المنظرون في
القرآن
إن
الله لم يُـجِبْ دعاء إبليس إلى الإنظار كما في المثاني:
﴿قَالَ
رَبِّ فَأَنْظِرْنِـي إِلَـى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾
[الحجر 36] [ص ]
﴿قَالَ
أَنْظِرْنِـي إِلَـى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾
[الأعراف 14]
﴿لَئِنْ
أَخَّرْتَنِ إِلَـى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾
[الإسراء 62]
بل
كان إبليس كما في قوله ﴿وَكَانَ
مِنَ الْكَافِرِينَ﴾
[البقرة 34] [سورة ص 74] والله لا يُـجيب دعاء الكافرين أبدا كما في قوله ﴿وَمَا
دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِـي ضَلَالٍ﴾
[الرعد 14] [غافر 50].
وإنّـما
كان إبليس من من الْمُنظَرين كما في المثاني:
﴿قَالَ
فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَـى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾
[الحجر 37 ـ 38] [سورة ص 80 ـ 81]
﴿قَالَ
إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾
[الأعراف 15]
﴿قَالَ
اذْهَبْ﴾
[الإسراء 63]
أي
أُخِّرَ عنه الموت كما أُخِّر عن السّامري حين خاطبه موسى كما في قوله تعالى ﴿قَالَ
فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِـي الْـحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ
لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُـخْلَفَهُ﴾ [طـه 97].
وإبليس
من الْمُنظَرين إلى يوم الوقت المعلوم وهو في الدنيا قبل يوم الدِّين يوم القيامة
الذي طلب الإنظار أي تأخير موته إليه، ويوم يموت إبليس يومٌ سيصبح معلوما للناس
جميعا غير مجهول ألا ترى أنّ حرف الحجر وحرف سورة ص قد تضمنا قوله ﴿قَالَ
فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَـى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾
وتضمن حرف الأعراف ﴿قَالَ
إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾
ولم يقل بعده إلى يوم الوقت المعلوم إذ قال الله قبله قوله ﴿فَاخْرُجْ
إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾
[الأعراف 13] ولقد تضمن القرآن العظيم أنّ الصّاغرين هم المجرمون الذين لن يؤمنوا
بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء المنتظرة في آخر الأمة، فالذين سيتكبرون عنها هم
الموصوفون بقوله ﴿سَيُصِيبُ
الذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِـمَا كَانُوا يَـمْكُرُونَ﴾
[الأنعام 124] ولهذا الوعْد أجَل معلوم مُسَـمًّى بيّنتُهُ في "بيان سورة
الفجر".
وإن
السّامريّ من بني إسرائيل لشَرُّ اثنين نـجَيا من حادثة إغراق فرعون وجنوده، ولعل
بغْيَ قارون على قومه بني إسرائيل كان متأخرا عن فتنة السّامري الدجّال الأعورِ التي
ابتُلِيَ بها قومُه بنو إسرائيل.
وإن
السّامري الدّجّال لَـمِن المنظرين كما هي دلالة قوله ﴿قَالَ
فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِـي الْـحَيَاةِ أَنْ
تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُـخْلَفَهُ﴾ [طـه 97]
من قول موسى ومَن أعلمُ من موسى ـ الذي كلَّمه ربه وآتاه التوراة ـ بخبر السّامريِّ؟
ويعني قول موسى: أن السامري مُنظرٌ لن يموت في عهده وإلا لقتله موسى بيده ولا يخفى
أن موسى أمر بقتل عبدة العجل كما في قوله ﴿وَإِذْ
قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّـخَاذِكُمُ
الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَـى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوُا أَنْفُسَكُمْ﴾
[البقرة 54].
وقوله
﴿قَالَ
فَاذْهَبْ﴾ [طـه 97]
في خطاب السامري من المثاني مع قوله ﴿قَالَ
اذْهَبْ﴾
[الإسراء 63] في خطاب إبليس لدلالة كل منهما على الإنظار وهو التأخير لكل منهما.
وقوله
﴿فَإِنَّ لَكَ فِـي الْـحَيَاةِ﴾
يعني أن إنظاره إلى آخر الحياة وهي أعم من حياة السّامريّ لو لم يكن من الْمُنظَرين
وكما في الحديث الصحيح "إن يكن هو فلن تُسَلَّطَ عليه" قاله النبيّ صلّى
اللهُ عليه وسلمَ لعُمر رضي الله عنهُ لما أراد قتل ابن صياد ظنا منه أنه هو الدجّال.
وقوله
﴿أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ﴾
دليل على أنه يُسجن في حيث لا يَـمَسُّه أحدٌ ولا يَـمَسُّ هو أحدا في سِجنه ذلك
كما في الأحاديث النبوية.
وقوله
﴿وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ
تُـخْلَفَهُ﴾ دليل آخر على الإنظار وأن موعده
متأخر عن موسى وإلا لقتله موسى، وموعدُه هو خروجه في آخر هذه الأمة ليعيث فيها
فسادا أربعين يوما ثم ينزل الله عيسى ابن مريم فيقتله بباب لُدٍّ كما أخبر خاتَم
النبيين صلّى اللهُ عليه وسلمَ في بيان موعد لن يُخلَفَه السّامريّ الدجال الأعور بعد
خروجه من سجنه، والعجيب أن النبي صلى الله عليه وسلمَ لم ينكر حياة الدجال لما أُخبرَ
عن ابن صيّاد في المدينة وإنما ذهب ليراه ولو لم يكن الدجال حيا آنذاك لأخبرهم أنه
لم يولَدْ بعدُ.
إن
فتنة السّامريّ الدجال في قوم موسى بعده قبل رجوعه بالتوراة ستتكرر ولم تنقض برجوع
موسى وذلك قول موسى ﴿إِنْ
هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ﴾
[الأعراف 155] أي بعد أن أخذتِ الرجفة سبعين رجلا من خيار قوم موسى معتذرين عن
عبادة قومهم العجلَ وكان ذلك بعد قول موسى ﴿قَالَ
فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِـي الْـحَيَاةِ أَنْ
تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُـخْلَفَهُ﴾ [طـه 97] ولو
كانت فتنة السّامريّ قد انقضت بذلك لما قال موسى بعد أن أخذت الرجفة قومه مناجيا
ربه قوله ﴿إِنْ
هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ﴾
[الأعراف 155] بصيغة الاستقبال في ﴿تُضِلُّ
﴾
و ﴿وتَهدِي﴾
ولقال بدله أضللتَ بها من شئت وهديتَ مَن شِئتَ أي ممن لم يُفتَتَنْ بالسامريّ
والعجل.
وستتكرر
فتنة السّامريِّ الدجال كما هو مدلول قوله ﴿وَإِنْ
يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا﴾
[الأعراف 146] وهو مما تلقّاه موسى من كلام ربِّه بعد أن آتاه التوراة بعد أربعين
ليلة بينتْها المثاني في حرف البقرة والأعراف، والعجيب حقا أن موسى لما أخذَ
التوراة مكتوبةً قال الله له كلاما هو من نبوّة موسى المتأخرة كثيرا إذ لا تزال
غيبا حتى يومِنا هذا وذلك قوله ﴿سَأُورِيكُمْ
دَارَ الْفَاسِقِينَ سَأَصْرِفُ عَنْ ءَايَاتِـيَ الذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِـي الْأَرْضِ
بِغَيْرِ الْـحَقِّ وَإِنْ يرَوْا كُلَّ ءَايَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يرَوْا
سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ
سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾
[الأعراف 146] وجميعه من نبوة موسى التي تضمنها القرآن للتذكير بها كما في قوله ﴿وَلَقَدْ
وَصَّلْنَا لَـهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾
[القصص 51] وهي منتظرة لأن قوله ﴿سَأُورِيكُمْ
دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾
يقع على الذين سينكرون سبيل الرُّشْد يومَ يُصبح شهادة فيكفرون به ولا يتّبعوه،
وإنما يتبعون سبيل الغيّ مع السامري الدجال.
إن
الآيات الخارقة للتخويف والقضاء الموعودة في القرآن كما في قوله تعالى ﴿وَيَقُولُونَ
لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلِ إِنَّـمَا الْغَيْبُ للهِ
فَانْتَظِرُوا إِنِّـي مَعَكُم مِّنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾
[يونس 20] هي سبيلُ الرُّشْد الذي نبّأ اللهُ موسى أن سيصرف عنها الذين يتكبرون في
الأرض بغير الحق وهم الذين سيرون كل آية خارقة للتخويف والقضاء فلا يتخذونها
سبيلا.
وإنما
سيتخذون سبيل الغيِّ وهو سبيل السامري الدجال الذي سيخرج بعد ظهور الآيات الخارقة
المنتظرة.
وكان
من تفصيل الكتاب أن قصّ الله بعد نبوة موسى في سورة الأعراف خبر السامري الدجال
ابتداء من قوله ﴿وَاتَّـخَذَ
قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ﴾
[الأعراف 148] على نسق تفصيل الكتاب في ذكر الموعود المتأخر قبل القريب وهو أن
موسى بعد أن آتاه الله التوراة ونبّأه سيجد قومه قد أضلهم السامري بالعجل.
