قال مكي بن أبي طالب في التبصرة:
"اعلم أن معنى الإدغام هو أن يلتقي حرفان متقاربان أو مثلان فتدغم الأول في
الثاني وتردهما بلفظ حرف واحد مشدد ولا يقع الإدغام البتة حتى يصيرا مثلين ويسكن
الأول فإذا كانا غير مثلين أبدلت من الأول حرفا مثل الثاني ثم تدغم فتكون بذلك قد
أدغمت مثلين" اهـ بلفظه في باب اختلافهم في الإظهار والإدغام .
قال الداني في جامع البيان:
"فأدغم الحرف الأول في الحرف الثاني الذي يليه من الحرفين المتماثلين في
اللفظ والحرفين المتقاربين في المخرج إذا كانا في كلمتين وتحركا معا فيسكن الأول
من المثلين ويدغمه في الثاني ويسكن الأول من المتقاربين ويقلبه إلى لفظ الثاني
ويدغمه فيصيران في اللفظ حرفا واحدا مشددا ... اهـ محل الغرض منه في أول باب ذكر
مذهب أبي عمرو في الإدغام .
قال في النشر 1/ 179 ـ 280: "فإن
كانا مثلين أسكن الأول وأدغم وإن كانا غير مثلين قلب كالثاني وأسكن ثم أدغم وارتفع
اللسان عنهما دفعة واحدة من غير وقف على الأول ولا فصل بحركة ولا روم، وليس بإدخال
حرف في حرف كما ذهب إليه بعضهم بل الصحيح أن الحرفين ملفوظ بهما طلبا للتخفيف
" اهـ محل الغرض منه
قلت: ولن أتمكن من بيان أكثر من تفصيل
المحقق ابن الجزري رحمه الله وهو يقول: وليس بإدخال حرف في حرف كما ذهب إليه بعضهم
بل الصحيح أن الحرفين ملفوظ بهما" اهـ
ويعني أن الإدغام المحض لا يصح إلا في
المثلين، أما المتقاربان والمتجانسان فلا يصح الإدغام فيهما إلا بعد تجاوز مرحلتي
قلب الأول ثم إسكانه ليتأتى في المرحلة الثالثة: اللفظ بالثاني مشددا وهو الإدغام.
وكذلك دلالة اتفاق كل من ابن الجزري
المتوفى 833 هـ ومكي بن أبي طالب المتوفى 437 هـ إذ اتفقا على حظر إدغام غير
المثلين قبل إسكان الأول وقلبه كالثاني كما هو صريح إثباتهما حرف [ثم] دلالة على
الترتيب.
وكذلك وافقهما الداني المتوفى 444 هـ
في جامع البيان حين قال: "ويسكن الأول من المتقاربين ويقلبه إلى لفظ الثاني
ويدغمه فيصيران في اللفظ حرفا واحدا مشددا" اهـ معتدا بالمرحلتين قبل الإدغام:
مرحلة إسكان الأول ومرحلة القلب.
ولا يخفى أن القيمة العلمية للتبصرة
أكبر من التي لجامع البيان ومن التي للنشر لعدة اعتبارات منها: أن المحقق ابن
الجزري قد اعتمد التبصرة أصلا من أصول النشر ومنه : أن مكيا سبق ابن الجزري بأربعة
قرون أي هو أقرب إلى الأداء الأول وأعلى سندا.
لأجل ذلك احتججت بترتيب مكي في التبصرة
حين بدأ بقلب الأول ثم ثنى بتسكينه، ولا أجد بينه وبين كل من الداني وابن الجزري
كثير خلاف لاتفاقهم على تأخر النطق بالإدغام بعد القلب وبعد الإسكان .
ولقد دريْتُ ما روَيْتُ من شيخي صدّاف
بن محمد البشير المسومي رحمه الله حين أخذ عليّ وأنا أقرأ عليه ختمة للسوسي في
(1410هـ) بالإدغام الكبير أن أفرق بين إدغام المتماثلين نحو "الشوكة
تكون" وبين غير المتماثلين نحو "لبعض شانهم" ونحو "الصيد
تناله" قال: "لا بدّ أن يقرع اللسان مخرج الحرف المدغم دون اللفظ به قبل
اللفظ بالحرف المدغم فيه مشددا" اهـ ولا يخفى حُسْنُه واتفاقه مع النصوص
المتقدمة عن ابن الجزري القاضية بأن الحرفين ملفوظ بهما جميعا وعن كل من ابن
الجزري والداني ومكي القاضية بتفاوت عملية إدغام المتقاربين والمتجانسين.
ولا يخفى اتفاق الأداء الذي تلقيته من
شيخي صدّاف رحمه الله مع ما قرره ابن الجزري حين قال: "وإن كانا غير مثلين
قلب كالثاني وأسكن ثم أدغم وارتفع اللسان عنهما دفعة واحدة من غير وقف على الأول"
اهـ لدلالته على ما أعلنته من ضرورة أن يقرع اللسان مخرج الحرف المتقارب والمتجانس
المدغم دون النطق به قبل اللفظ بالثاني مشددا وكما هي دلالة قوله في الطيبة
"والحرف بالصفة إن يدغم سقط" اهـ احترازا من إسقاط مخرج الحرف المدغم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق