والقرينة في أول الأنعام أن آيات ربنا إذا أتت الناسَ وأعرضوا عنها فقد كذّبوا يومها بالحق لما جاءهم وإنما هو الخطاب لهذه الأمة ووعدٌ لمَّا يأت بعدُ لقوله ﴿فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون﴾ الأنعام، أما القرون الأولى فقد جاءهم بصيغة الماضي المنقضي ما كانوا به يستهزئون أي أهلكوا قبل نزول القرآن بل قبل نزول التوراة.
والقرينة في حرف يـس أن الآيات الخارقة من آيات ربنا التي سُيعرض عنها المجرمون هي من الموعود كما في قوله ﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين﴾ يس، وهي التي ستأتي بعدها على المعرضين عنها صيحة واحدة  ﴿تأخذهم وهم يخصّمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون﴾ يس، وإنما التوصية والأهل والاختصام والاختلاف في الآيات الخارقة للتخويف والقضاء من أعراض الدنيا لا الآخرة، أي أن الوعدين منتظران في الدنيا ولما يأتيا بعد.
والقرينة في ثاني الأنعام أنه من القول الذي لم يقع بعدُ ولو وقع لأخرج ربُّنا للناس دابة من الأرض تكلمهم، فقوله ﴿قل إنما الآيات عند الله وما يُشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون﴾ من القول في القرآن الذي لن يقع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم  بل بعده في أمته وجاء التكليف بالقول ﴿قل﴾ للدلالة عليه ولا يخفى أن المخاطبين في قوله ﴿وما يشعركم﴾ هم الذين عاصروا خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم وتنزُّل القرآنِ عليه وهم الذين سألوه الآيات الخارقة، ولا تخفى قوة قراءة الغيب في قوله ﴿لا يؤمنون﴾ للعشرة باستثناء ابن عامر الشامي وحمزة على نسق الغيب المتفق عليه في قوله ﴿ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله﴾ الأنعام، لأن الذين ستجيئهم الآيات الخارقة في آخر أجل الأمة كالموصوف في قوله ﴿ولو أننا نزّلنا إليهم الملائكةَ وكلّمهم الموتى وحشرنا كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكنّ أكثرهم يجهلون وكذلك جعلنا لكل نبيٍّ عدُوًّا شياطين الإنس والجن يوحِي بعضُهم إلى بعض زخرف القول غرورا﴾ الأنعام، ويعني أن هذا الموعود سيقع في آخر أمّةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم على أعدائه المترفين الذين سيعرفون الوحي في ما بينهم كما عرفته البشرية اليوم في عالم الاتصالات وثورته العملاقة وإنما لم يقع اتصال الإنس بالجن والجن بالإنس وهو من المنتظر كما في قوله ﴿وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا﴾ الأنعام، ومن المثاني معه ﴿وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم﴾ الأنعام، وهو من المنتظر.
إن الذين ستجيئهم الآيات الخارقة في آخر هذه الأمة كانوا غيبا مُغيَّبين عن عالم الشهادة والخطاب يوم نزل القرآن فليسوا هم المخاطبين بقوله ﴿وما يشعركم.
والقرينة في ثالث الأنعام أنه من القول ويعني أن من الوعْدِ في القرآن يومَ يأتي بعضُ آيات ربِّنا ووقع تكليف النبيِّ صلى الله عليه وسلم بانتظاره ولزم كلَّ مؤمن أن ينتظر معه ذلك الوعدَ في القرآن وأن سيأتي العذابُ في الدنيا على المكذبين ـ يوم يأتي بعض آيات ربنا ـ فينزل عليهم فيؤمنون فلا ينفعُهم الإيمان بل يهلكون، ومن توهّم أن خطاب الرسول النبي الأميّ صلى الله عليه وسلم ﴿قل انتظروا إنا منتظرون﴾  لا دلالة فيه على وعْدٍ حَسَنٍ من الله سيتم نفاذه إذا وافق الأجل الذي جعل الله له، هذا المتوهّم لم يفقه دلالة أن محمدا صلى الله عليه وسلم مرسل من ربه بالقرآن.
