الآية:
في تفصيل الكتاب المنزّل هي العلامة وتقع على المتلوة في
المصحف وعلى النعمة وعلى الدليل على التكرار وعلى القرينة وعلى الخارقة المعجزة.
ومما يقع على المتلوة قوله ﴿ذلك نتلوه
عليك من الآيات والذكر الحكيم﴾ عمران
ومما يقع على النعمة قوله ﴿يا بني آدم
قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله
لعلهم يذكرون﴾ الأعراف .
ومما
يقع على الدليل على التكرار قوله ﴿إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون﴾ الروم، بعد ذكر
المنام بالليل والنهار وطلب رزق الله.
ومما
يقع على القرينة قوله ﴿ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين﴾ يوسف،
ويعني بالآيات القرائن الدالة على براءته، وقوله ﴿إن في خلق السماوات والأرض
واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من
السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح
والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون﴾ البقرة، ويعني بالآيات
القرائن الدالة على أن الله هو رب العالمين ومدبر الأمر.
وإن الآية
الخارقة المعجزة لتقع على التي للكرامة والطمأنينة وعلى التي للتخويف والقضاء.
فأما التي للكرامة والطمأنينة فكما في
قوله ﴿قال رب اجعل لي آية قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا﴾ مريم، وقوله ﴿ورسولا
إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير
فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله
وأنبئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين﴾ آل
عمران
وأما التي للتخويف والقضاء فكما في قوله
﴿هـذه ناقة الله لكم آية﴾ الأعراف، وقوله ﴿قد جئناك بآية من ربك﴾ طـه، وقوله ﴿وقالوا
لولا يأتينا بآية من ربه﴾ طـه، وهـذه الآيات للتخويف لا يكون بعدها إلا القضاء ـ
قبل موت الرسول بالآيات ـ بين الفريقين بنجاة المؤمنين وإهلاك المجرمين المكذبين
بها.
وتقع آيات الكتاب والقرآن على بعض
الفواتح في أوائل السور المعلومة كقوله ﴿الــم تلك ءايــات الكتاب الحكيم﴾ لقمان،
وقوله ﴿طـسم تلك آيات الكتاب المبين﴾ الشعراء والقصص، وقوله ﴿الـمر تلك ءايات
الكتاب وقرآن مبين﴾ الرعد، وقوله ﴿طـس تلك ءايات القرآن وكتاب مبين﴾ النمل، ونحوه.
وإن الآية التي تقع على المتلوة، وعلى
آيات الكتاب، وعلى النعمة، وبعض التي تقع على القرينة للتصديق هي آيات الله كما هو
تفصيل الكتاب المنزل.
وإن الآية التي تقع على الخارقة المعجزة
هي آيات رب العالمين كما هو تفصيل الكتاب المنزل.
ولقد تضمن
القرآن أن المكذبين من الأمم الغابرة قد سألوا رسلهم آيات خارقة كما في قوله:
ـ ﴿ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم
اعبدوا الله ما لكم من إلـهٍ غيرُه أفلا تتقون فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما
هـذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهـذا
في آبائنا الأولين﴾ الفلاح
ـ ﴿قالوا
إنما أنت من المسحرين ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين قال هـذه
ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم﴾ الشعراء
ـ ﴿فإن
أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن
خلفهم أن لا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به
كافرون﴾ فصلت
ـ ﴿ونادى
فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهـذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون
أم أنا خير من هـذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو
جاء معه الملائكة مقترنين﴾ الزخرف
ويعني حرف
الشعراء أن ثمود وصفوا رسولهم صالحا بأنه من المسَحَّرين وسألوه آية خارقة فأرسل
اللهُ معه الناقةَ آيةً لهم.
ويعني حرف
فصلت أن عادا وثمود لم يؤمنوا بما أرسل به هود وصالح من الآيات الخارقة للتخويف
والقضاء كما هي دلالة قولهم ﴿فإنا بما أرسلتم به كافرون﴾ وطلبوا تنزل الملائكة معهما
لفرط تكذيبهم بما وعدا به من العذاب.
ويعني حرف
الزخرف أن فرعون لم يؤمن بالآيات الخارقة التي أَرسل ربُّ العالمين بها موسى وسأله
آيات من نوع آخر كما في قوله ﴿فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة
مقترنين﴾ وإنما سأل فرعون تنزل الملائكة مع موسى لفرط تكذيبه بما يعدهم به موسى من
العذاب إن لم يؤمنوا وكذلك دلالة سؤال قوم نوح تنزل الملائكة في حرف الفلاح.
ولقد أهلك
اللهُ في الدنيا بالعذاب المستأصل المكذبين بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء.
ويوم كان
القرآن يتنزَّل سأل المكذبون الذين عاصروا نزول القرآن النبي الأمي صلى الله عليه
وسلم آيات خارقة كالذي أُرْسِلَ به الأولون.
