ولأن الحرمين الشريفين بأيدٍ أمينة ولن تتعطل شعيرة الحج بفضل الكفاية في
جزيرة العرب من القائمين والطائفين والركّع السجود وعَمَرَةِ المسجد الحرام فإني
أتمنى على الراغبين في الحج الوافدين من أقصى الأرض جمع أموالهم في صندوق مخصص لتحرير
الروهنكا المشردين الممزقين ومنهم المحرقون ومن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت فلم
يجدوا فيها بلدا يؤويهم ولا يزالون في السفن تدور بهم فوق البحار ومنهم من أصبحوا
عبيدا يباعون كما تباع السلع، ولعل نفقات الحج سنة أخرى تكفي لنصرة المسلمين السنة
في الأحواز ثم في العراق وسوريا وغزة، ولتأصيل ذلك فقد تنزلت سورة الكوثر بداية
البعثة النبوية وتعلَّقَ التكليف حوالي عشر سنوات أعرض النبي صلى الله عليه وسلم
خلالها عن صلاة العيد والنحر بعده رغم صريح الآية "فصلِّ لربِّك
وانحرْ"، وتنزل في الثانية من الهجرة التكليف في سورة البقرة بتحويل القبلة
إلى المسجد الحرام في مكة، وكذلك تنزل التذكير في سورة الحج بتكليف إبراهيم ببناء الكعبة
وتطهيرها للقائمين والعاكفين والركع السجود وبالأذان في الناس بالحج وتبيان
مناسكه، وتأخر تمثل العبادة بالطواف حول الكعبة والصلاة في المسجد الحرام أكثر من
ستِّ سنوات أعرضَ النبيُّ الأمّيُّ صلى الله عليه وسلم خلالها عن الخروج إلى مكة
لتحريرها وتطهير الكعبة من الأوثان والأصنام وتهيئتها للقائمين والعاكفين والطائفين
والركع السجود، وعن المبادرة إلى إقامة منسك الحج وفريضته لانشغاله بفريضة أكبر وأظهر
هي متابعة الجهد والجهاد لتجاوز مرحلة الدفاع التي يأمن فيها المسلمون في ديارهم صولةَ
الغزاة وتسلُّطَ الجبابرة الذين اتخذوا من أنفسهم أوصياءَ على الناس يسلبونهم حق
الاختيار كما في الكلية القرآنية العامة "فمن شاء فلْيؤمنْ ومن شاء
فلْيكفرْ"، وبعد غزوة الأحزاب وبنو قينقاع وخيبر أَمِن المسلمون الجبهة
الداخلية وتجاوزوا مرحلة الدفاع بدأ التفرغ لتحرير مكة وليتأتى تطهير الكعبة
للطائفين والعاكفين والركع السجود ولإقامة ركن الحج، ويعني أن تحصين الجبهة
الداخلية للمسلمين آكَدُ وأوجَبُ من إقامة فريضة الحج.
الحسن محمد ماديك
متخصص في تحرير طرق القراءات العشر الكبرى
صاحب مدرسة لتأصيل القراءات والتفسير وفقه المرحلة
0 التعليقات:
إرسال تعليق