عجبي من الرأي بترادف دلالات كل من الذنب والإثم والسيئة والْـحُوب والخطيئة ويلزم منه القول بترادُف دلالات التكفير والمغفرة، ويسَع قائلَه القوْلُ كذلك بترادُفِ دلالات الظلم والبغْي والفساد وكذلك الفسقُ والإجرامُ والضلال وكل من الغضب واللعنة، مفردات أو كلمات في الكتاب المنزل يستحيل ترادفها وتفسير بعضها ببعض إلا لعِبًا كهَزَلِ الذين زعموا ترجمة القرآن إلى لسان غير عربـيّ، ولم يتجاوز المترجم نشر فهمه القاصر.
الإثم: في تفصيل الكتاب المنزّل: باطنه: كتمانُ الحقيقة في القلب، وظاهره: طمسُ معالِـمِها ودلائلِها باللسان أو أكثر منه، ويبطئ الإثم بالآثم عن الجزاء بالحسنى على ما قدّم من خير.
ووقعت المغايرة في الكتاب المنزل بين الفواحش والإثم والبغي وتعلقت الفواحش بالفروج وتعلق البغي بالاعتداء والفساد على المستضعفين، وظهرت للإثم حرمة أكبر من الفواحش لتعلُّقِه بالقلب سَيِّدِ الجوارج.
ومن باطن الإثم: طمسُ الحقيقة وكتمانها كما في قوله ﴿ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه﴾ البقرة وقوله ﴿ولا نكتم شهادة الله إنا إذًا لمن الآثمين﴾ المائدة.
وظهر من الإثم قَلْبُ الوصية وتحريفُها باللسان كما في قوله ﴿فإنما إثْمه على الذين يبدِّلونه﴾ البقرة، وقوله ﴿فإن عُثر على أنهما استحقا إثما﴾ المائدة.
وظهَر منه طمسُ براءة البريء الغافل برميه بالفاحشة إفكا وزورا كما في قوله ﴿ومن يكسبْ خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا﴾ النساء، وقوله ﴿والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا﴾ الأحزاب، وقوله ﴿لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم﴾ النور، وكلّف اللهُ باجتناب الظن الإثم.
وظهَر منه شُرْبُ الخمر لإثم صاحبه بطمس عقله، كذا غصْبُ مُهرِ الزوجة المدخول بها لطمس حقِّها فيه، وكذا أكلُ أموال الناس بالميسر أو رشوة الحكام لطمس حقوق الغير وغصْبِها.
ومنه ما يستفيده الأحبار والرهبان وَمَن شاكَلَهم مِن أموال العامة والحكام مقابل تحريف الكلم عن مواضعه في الكتاب المنزل أي الكذب في الدِّين ببيع الفتاوى حسب مصلحة المستفتـي كما في قوله ﴿تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان﴾ البقرة، في وصف بني إسرائيل، وقوله ﴿وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان﴾ وقوله ﴿لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت﴾ ومن المثاني معه في خطاب هذه الأمة ﴿ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾ المائدة.
وظهر عِلْمُ ابنِ آدم القتيلِ الأولِ وهو يخاطب أخاه بقوله ﴿لئن بسطتَ إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدِيَ إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين إني أريد أن تبوء بإثـمي وإثـمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين﴾ ويعني أن أخاه قد أخفى في قلبِه البرهانَ وسعى لطمس معالـمه بقتل منافسِه ليستأثر.
وسيطمس المتكبر عبوديتَه وفطرتَه بَغْيًا وطُغْيانا كالذي تأخذه العزة بالإثم فيتمادى يفسد في الأرض ويسفك الدماء ويُهلك الحرثَ والنسل قبلَ خطابه بتقوى الله وبَعدَه، وكذلك كل أفّاك أثيم يُصِرُّ مستكبرا إذا سمع آيات الله تُتلى عليه طامسا يقينَه بصدقِ رُسُل اللهِ، وكذلك كل مُعتَدٍ أثيم يُكَذِّبُ بآيات الله المتلوّة طامِسا ما فيها من البيّنات وما في قرارة نفسه من اليقين بها، وأملَى اللهُ بالأموال والأولاد والتمكين استدراجا للذين كفروا ليزدادوا إثما.
