اللهُ
إن
عاقلا أو مغفلا من الناس لن يقول إنه هو مَن خَلَق السماوات والأرض وما بينهما، بل
هو اللهُ لا إلـه إلا هو خَالِقُ السماوات والأرض وما بينهما، خالقُ كلِّ شيءٍ وسيعدم
السماوات والأرض ويعيد خلقهما ومن فيهما كما خلقه أول مرة تفصيلا يشمل بَنَانَ
الإنسان وذاكرتَه فلا ينسى منها ما كان أسرَّ وما كان أخفى، يُدبِّر الأمْر، لا
تدركه الأبصار فهو غيبٌ في الدنيا، ولم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولم يلِدْ ولم يولد
ولم يكن له كفْءٌ ولا شبيهٌ ولا شريكٌ له الأسماء الحسنى ، وهو بكل شيء وعد به
قديرٌ، وبكل شيء من الغيب عليمٌ، ليس كمِثْلِه شيءٌ أي ليس لذي قوة من العالمين قوةٌ
كقوة الله ولا لذي رحمة من العالمين رحمة ٌكرحمة الله فليس لأحد من العالمين
مِثْلُ ما لله من الأسماء الحسنى والخَلْقِ وتدبيرِ الأمْرِ، سبحان الله وتعالى
عما يقول الظالمون ويصفون، فلا يفكرُ في ذاتِ الله غير المشبِّهِ الجاهل الأحمق عن
دراية قوله تعالى ﴿فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون﴾ النحل،
ولا يجعل للمخلوق مِثْلَ ما لله من الأسماء الحسنى والخلق وتدبير الأمر غير
المشرك، ولا يجحد ما لله من الأسماء الحسنى والكلام والأفعال والصفات غير المعطِّل.
وأقرب
الخلق من الله هم الملائكةُ والنبيون والرسل بما علَّمهم ربُّهم تعليما خارقا
وبالوحي إليهم ثم الصلاحُ والفضلُ في سائر المكلفين بمقدار تعرُّفِهم على الله رب
العالمين من خلال الكتاب المنزل والهدي النبويّ ليَعبُدوا اللهَ على علم ولِيتبيَّن
كل منا أن عملَه القاصرَ لن يستغرق شكرَ نِعم الله الظاهرة والباطنة.
وأرسل الله رسلا مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب والحكم
والنبوة والميزان، وكان حريا بالناس أن يفهموا الكتاب لوضوحه وهل في اللهِ فاطرِ
السماوات والأرض شكٌّ؟ ومتى احتاج التكليف بالصلاة والزكاة وسائر التكاليف إلى
تدبُّر؟ وإنما هي تكاليف من الله الخالق البارئ المصور فمن شاء زكَّى نفسه بها ومن
شاء دسّاها بالإعراض عنها، وإنما الحاجة إلى التدبُّر في القرآن ذي الموعودات
المنتظرة قبل النفخ في الصور.
وأولى الخطوات إلى سبيل الرشاد هي الإيمان بالله، ولقد تضمن
الكتاب المنزل تعدية الإيمان بكل من اللام والباء، وتعني التعدية باللام التصديق
من المعاصر كما ءامن لوطٌ لإبراهيم، وءامنَ لموسى ذريةٌ من قومه على خوف من بطش
فرعون فكتموا إيمانهم، وكما استنكف أكابرُ قوم نوح أن يؤمنوا له وقد تبعه من
يعدونهم من الأرذلين، وتراءى الأسباط لأبيهم كالصادقين ليؤمن لهم ولا يخفى أن لوطا
قد عاصر إبراهيم وأن ذريةً من بني إسرائيل قد عاصروا موسى وأن قوم نوح قد عاصروا
نوحا وأن بني يعقوب إخوة يوسف قد عاصروا أباهم.
أما
تعدية الإيمان بالباء فلدلالته على الغيب المنتظر يوم نزل القرآن قبل أن يصبح
شهادة في آخر أجل الأمة أو في اليوم الآخر، وتنزل التكليف بالإيمان بالله وملائكته
وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر كله.
إن
الإيمان بالله ليعني الإقرار بلقاء الله يوم البعث للحساب والإقرارَ بصدْق الرسل
والنبيين وما أرسلوا به من البينات والكتاب، والإقرارَ بجميع الغيب في القرآن ومنه
الملائكة، والالتزامَ بتمثُّل التكليف من الله كما الكتاب المنزل.
إن
اللهَ غيبٌ في الدنيا وكذلك دلالة قوله ﴿الذين يحملون العرش ومَن حوله يسبحون بحمد
ربهم ويؤمنون به﴾ غافر، أي أنهم وهم المقرَّبون من الملائكة يؤمنون بالله ولم يَرَوْه
بعدُ وإنما سيرَونه يوم الحساب وعْدا من الله كما هو مدلول تسبيحهم بحمد ربهم وبيَّنته
في المعجم في بيان اقتران التسبيح مع الحمد.
إن
قوله ﴿قل أذُنُ خيرٍ لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين﴾ براءة، ليعني أن النبيّ صلى
الله عليه وسلم يؤمن بالله لدلالته على الغيب إذ لم يره في الدنيا، ويصدّق النبيُّ
صلى الله عليه وسلم المؤمنين فلا يُكَذِّبُهم فيما يزعمون إذ كان صلى الله عليه
وسلم على خلق عظيم .
ويتعرض
المُعرضون عما أرسل اللهُ به الرسلَ من البينات لما في الكتاب ومن الآيات الخارقة
للتخويف والقضاء لعقوبة من الله في الدنيا منها:
ـ
ختَم اللهُ على قلوبهم وسمعهم أي عاقبهم في الدنيا على إعراضهم عما تبيّنوا من
الحق فجعل الكفر والتكذيب والنفاق آخر ما يُختم به عملُ القلوب والسمع مهما آمنوا
بعد كفر ثم آمنوا ثم كفروا أي لن َنقضي الأعمار وهم في مرحلة الإيمان بين الكفرين
بل سيختم لهم بالكفر.
ـ
جعلَ اللهُ على بصرهم غشاوةً فلا يبصرون الحق بعد إعراضهم عنه بعد ما تبيّنوه.
ـ
طَبَع اللهُ على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم أي عاقبهم على إعراضهم فجعل القلوب والسمع
والأبصار لا تتحول عن التكذيب إلى الإيمان.
ـ
صرف اللهَ قلوبَ المنافقين الذين انصرفوا عن سماع القرآن عقوبة لهم على انصرافهم
عنه.
ـ
أزاغ الله قلوب طائفة من بني إسرائيل عقوبة أن زاغوا بإيذاء موسى.
ـ
وينتظر نفاذ الوعد من اللهِ أن يذهَبَ بسمع المنافقين وأبصارهم.
ـ
وينتظر نفاذُ الوعد من الله يأخذ سمع المشركين وأبصارهم وأن يختم على قلوبهم فلا
يهتدون إذا جاءتهم الآيات الخارقة للتخويف والقضاء في آخر الأمة.
ويُنتظر
نفاذ الوعد من الله أن يستهزئ بالمنافقين فيمدهم في طغيانهم بالمال والأولاد
والملك مَكرا بهم وسخرية منهم فلا يشكرون ولا يتعظون يوم يقع خطابهم بالآيات
الخارقة للتخويف والقضاء.
ـ
ويُنتظَر نفاذ الوعد من الله أن يلعنَ الذين يكتمون البينات والهدى في الكتاب
المنزل، والذين شهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات فآمنوا وكفروا، والذين يؤذون
الله ورسولَه، والذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات، واليهود، ومن يقتل مؤمنا
متعمدا، والمنافقين والكفار الظانين بالله ظن السوْءِ، ومنافقي المدينة النبوية ولعن
الكاذبين.
ولعنَ
اللهُ عادا الأولى فأبعدها بالريح العقيم عن رحمة الله وموطن التوبة باتباع هود،
وأُتْبِعَتْ عاد في هذه الدنيا لعْنةً ستلحق عادا الأخرى المنتظرة.
ولعنَ
اللهُ فرعونَ وملأَه فأبعدهم بالإغراق عن رحمة الله وموطن التوبة باتباع موسى، وأُتْبِعوا
في هذه الدنيا لعنةً ستلحق خَلَفَ فرعون حاكما منافقا وجنوده الموصوفين في
المثاني:
ـ
﴿والذين يَنقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويُفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم
سوء الدار﴾ الرعد
ـ
﴿فهل عسَيْتم إن توليتم أن تُفسدوا في الأرض وتُقَطِّعوا أرحامكم أولئك الذين لَعَنَهم
الله فأصمَهم وأعمى أبصارَهم﴾ محمد
ـ ﴿والشجرةَ الملعونة في القرآن ونُخَوِّفهم
فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا﴾ الإسراء
وإنما هو التولِّي بمعنى الولاية التي
هي السلطان، ولا يقع اللعن من الله على غير مكلف كالشجرة بل هم خلف فرعون مثل
الشجرة الخبيثة لا قرار لها يوم يجتثها من فوق الأرض الحق الذي سيقذفه الله فيزدادون
طغيانا كبيرا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق