نظرةٌ ـ دون مرحلة
التأمل ـ إلى واقع البشرية اليوم ومنه حال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لا
تخطئ ما هم فيه من الذل والاستضعاف والقهر والتشرد والضياع، جرحٌ وقرحٌ يتكسَّبُ به
دعاة الترشيد وتمطيط فقه المقاصد إلى موالاة الطغاة حتى يتم القضاء على آخر من فرد
من الغلاة، مقالة تُفْضِي إلى انتشار الغلو والتكفير والتفجير، ويتكسَّبُ به بعدهم
معمَّموا الفروع وافتراض الأقضية والأحجية والنوازل ليتراءى للعامة أن المسلمين
بخير وعز وطمأنينة، وتتكسَّبُ به كذلك القطاعات الحكومية المشرفة على مسابقات حفظ
القرآن وتجويده لِتتمكنَ الجوائزُ السخية من وأْدِ ما في النفوس من استعدادٍ للبحث
فيه عن الرشد وعن التي هي أقوم.
وما يغني علم التجويد
ولا الفروع ولا فقه المقاصد عن الأسرى والمخطوفين في السجون ولا عن ملايين
المشردين والممزقين الجوعى العرايا من الروهنكا والسوريين والعراقيين ولا عن
المستضعفين حيث كانوا وكيف دانوا.
إن الدين عند الله وهو
الإسلام الذي جاء به النبيون والرسلُ لَينحصرُ في حماية الفطرة بالعبادة وحفظ كرامة
الإنسان بالتشريع، تلكما الكليتان تجاهلهما اجتهاد جميع الحركات والأحزاب
والتيارات المنتسبة إلى الإسلام سواء منها السلفي والصوفي والمفوضة والمتكلمة ، ولا
يزال جميع العاملين في حقول الدعوة إلى الإسلام هازلين مائعين مالم يعلن كل منهم
على حدة أو في حلف فضول جديد أنهم بتوجيه من القرآن العظيم ليسوا جزءا من الحكام
ولا من الطغاة كما ليسوا دعاة خروج بالغوغاء ولا بالسلاح على الطغاة ولا على
الحكام ولا على المجتمعات المغلوبة على أمرها كما لم يكن موسى جزءا من منظومة آل
فرعون ولم يخرج عليهم بالسلاح ولا بالغوغاء وإنما أعلن البراءة من تلك المنظومة
وأعلن كشفَ عَوارِها لتحرير موازين العامة من إسارها وزَيْفِها ولِيُجَنِّبَهم
مصير قومِ فرعون كما في قوله تعالى ﴿فاتَّبَعُوا أَمْرَ فرعون وما أَمْرُ فرعون
برشيدٍ يَقْدُمُ قومَه يوم القيامة فأوْرَدهم النار وبئس الوِرْد المورودُ﴾ هود، ومن
قبل موسى أعلن الرسول صالح تحذيرَه قومَه من طاعة المستكبرين فقال ﴿ولا تُطيعوا
أمر المسرفين الذين يُفسِدون في الأرض ولا يُصلِحون﴾ النمل، وكل من النموذجين
ذِكْرٌ من الأولين تنزل بعده في القرآن وَعْدًا في الآخرين كما في المثاني من
القرآن:
ـ ﴿ولا تُطِعْ مَن
أغْفَلنا قلبَه عن ذِكرنا واتَّبع هواه وكان أمْرُه فُرُطًا﴾ الكهف
ـ ﴿ولا تطع منهم ءاثِما
أو كَفورا﴾ الإنسان
ـ ﴿فلا تُطِع الكافرين
وجاهدْهم به جهادا كبيرا﴾ الفرقان
ـ ﴿وإن تُطِعْ أكثرَ مَن
في الأرض يُضِلُّوك عن سبيل الله﴾ الأنعام
ـ ﴿يا أيها النبيُّ
اتَّقِ اللهَ ولا تُطِعِ الكافرين والمنافقين﴾ الأحزاب
ـ ﴿ولا تُطِعِ الكافرين
والمنافقين ودعْ أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا﴾ الأحزاب
ـ ﴿وقالوا ربَّنا إنا
أطعنا سادتَنا وكبراءَنا فأضلّونا السبيلا﴾ الأحزاب
0 التعليقات:
إرسال تعليق