والقرينة في حرف يونس أن الذين حقّت عليهم كلمةُ ربنا وهي وعده أن يملأ منهم جهنم ـ كما بينت في معجم معاني كلمات القرآن وحروفه ومضمراته ـ لن يؤمنوا بربهم ولو جاءتهم كلُّ آية خارقة معجزة للتخويف والقضاء، ويعني أن الآيات الخارقة للتخويف والقضاء ستأتي المكذبين فلا يؤمنون بها حتى يروا العذاب الأليم في الدنيا وحينئذ فلن ينفعهم الإيمان.
والقرينة في حرف الروم أن اللهَ عالمَ الغيب والشهادة علِم أن الآيةَ الخارقة التي سألها الكفار محمدا صلى الله عليه وسلم لو جاءهم بها محمد صلى الله عليه وسلم لقالوا في وصفه هو والذين معه ﴿إن أنتم إلا مبطلون﴾ أي لن يؤمنوا بها بل سيستهزئون بها وبالذين آمنوا بها وكذلك سيقول الذين لا يعلمون ممن سيدركون يومَ تأتي الآية الخارقة استهظاءً بالمؤمنين بها يومئذ، فمجيء الآية الخارقة هذه الأمة وعْدٌ من الله كما في قوله ﴿فاصبر إن وعْدَ الله حقٌّ﴾ ومنه أن سيطبعُ الله على قلوب قوم لا يعلمون بل يكفرون بالآيات الخارقة الموعودة.
ولقد وَعَد اللهُ هذه الأمةَ أن ترى الآيات الخارقة كما في المثاني:
ـ ﴿اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر﴾ القمر
ـ ﴿وإن يرَوَاْ كلَّ آية لا يؤمنوا بها﴾ الأنعام والأعراف
ـ ﴿هو الذي يريكم آياته وينزّل لكم من السماء رزقا وما يتذكّر إلا من ينيب﴾ غافر
ـ ﴿ويريكم آياته فأيّ آيات الله تنكرون﴾ غافر
ـ ﴿وقل الحمد لله سيُريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون﴾ خاتمة النمل
ـ ﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنه الحق﴾ فصلت
ـ ﴿خُلِقَ الإنسانُ من عجَل سأوريكم آياتي فلا تستعجلون﴾ الأنبياء
ـ ﴿وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا﴾ الجاثية
ـ ﴿فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يُحيِي اللهُ الموتى ويُرِيكم آياتِه لعلكم تعقلون﴾ البقرة
وتعني هذه الآيات المتلوّة أن الأمة بعد نزول القرآن سترى الآيات الخارقة المعجزة كل يراها بعينيه يقظة وجهرة، وكذلك حيث وقعت في القرآن تعدية الرؤية إلى الآيات فإنما المرئي هو الآيات الخارقة لسنن الكون ونظام الحياة فيه.
وإنما هي الرؤية بالعين المجردة كما في المثاني:
ـ ﴿وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها﴾ الزخرف
ـ ﴿ولقد أريناه آياتنا كلَّها فكذّب وأبى﴾ طه
ـ ﴿لِنُرِيَك مِن آياتنا الكبرى﴾ طه
ـ ﴿وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى﴾ البقرة
ـ ﴿لِنُرِيَه من آياتِنا﴾ الإسراء
ـ ﴿ لقد رأى من آياتِ ربِّه الكبرى﴾ النجم
وقد رأى فرعون وقومه تسع آيات بينات بأعينهم ورآها موسى بعينيه ورآها إبراهيم  ورأى محمد صلى الله عليه وسلم في الإسراء والعروج به إلى الملإ الأعلى وإلى سدرة المنتهى من آيات ربه الكبرى، فحرفا الإسراء والنجم حجة على أن الإسراء والعروج به إلى ما فوق السماء السابعة كان بجسمه كله وليس بروحه فقط لأنه رأى من آيات ربه الكبرى عند سدرة المنتهى بالعين المجردة كما تحقق.