ومن أشرك بالله فقد افترى إثما عظيما بما طمسَ حقَّ اللهِ عليه وسَتَره وجَحَدَه.
وإنّ من الإثم المبين افتراءَ الكذب على اللهِ أنه زكّى خواص اليهود والنصارى ومنافقي هذه الأمة الذين يطمسون بما يتظاهرون به من الصلاح والزكاة سوءَ فعالهم وأقوالهم ونواياهم.
ويطمس الكهنةُ والدجالون الحقَّ بما يتلقَّوْنَه من أوليائهم شياطين الإنس والجن من المخارق والكذب كما في قوله ﴿قل هل أُنَبِّئُكم على مَن تنَزَّلُ الشياطينُ تنزّل على كل أفّاك أثيم﴾ الشعراء.
ونهى اللهُ عن التّناجي بالإثم في قوله ﴿ويتناجوْن بالإثم والعدوان ومعصية الرسول﴾ المجادلة، وقوله ﴿فلا تتناجَوْا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول﴾ المجادلة، وظهر اختلاف مدلول الإثم عن العدوان ومعصية الرسول وأن الإثم هو ما يتناجى به ويتواصى به المنافقون من موافقة المسلمين ظاهرا وممالأة اليهود باطنا.
وغفر الله الغفور الرحيم إثمين اثنين: أحدهما أكلُ المضطرِّ غير باغٍ ولا عادٍ من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أُهِلَّ به لغير الله، وثانيهما: المصلِحُ وصيّةَ الجانف أو الآثم، ولعل سائرَ الآثام موبقةٌ صاحبها كما في قوله ﴿ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه﴾ النساء، وقوله ﴿إن الذين يكسبون الإثم سيُجزوْن بما كانوا يقترفون﴾ الأنعام.
ومن أصول التفسير أن نفْيَ الوَصْفِ أبلغُ في إثبات ضِدّشها ومُقَابِلِها، ومشنه نفيُ الإثْمِ لِتقرير التزكية كما في قوله ﴿فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه لمن اتقى﴾ البقرة.
ووقعت المؤاخاة في الكتاب المنزل بين الآثم والكفور بِنَهْيِ اللهِ نبيّه الأمّيَّ صلى الله عليه وسلم عن طاعة كل منهما في قوله ﴿ولا تطع منهم آثما أو كفورا﴾.
ووعَد اللهُ المشركَ والقاتلَ نفسا حراما والزانـيَ إن لم يتبْ ويؤمنْ ويعملْ عملا صالحا أن يلقَى أثاما ـ وهو والله أعلم ـ عذاب بالغَمِّ في قلبِه يُبعده عن الطمأنينة، ومن المثاني معه قوله ﴿ وقتلت نفسا فنجّيناك من الغمّ﴾ ، ذلكم الأثام كالتأثيم ولن يسمع من يدخلون الجنّة فيها تأثيما يُحزِنهم في بواطن أنفسهم ولا لَغْوا يظهر أثرُه عليهم وكذلك شرابُهم لا تخدير فيه ولا سُكْرَ يُؤثِّر فيهم ظاهرا باللغو دون قَصْدٍ ولا يشعُرون في باطن أنفسهم بتأثيم.
ووعَد اللهُ في الكتاب المنزل بعذاب صاحب الربا كما هي دلالة الإخبار بنفْيِ حبّ الله في قوله ﴿والله لا يحب كل كفار أثيم﴾ الروم، وبينته في مادة حبب.
ووقع في الكتاب المنزل الوصف بالأثيم كلًّا من الأفَّاك والكَفَّار والخَوَّان والمنَّاع للخير بصيغ المبالغة.
ومن المستكبرين في الأرض بغير الحق من تراءت لهم أنفسُهم أعزَّ من اتِّباع الحقِّ وأكرمَ فجحدوه في أنفسهم وطمسوه بألسنتهم وصدّوا عنه وسيجازون في النار كما في قوله ﴿إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم﴾ الدخان.
بقلم
الحسن ماديك

1 التعليقات:

 
Top