَّنْبُ في حاجة صاحب كل منهما إلى مغفرة الله يوم الحساب للنجاة من العِقاب، وغايَر الخطأُ السيِّئَةَ في تعلُّقِ الخطإِ بالمغفرة وتعلُّقِ السيِّئَةِ بالتَّكْفِيرِ.
فالأول قوله تعالى ﴿ومَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمّ يَرْمِ به بَرِيئًا فقدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وإثْمًا مُّبِينًا﴾ [النساء 112]، ولأنّ الإثمَ ـ كما عرَّفْتُهُ ـ "عمَلٌ مِن أعْمالِ الْقَلْبِ" وأنّ باطنَه هو "كِتمانُ الحقيقة في الْقَلْبِ" وأنّ ظاهرَه هو "طمْسُ معالِـمِ الحقيقة ودلائلِها باللسان أو أكثر منه" فإنّ المغايرةَ بين الإثم والخطإ تعني تعلُّقَ الخَطَإِ بالجوارِحِ.
والثاني قوله تعالى ﴿ربّنا لا تُؤَاخِذْنَا إن نَّسِينا أو أخْطأْنَا﴾ [البقرة 286]، وإذْ يعنِي النسيانُ ـ كما عرَّفْتُه ـ "تَرْكَ العمَلِ غَفْلَةً" فإنّ الخطَأَ من أعمال الجوارح.  
ومن الثالث قوله تعالى:
﴿واسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ﴾ [يوسف 29]
﴿وليس عليكم جُناحٌ فيما أخطأتُم به ولكن ما تعمّدَتْ قلوبُكم وكان اللهُ غفورا رحيما﴾ [الأحزاب 5]
ولأنّ الذَّنْبَ ـ كما في عرَّفْتُهُ ـ "قولٌ أو عمَلٌ عَمْدٌ يُـخرِج صاحبَه من الأمْن والسِّلْمِ إلى استحقاقِ العِقاب"، فالمغايرة بينه وبين الْخَطَإِ تعني أنّ الخطأ قولٌ أو عَمَلٌ دون قَصْدٍ.
ويعني اشتراكُ الخَطَإِ والذَّنْبِ في حاجة صاحبِ كلٍّ منهما إلى المغفرة تَضَرُّرَ الْغَيْرِ بكلٍّ منهما على حِدَةٍ.
وتعني حاجةُ صاحِبِ السَّيِّئَة إلى التكفير مُحَاسَبتَه يوم الدِّينِ بها إلّا يُكَفِّرْهَا اللهُ عنه بحَسَنَةٍ تَمْحُهَا كالصّدَقَة وإحياء الأنْفُسِ وإصلاحِ ما فَسَد، أمَّا الخطأُ فيغْفِرُه اللهُ إذْ لم يتَعَمَّدْهُ الْقَلْبُ.
أمّا الْخَطيئَةُ في تفصيل الكتاب المنزّل كما في المثاني:
﴿ممّا خطيئاتِهم أُغْرِقُوا فأُدْخِلُوا نارا﴾ [نوح 25]
﴿وقال الذين كفَرُوا للذينَ ءامَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا ولْنَحْمِلْ خَطَايَاكم وما هم بحامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهم من شيءٍ﴾ [العنكبوت 12]
﴿إنّا ءامَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خطايانا أن كنَّا أوَّلَ الْمُؤمنين﴾ [طه 73]
﴿إنَّا نَطْمَعُ أنْ يَغْفِرَ لنا ربُّنا خطايانا أنْ كُنَّا أوَّلَ الْمُؤْمِنِين﴾ [الشعراء 51]
فتعنِي الصَّدَّ عن سبيلِ اللهِ ومنه صَرْفُ النّاسِ عن اتِّباعِ الحقّ بخِداعِهم أنّما هم فيه من الباطل هو الحقُّ أو بقهْرِهم بالإبقاء في فسطاط الباطل.
ووقع في تفصيلِ الكتاب المنزّل وصْفُ الخاطئين على الذين طلَبُوا غايةً بِسَعْيٍ انْقَلَبَ عليهم فلم ينالُوها كما في المثاني:
﴿إنّ فرعونَ وهامان وجُنُودَهُما كانوا خَاطِئِينَ﴾ [القصص 8]
﴿قالوا تَاللهِ قَدْ ءَاثَرَكَ اللهُ علَيْنَا وإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾ [يوسف 91]
﴿واسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إنَّكِ كُنْتِ مِن الْخَاطِئِين﴾ [يوسف 29]
وقد حَرِصَ فرْعَونُ وهامانُ وجنُودُهُما على أن لا يكون لبنِي إسْرَائيلَ شأْنٌ ولا مُلْكٌ فانْقَلَبَ عليهم السَّعْيُ والْمَكْرُ والبَغْيُ، وحرِصَ إخوةُ يوسُفَ على أن يَخْلُوَ لهم وَجْهُ أبِيهم وَلِيَكونوا قَوْمًا صالِحين فأخطَأُوا السُّلُوكَ إليها، وحرِصَتِ امرأةُ العزيزِ على إشباعِ شهوتِها دون عِلْمِ زوْجِها العزِيزِ فأخطأتْ ترتيباتُها ووسائلُها.
ووردتْ كلمة الْخِطْءِ بكسر الخاء المهملة وإسكان الطاء المهملة في سِياقِ الْمُنكَر الْمُتَعَمَّدِ المقصود، ولقد عَجزْتُ أن أُوَجِّهَ قراءةَ أبي جعفر وابن عامر ﴿إِنَّ قَتْلَهُم كانَ خِطْئًا كبيرا﴾ [بني إسرائيل 31] بفتح الخاء والطاء المهملتين والقصر لاستحالة اجتماع عدم القصد والنيّة مع سبب خشيَةِ الإملاق الْمُتكرر في سورتي الأنعام وبني إسرائيل.
ووردتْ كلمة الخَاطِئَةِ للدّلالة على انتِفَاء أيِّ جزْءٍ من أجزاءِ التوفيق باجْتِماع سوء القصْدِ والإصرارِ على طمْسِ الفِطرة والْخُرُوجِ عن طاعة الله ورُسُلِه كما في المثاني:
﴿لئِن لَّمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بالنَّاصِيَة نَاصِيَةٍ كاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ﴾ [العلق 15 ـ 16]
﴿وجاءَ فِرْعَونُ ومَنْ قَبْلَهُ والْمُؤْتَفِكاتُ بالْخَاطِئَةِ فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً﴾ [الحاقة 9]
بقلم / الحسن محمد ماديك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Top