وتضمن القرآن
سؤال المعاندين رسول الله وخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم لِيَأْتِيَهم بآية
خارقة معجزة ليصدقوه كما في المثاني:
ـ ﴿ويقول
الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه﴾ الرعد
ـ ﴿وقال
الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية﴾ البقرة
ـ ﴿وأقسموا
بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنُنَّ بها﴾ الأنعام
ـ ﴿فلما
جاءهم الحق من
عندنا قالوا لولا
أوتِيَ مثلَ ما أوتِيَ موسى﴾ القصص
ـ ﴿ بل
قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون﴾ الأنبياء
ـ ﴿وإذا
لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها﴾ الأعراف
ـ ﴿وقالوا
لولا يأتينا بآية من ربه﴾ طه
ـ ﴿وقالوا
لولا نُزّل عليه آية من ربه﴾ الأنعام
ـ ﴿وقالوا
لولا أنزل عليه آيات من ربه﴾ العنكبوت
ـ ﴿وقالوا
يا أيها الذي نُزِّل عليه الذكر إنك لمجنون لوما تأتينا بالملائكة إن كنت من
الصادقين﴾ الحجر
ـ
﴿وقالوا لولا أنزل عليه ملك﴾ الأنعام
ـ ﴿فلعلك
تاركٌ بعض ما يوحَى إليك وضائقٌ به صدرك أن يقولوا لولا أُنزل عليه كنز أو جاء معه
ملك﴾ هود
ـ ﴿وقالوا
ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أُنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا
أو يُلقَى إليه كنز أو تكونُ له جنة يأكل
منها﴾ الفرقان
ـ ﴿وإن
كان كبُر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغيَ نفقا في الأرض أو سُلَّما في السماء
فتأتيَهم بآية ﴾ الأنعام
ـ ﴿ولقد
صرفنا للناس في هـذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا وقالوا لن نؤمن
لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجّر الأنهار
خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا
أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيّك حتى تنزّل علينا كتابا
نقرؤه﴾ الإسراء
ـ ﴿وقال
الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا﴾ الفرقان
ـ ﴿يسألك
أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء﴾ النساء
وقد أجاب
القرآن سؤال المكذِّبين الآيات حيث وقع بأربعة أجوبة:
أحدها:
تكليفهم بالاستماع للقرآن وبالاكتفاء بآيته الخارقة كما في قوله ﴿وإذا قرئ القرآن
فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون﴾ الأعراف، في جواب قوله ﴿وإذا لم تأتهم بآية
قالوا لولا اجْتَبَيْتَها﴾ الأعراف، وكما في قوله ﴿الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق
تلاوته أولئك يؤمنون به﴾ البقرة، في جواب قوله ﴿وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا
الله أو تأتينا آية﴾ البقرة، والمعنى فليقتدوا بهم أي ليتلوه حق تلاوته ليفقهوا
منه أن الآيات الخارقة التي سألوها هي من الغيب والوعد في القرآن المنزل من عند
الله.
وكما في
قوله ﴿أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم﴾ العنكبوت، في جواب قوله ﴿وقالوا
لولا أنزل عليه آيات من ربه﴾ العنكبوت.
ثانيها:
أن الآيات الخارقة من ربّنا هي من الغيب المنتظر أي لن يدركه الذين عاصروا خاتم
النبيين صلى الله عليه وسلم كما في قوله ﴿فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من
المنتظرين﴾ يونس، في جواب قوله ﴿ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه﴾ يونس، وكما في
قوله ﴿قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب﴾ الأنعام، وقوله ﴿وعنده
مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو﴾ الأنعام، في جواب قوله ﴿وقالوا لولا نُزّل عليه آية
من ربه﴾ الأنعام، وكما في قوله ﴿إنما أنت منذر ولكل قوم هاد الله يعلم ما تحمل كل
أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير
المتعال﴾ الرعد، في جواب قوله ﴿ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه﴾
الرعد، ويعني أن الآية الخارقة التي سألوها هي من الغيب يوم نزل القرآن.
ثالثها:
أن الآيات الخارقة للتخويف والقضاء إذا جاءت فسيقع في الذين جاءتهم القضاء بين
الفريقين وهو نجاة الذين يؤمنون بها وإهلاك المكذبين بها كما في المثاني:
ـ ﴿وما
منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها
وما نرسل بالآيات إلا تخويفا﴾ الإسراء
ـ ﴿وقالوا
لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا يُنظرون﴾ الأنعام
ـ ﴿وقالوا
يا أيها الذي نزّل عليه الذكر إنك لمجنون لوما تأتينا بالملائكة إن كنت من
الصادقين ما ننزّل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين﴾ الحجر
ـ ﴿وما
كان لرسول أن يأتيَ بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمرُ الله قُضِيَ بالحق وخسر
هنالك المبطلون﴾ غافر
ويعني أن
الآيات الخارقة للتخويف والقضاء يوم يُنْزِلُـها اللهُ فلن يقع تأخير القضاء بين
الفريقين إلى يوم القيامة وإنما سيُقضى بينهم في الدنيا بإهلاك المجرمين وهو خسارة
المبطلين وبنجاة المؤمنين.
ورابعها:
أن الآيات الخارقة للتخويف والقضاء هي وَعْدٌ وعَدَ اللهُ به في القرآن سيصبح
شهادة في آخر الأمة كما في التفصيل التالي:
لقد وعد
الله في القرآن هذه الأمة بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء كما في قوله:
ـ ﴿وما
تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين﴾ الأنعام ويـس
ـ ﴿قل
إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون﴾ الأنعام
ـ ﴿يوم
يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها
خيرا قل انتظروا إنا منتظرون﴾ الأنعام
ـ ﴿إن
الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يرَوُا العذابَ الأليم﴾
يونس
ـ ﴿ولئن
جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون كذلك يطبع الله على قلوب الذين
لا يعلمون فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون﴾ خاتمة الروم
وتعني هذه
المثاني أن الآيات الخارقة المعجزة للتخويف والقضاء ستأتي يوما وعدا من الله.
يتواصل
0 التعليقات:
إرسال تعليق