وتضمنت
سورةُ طـه قصةَ السامري باسمه في آيةٍ متلوّةٍ جمعت بين حرفَيِ النُّبُوَّةِ
والذِّكر في قوله ﴿كَذَلِكَ
نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ ءَاتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا
ذِكْرًا﴾
[طـه 99].
وإن
السامري من بني إسرائيل الذي فتن قومَ موسى بالعجل هو الدجال الأعور كما هو دلالة
قوله ﴿قَالَ بَصُرْتُ
بِـمَا لَـمْ يَبْصُرُوا بِهِ﴾
[طـه 96] وهو الغَمْزُ في الذين يتمتعون بعينين سالمتين ولم يبصُرُوا الْمَلَكَ
الرَّسُول.
وإن
قوله ﴿وَكَذَلِكَ
سَوَّلَتْ لِـي نَفْسِي﴾
[طـه 96] من قول السامري هو من المثاني مع قوله ﴿وَاتَّبَعَ
هَوَاهُ﴾
[الأعراف 176] إذ هو نفسه الدجال الأعور الـمُنظَر ولا يعني وصفُه بقوله ﴿وَاتْلُ
عَلَيْهِمْ نَبَأَ الذِي ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾
[الأعراف 176] أنه كان من المكرمين كالرسل والنبيين إذ وصف الله ثمود بمثل ذلك في
قوله ﴿وَءَاتَيْنَا
ثَـمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا﴾
[الإسراء 59] أي أن آية خارقة قد جاءهم بها رسولهم صالح وكذلك رأى السامري آية
خارقة مع موسى.
والعجيب
أن النبي صلى الله عليه وسلمَ قد اعتبر السامريّ الدجال أكبر فتنة من جميع الفتن
ما بين خلق آدم والساعة وكذلك قال الله ﴿فَأَتْبَعَهُ
الشَّيْطَانُ﴾
[الأعراف 176] يعني أن السامري أصبح سيد إبليس ومتبوعه لأن السامري سيدعي أنه إلـــــــهُ
الناس إذ غضِب من قبلُ أن حرَّق موسى عِجلَه ومعبودَه وسيدّعي لنفسه ما ادّعاه من
قبل للعجل وقصُر إبليسُ عن ادعاء الإلـهيَّة والربوبية.
إن
قوله ﴿وَاسْتَفْزِزْ
مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِـخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ
وَشَارِكْهُمْ فِـي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ﴾
[الإسراء ] لمنتظر وسيتم إيقاعه يوم يخرج الدجال فيتبعه الشيطان كما في قوله ﴿فَأَتْبَعَهُ
الشَّيْطَانُ﴾
[الأعراف 176] يعني أن الشيطان إبليسَ سيُسَخِّر لمتبوعه السامري الدجال خيَله
ورجلَه فيمخرق على الناس فيتبعونه بخوارقه وخوارق الشيطان معه.
إن
من المثاني قوله:
﴿وَنَزَّلْنَا
عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ
إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَـى وَيَنْهَى
عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾
[النحل 89 ـ 90]
﴿قُلْ
إِنَّ اللهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ﴾
[الأعراف 28]
ويعني
حرف النحل أن من تبيان الكتاب لكل شيء أن الدجال سيزعم للناس أنه هو الله ويأمرهم
بالفحشاء والمنكر والبغي وقد تضمن تفصيل الكتاب المنزل أن الله يأمر بالعدل
والإحسان وإيتاء ذي القربى خلاف ما سيأمر به الدجال وأن الله وعظ بهذا البيان لعل
الناس يتذكرونه إذا جاءهم الدجال وزعم أنه هو اللهُ ـ سبحان الله وتعالى ـ
ليتذكروا بمنهاجه أنه دجال شيطان وليعلموا بحرف الأعراف بعد حياة النبي صلى الله
عليه وسلمَ كما هو مدلول القول أن الدجال الذي يأمر بالفحشاء ليس هو الله وقد أمر
الله المسلمين يومئذ بقوله ﴿وَأَوْفُوا
بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْـمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا
وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ
وَلَا تَكُونُوا كَالتِـي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا﴾
[النحل 91 ـ 92] أي ليثبتوا على الإيمان ولا يفتتنوا بالدجال ومخارقه مهما كان له
هو وأتباعه من الحظِّ في وعد الله ﴿أَنْ
تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَـى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّـمَا يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ﴾
[النحل 92].
وإن
عيسى وأمَّه مريم من المنظرين
يتواصل
من
موسوعتي للتفسير وأصوله
قسم
معاني المثاني مادة "أَنظَر"
الحسن
مـحمد ماديك
باحث
في تأصيل القراءات والتفسير وفقه المرحلة
0 التعليقات:
إرسال تعليق