والذين سيدركون الآيات الخارقة في هذه الأمة إذا رأوها فقد علموها لاقتصار دلالة كلمة العلم في الكتاب المنزل على الوحي وعلى المشاهدة بالعين المجردة لا غير، مما يعني اختصاص قوله ﴿ وإذا علم من آياتنا شيئا ﴾ بالمشاهدة بالعين المجردة، والقرينة فيه أن الموصوف بالأفاك الأثيم سيعلم من آيات ربِّنا أي سيراها بعينيه وإذا جاءت فهي الموصوفة بقوله ﴿هذا هُدًى﴾ أي سيهتدي به من هَدَى الله، أما غيرهم فهم الموصوفون في قوله ﴿والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم﴾.
ومن المثاني مع حرف الجاثية ﴿وإذا علِم من آياتنا شيئا﴾ قوله ﴿ قال لقد علِمْتَ ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا﴾  الإسراء، من قول موسى في وصف فرعون بعد أن رأى الآيات الخارقة فعلِمَها ولا عِلْم قبل تمكن البصر من المعلوم ولا كرامة في هذا العلم إذ هو بالعين المجردة ولم ينتفع به صاحبه كما في قوله ﴿وأضلّه الله على عِلْم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكّرون﴾ الجاثية، فهذا الذي أضلَّه الله على عِلم هو ضلاله عن الآيات الخارقة لم يهتد بها ولم ينتفع ببصره ولا بسمعه ولا بقلبه إذ لم يفقه أن الآيات نذير وسيهلك أي يعذّب مكذبوها في الدنيا كما في الآخرة.
والقرينة في حرف القمر أن الساعة إذا اقتربت أكثر وانشق القمر وهو مما ينتظر، سينزّل ربُّنا آيات خارقة معجزة يراها جميع الناس في آخر أجل الأمة وأجل الكون كله ولن يؤمن المجرمون بل سيقولون ﴿سِحْرٌ مُستمِرٌّ﴾ اعترافا منهم أن الآيات المنتظرة هي كالموصوف في القرآن من قبل وذلك قولهم  سحر مستمر﴾ من الدهشة تعجبا إذ حسبوا الآيات الخارقة المعجزة قد انقطعت من قبل فإذا بسِحرها كما يزعمون مستمر وكما في المثاني في قوله ﴿في يوم نحس مستمر﴾ القمر، أي لم ينقطع عنهم العذاب بالريح الصرصر العقيم بانقطاع اليوم الأول وإنما تتابع واستمر سبع ليال وثمانية أيام.
إن قوله ﴿وكذبوا واتبعوا أهواءهم﴾ القمر، ليعني وصفَ الذين سيدركون تلك الآيات ثم يكذبون بها أنها من عند رب العالمين ولا يتبعون القرآن الذي تضمن الوعد بها وإنما يتبعون أهواءهم وقوله ﴿وكل أمرٍ مستقِرٌّ﴾ القمر، هو وعْد من الله في القرآن يعني كل أمر من العذاب أهلك به الأولون سيستقرّ على المكذبين الآخرين من هذه الأمة.
والقرينة في حرف الأنعام ﴿وإن يروا كلَّ آية لا يؤمنوا بها﴾ أن من المنافقين من يستمعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن ولا يفقهون منه أن الله وعَد بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء بعد نزول القرآن وأن المنافقين إن يرَوْا الآياتِ كلَّها لن يؤمنوا بها.
والقرينة في حرف الأعراف ﴿وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها﴾ أنه من نبوة موسى التي لم تقع بعد وجاء بيانها في القرآن للتذكير بها ليتأمّلها كل مؤمن بنبوة موسى وينتظرها، فهي مما نبّأ الله به موسى لمّا آتاه التوراة مكتوبة في الألواح وفيها موعظةٌ وتفصيلٌ لكل شيء سيكون بعده نبّأه به ومنه هذا البلاغ والإعلان كما في قوله ﴿فخذها بقوة وأْمُرْ قومَك يأخذوا بأحسنها سأوريكم دار الفاسقين سأصرف عن آياتي الذين يتكبّرون في الأرض بغير الحق وإن يرَوْا كلَّ آية لا يؤمنوا بها وإن يرَوْا سبيلَ الرّشد لا يتخذوه سبيلا وإن يرَوْا سبيل الغيّ يتخذوه سبيلا ﴾ الأعراف، ومن مقتضى هذا البلاغ والإعلان الخطير الكبير أن ربَّنا لم ينزل الآيات الخارقة للتخويف والقضاء بعد نزول التوراة إلى البشرية إلى يومنا هذا بل كانت جميع الآيات الخارقة مع موسى بعد هلاك فرعون ومع جميع النبيين والرسل بعده من بني إسرائيل ومع النبي الأمي صلى الله عليه وسلم هي آيات خارقة للكرامة والطمأنينة ، ويوم يرى الناس الآيات الخارقة للتخويف والقضاء بعد نزول التوراة فذلكم هو سبيل الرشد الذي سيتبيّنه الناس بها وسيصرف ربُّنا عن الإيمان بها الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق والذين سيتخذون من سبيل الغيِّ وهو سبيل السامريّ الدجال المنتظر سبيلا.
ويعني أول غافر أن الله وعَد في القرآن أن يُرِيَ الناسَ آياتِه الخارقة المعجزة كما هي دلالة تعدية الرؤية إلى الآيات.
وثاني غافر ﴿ويُريكم آياته فأي آيات الله تنكرون﴾  من المثاني مع حرف النمل ﴿وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها﴾  أي لا تنكرونها بل تعلمون وتوقنون أنها من عند الله وليست مفتراةً وإنما يُكذِّب بها أكثر الناس وهم يعلمون أنهم يشاقون الله ومن يهدي من أضل الله ومن ينقذ من حقّ عليه كلمة العذاب ولو علِم الله فيهم خيرا لأسمعهم.
والقرينة كذلك في ثاني غافر أن قوله ﴿وخسر هنالك المبطلون﴾  بالإشارة ب ﴿هنالك﴾ إلى البعيد من الغيب يوم نزل القرآن.
والقرينة في حرف النمل أنه من القول الذي لم يقع بعد وسيتم بحمد الله وعزته وقهره بعد قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وتلاوته القرآن كما في قوله ﴿وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن النمل، وسيتمّ بعدها أن يُرِيَ اللهُ آياتِه الخارقة للتخويف والقضاء للناس فيعرفونها، ومن المثاني مع حرف النمل ﴿وقل الحمد الله سيريكم آياته فتعرفونها قوله ﴿يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده الإسراء، أي سيتم بعثُكم من القبور وتستجيبون للداعي إلى الحشر بحمد الله وعزته وقهره فلا يتخلف منكم أحد فهذا التمام هو مقتضى الحمد وكذلك بعد تمام قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وتلاوته القرآن سيتم وعدُه بإنزال الآيات الخارقة للتخويف والقضاء يراها الناس فيعرفونها ولا ينكرونها.
والقرينة في حرف فصلت ﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنه الحق﴾ أنه من المثاني مع قوله ﴿قل انظروا ما ذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون﴾ يونس، ويعني أن الله سيُرِي هذه الأمةَ آيات خارقة معجزة للتخويف والقضاء في آخر أجلها ولن تستطيع الإنس والجن أن يأتوا بمثل التي في الآفاق من السماوات ولا بمثل التي في أنفسهم من الأرض ليتبيّن لهم أنه الحق ويعني قوله ﴿أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد﴾ أن ذلك الموعود سيقع ليشاهده العالمون جميعا إذ ما شهد الله به لن يبقى سرا وإنما سيشهده ويحضره العالمون والله أكبر شهادة.
والقرينة في حرف الأنبياء  سأوريكم آياتي فلا تستعجلون﴾ أنه مما ينتظر لقوله ﴿خُلِق الإنسان من عَجَل﴾  ولقوله ﴿فلا تستعجلونِ﴾ وإنما يُستعجل المنتظر الذي لم يقع بعد ُلا الماضي المُنقَضِي ولقوله ﴿ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين﴾ الأنبياء، وإنما الوعد هو قوله ﴿سأوريكم آياتي﴾ والله لا يخلف الميعاد.

وسيأتي قريبا بيان حرف البقرة ضمن بيان قوله ﴿أو كلّم به الموتى﴾.
يتواصل

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Top