بيان قوله ﴿كتابا متشابها مثاني
ولعل مادة المثاني في الكتاب المنزل تعني إعجازا ظاهرا في القرآن العظيم لتضمنه ذكرا من الأولين ووعدا في الآخرين كما في قوله تعالى ﴿أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمّر الله عليهم وللكافرين أمثالها﴾ القتال، ويعني أن قوله تعالى ﴿دمّر الله عليهم﴾ هو ذكر من الأولين، وأن قوله تعالى ﴿وللكافرين أمثالها﴾ هي وعد في الآخرين نبّأ الله به النبي الأميّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا يزال الوعد به من الغيب في القرآن الذي كلِّفنا الإيمان به.
وتقع دلالة المثاني في القرآن على الأحرف السبعة التي أنزل عليها كما يأتي تفصيلها قريبا.
وتقع دلالة المثاني في الكتاب كما في قوله ﴿الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني الزمر، على إيراد المعاني والدلالات بأوجه وصيغ متعددة كما في قوله ﴿وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا﴾ الأنعام، ومن المثاني معه قوله ﴿ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم﴾ الأعراف.
وكما في قوله ﴿وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة الزمر، ومن المثاني معه قوله ﴿إلـهكم إلـه واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرةالنحل، ويعني أن قلوب المشركين تشمئز من الإيمان بالله وحده أي تنكره.
وكما في قوله ﴿قال لن تراني الأعراف، ومن المثاني معه قوله ﴿لا تدركه الأبصارالأنعام، ويعني أن موسى لم ير ربه وكذلك لم يره أحد ولن يراه في الدنيا إذ لا تدركه الأبصار أما في الآخرة فيراه المكرمون من الناس كما في قوله ﴿وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرةالقيامة، ومن المثاني معه قوله ﴿كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبونالمطففين، ويعني المعتدين الآثمين أما غيرهم فغير محجوبين عن ربهم بل يرونه.
وكما في قوله ﴿ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم المجادلة، ومن المثاني معه قوله ﴿ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطاالنساء، وقوله ﴿ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب التوبة، ويعني أن الله على كل شيء ومنه النجوى شهيد لم يغب عنه شيء في الأرض ولا في السماء وأنه علام الغيوب ولا تخفى عليه خافية.
وكما في قوله ﴿فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب الأعراف، ومن المثاني معه قوله ﴿فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوصهود، وقوله ﴿فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثونالأعراف، ويعني أن المكذبين لن يعجل لهم العذاب قبل أن يستوفوا نصيبهم من المتاع والرزق والحياة كما كتب لهم في اللوح المحفوظ فلا ينقصون منه شيئا.
وكما في قوله ﴿واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبهالأنفال، ومن المثاني معه قوله ﴿ونحن أقرب إليه من حبل الوريدسورة ق، ويعني أن القلب هو محل الإرادة ويرسلها عبر حبل الوريد، والله أقرب إلى الإنسان منهما أي يحول بينه وبين التوبة إذا جاء الموت فهلا بادروا بها قبل الأجل.
وكما في قوله ﴿لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش الأعراف، ومن المثاني معه قوله ﴿لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظللالزمر، وقوله ﴿يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم العنكبوت.
وكما في قوله ﴿وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير الشورى، ومن المثاني معه قوله ﴿أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هـذا قل هو من عند أنفسكم آل عمران، ويعني أن المؤمنين قد أصابوا من المعصية مثلي ما أصابهم من القتل والقرح في غزوة أحد.
وكما في قوله ﴿الرجال قوامون على النساء النساء، ومن المثاني معه قوله ﴿وألفيا سيدها لدى الباب يوسف، ويعني أن الزوج هو القائم على شؤون امرأته المسؤول عنها أي هو سيدها. 
وكما في قوله ﴿قال فرعون وما رب العالمين الشعراء، ومن المثاني معه قوله ﴿وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمان قالوا وما الرحمانالفرقان، ويعني أن العبد إذا نسي ربه سيقع منه حتما نسيان نفسه وهكذا يطغى ويتجاوز حده وينكر خالقه.
وكما في قوله ﴿يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا خاتمة النبإ، ومن المثاني معه قوله ﴿يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا النساء، ويعني أن الكافر في يوم القيامة حين تعرض عليه أعماله يتمنى أن يكون ترابا أي تسوى به الأرض ليفلت من الحساب والعقاب بالعذاب.
وكما في قوله ﴿هل أتاك حديث الغاشية وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حاميةومن المثاني معه قوله ﴿وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلماطـه، ويعني أن وجوها ستنصب وهو عنتها لله الحي القيوم يوم يقوم الناس لرب العالمين فتعاني وجوه من التعب والمشقة والخشوع ما لا ينفعها بل ستخيب بما حملت من الظلم وستصلى بعده نارا حامية.
وكما في قوله ﴿هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ومن المثاني معه قوله ﴿أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا مريم، وقوله ﴿وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا مريم.
وكما في قوله ﴿ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدمالأعراف، ومن المثاني معه قوله ﴿كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحييناكم ثم يميتكم ثم يحييكم البقرة، ويعني أن جميع بني آدم قد خلقوا وصوروا قبل أمر الملائكة بالسجود لآدم وماتوا جميعا فكان كل منهم ميتا إلى أن يحيى في بطن أمه.
وكما في قوله ﴿يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهونالأنفال، ومن المثاني معه قوله ﴿لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون الحشر، ويعني أن جمع الكفار والمنافقين والمشركين وكثرتهم أضعَفَها رهبتُهم من الذين آمنوا فكان الرجل من المؤمنين بمثليه أو أكثر في القتال في سبيل الله، ويعني وصفهم بأنهم قوم لا يفقهون في الحرفين أنهم لا يفقهون أن الله أحق أن يرهب منه وأن يخاف من عذابه وعقابه.
وكما في قوله ﴿كذلك كدنا ليوسفيوسف، ومن المثاني معه قوله ﴿لا يستطيعون حيلةالنساء، ويعني صحة الحديث النبوي أن الله يلوم على العجز ومنه ترك الحيلة الموصلة إلى الغاية الشرعية. 
وكما في قوله ﴿أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور إن ربهم بهم يومئذ لخبير خاتمة العاديات، ومن المثاني معه قوله ﴿وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدورغافر، وقوله ﴿ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب التوبة، ويعني أن الظالمين في يوم القيامة سيعلمون رأي العين أن الله كان يعلم ما تخفي صدورهم في الدنيا إذ حُصِّل ما فيها من الكِبْر والغل والحسد وسوء القصد وحوسبوا عليه، ويعني حرف التوبة أن المنافقين كانوا قد أسروا في قلوبهم أن لا يصدقوا وأن لا يكونوا من الصالحين خلاف ما قالوه بألسنتهم وهو النفاق في قلوبهم الذي سيبعثون عليه ويحصل من قلوبهم فيحاسبون عليه.
وكما في قوله ﴿لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه القيامة، ومن المثاني معه قوله ﴿ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيهطـه.
وكما في قوله ﴿وقل رب زدني علما طـه، ومن المثاني معه قوله ﴿واذكر ربك إذا نسيت الكهف، يعني ادع ربك أن يزيدك علما كما هو مفصل في حرف طـه.
وكما في قوله ﴿قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذن لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتوراالإسراء، ومن المثاني معه قوله ﴿أم لهم نصيب من الملك فإذن لا يؤتون الناس نقيرا النساء، ويعني أن الإنسان القتور لو كان يملك خزائن رحمة ربنا لأمسكها عن الناس ولم يؤتهم منها نقيرا وإذن لما أوتي النبيون والرسل منها ما آتاهم ربهم من خزائن رحمته.
وكما في قوله ﴿رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد هود، ومن المثاني معه قوله ﴿فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه النساء، ويعني أن قد آتى الله آل إبراهيم من الكتاب والحكمة والملك العظيم ولا يختص به آل إسرائيل وحدهم بل شاركهم فيه آل إسماعيل فرحمة الله وبركاته على أهل البيت كلهم والكتاب والحكمة والملك العظيم أوتيه آل إبرهيم كلهم فلماذا حسد اليهود الذين عاصروا نزول القرآن بني إسماعيل أن بعث منهم النبي الأمي صلى الله عليه وسلم وبينته في مادة الصلاة في المعجم.
تفسير دلالة السبع من المثاني: الأحرف السبعة
ويحتاج اليوم أئمة القراءات المعاصرين إلى نصيب من التحقيق والمراجعات لما أطبقت عليه الأمة منذ القرون الأولى للتدوين على حصر مدلول الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن بتعدد الأداء والأوجه التي يقرأ بها القرآن، ولم يرَوْا رأْيا أو يذهبوا مذهبا في التأويل والبيان أبعد من ذلك.
ولو أن باحثا منصفا تجرد للبحث لأدرك بادئ الأمر كلية أوضح من فلق الصبح، ولأبصروها وتبيّنوها أكثر من الشمس في كبد السماء الصحو.
تلكم الكلية تتلخص في أن الحقيقة أي حقيقة هي ثابتة لا تزيد بإقرار الناس ولا تنقص بإنكارهم.
ولعلنا معشر المسلمين نتفق على شهادتنا ـ أن لا إلـه إلا الله وأن محمدا رسول الله بالقرآن وبما معه من الحديث النبوي ـ إلى الناس جميعا، وأنها حقيقة ثابتة لم تنقص بنكران المنكرين ولم يزدها ثبوتا إقرارهم، وهكذا كانت الشهادة أن لا إله إلا الله وأن إبراهيم رسول الله، حقيقة ثابتة لم تنقص قبل إسلام لوط، ولم تنقص الشهادة أن لا إله إلا الله قبل أن يعلنها نوح وحده رغم إنكار أهل الأرض كلهم.
لقد حدّث النبي الأمي صلى الله عليه وسلم بأحاديث صريحة في إنزال القرآن على سبعة أحرف.
ولكم جهِل المعاصرون أنبياءهم ورسلهم بعض كلامهم وهكذا لم يفهم قوم شعيب قوله ﴿واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه﴾ هود، وخوطبت بها هذه الأمة كما في قوله ﴿وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه﴾ هود.
وفي الحديث النبوي كما في مستدرك الحاكم كتاب العلم الحديث رقم  296... عن محمد بن جبير بن مطعم:  سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو بالخيف من منى: رحم الله عبداً سمع مقالتي فوعاها ثم أدّاها إلى من لم يسمعها، فرب حامل فقه لا فقه له ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغَلّ عليهن قلب المؤمن: إخلاص العمل، و مناصحة ذوي الأمر، ولزوم الجماعة فإن دعوتهم تكون من ورائهم .
وفي الباب عن جماعة من الصحابة منهم: عمر وعثمان وعليّ وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وأنس رضي الله عنهم وغيرهم عدة وحديث النعمان بن بشير من شرط الصحيح.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم "ألا ليبلغ الشاهد الغائب فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه " وهو مكرر في صحيح البخاري وفي مسلم وسنن ابن ماجه والدارمي وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم ومسند أحمد وأبي يعلى الموصلي وسنن البيهقي الكبرى وشعب الإيمان كما اقتبست هذا التخريج من الشبكة الإسلامية.
ورحم الله الصحابة العدول فلقد بلّغوا عن النبي ما سمعوه منه، ولم يتأولوا ما تأوله المتأخرون عنهم قرونا من مصنفي طرق رواة القراءات لتفسير دلالة الأحرف السبعة.
ولقد نبّأ الله النبيّ الأمي صلى الله عليه وسلم  بالقرآن ومنه قوله تعالى ﴿إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا﴾ المزمل، وللباحثين المتجردين أن يتصوروا كم هو القرآن أثقل وأثقل علينا نحن عامة الأمة إذ لم يتنزل على قلب أحد منا، وإنما نزّل الله القرآن على قلب نبيه صلى الله عليه وسلم.
وتصور المسلمون القرآن بسيطا لا يحتاج إلى إعمال الفكر لفهمه وتدبره والاهتداء به والعمل به وحسبوه خفيفا لا يحتاج إلى حمل فلم يحملوه واتخذوه مهجورا.
ووا حيرتي في أمة لم تستنبط ـ عبر أربعة عشر قرنا من تلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النهار ـ حرفا واحدا ولا حرفين من الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن، فما شغلها عن تدبر القرآن الميسر للذكر إلا أقفال على قلوبها، أقفال من المتون وافتراض الأقضية والألغاز في ما يسمونه بفقه المعاملات، وأقفال من التقليد حال بينهم وبين الطاعة باستعمال السمع والبصر والعقل في تدبر القرآن.
إن الله وصف القرآن بالقول الثقيل الملقى على النبي الأمي صلى الله عليه وسلم  في سياق مخاطبته وتكليفه: أن يتجافى عن المضاجع يقوم الليل ليقرأ القرآن في صلاته قياما ثقيلا طويلا يمتدّ إلى أدنى من ثلثي الليل مرة وإلى نصف الليل مرة وإلى ثلثه مرة، قياما ينشئه بعد نوم ولتتمكن طائفة من الذين معه من تدبر القرآن والاهتداء به إلى الرشد وإلى التي هي أقوم.
هكذا صرف النبي الأمي صلى الله عليه وسلم  الصحابة عن الانشغال بتعدد الأداء المنزل إلى الغاية القصوى التي لأجلها أنزل القرآن وهي تدبره الذي يهديهم إلى استنباط الأحرف أي المعاني السبعة التي أنزل عليها القرآن، وليقرأنّ بحرف منها على الأقل من قرأ ما تيسّر من القرآن.
وعلِم اللهُ علامُ الغيوب أن الأمّة لن تحصي معاني القرآن كما في قوله تعالى ﴿علم أن لن تحصوه﴾ يعني القرآن علم الله علام الغيوب أن لن تحصي الأمة كلها من أولها إلى آخرها معانيه ودلالاته رغم تكليفها بتدبر القرآن فكان تقصيرهم ذنبا تاب الله على الأمة منه وكلفهم بقراءة ما تيسر منه القرآن وعذرهم الله بسبب قصورهم عن إحصاء معاني القرآن إذ علم أن سيكون منهم مرضى عاجزون عن قيام الليل والتفرغ لتلاوة القرآن وتدبره وأن سيكون منهم من يضربون في الأرض يبتغون من رزق الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله، وأنّى للثلاثة أن يتمكنوا من قيام الليل قياما ثقيلا لتدبر القول الثقيل، ولكأن الأمة كلها عبر التاريخ لو امتثلت قيام الليل وتدبر القرآن لكانت أقرب إلى أن تحصي معانيه ودلالاته وتاب الله عليهم لأن منهم أصحاب الأعذار المعدودين في سورة المزمل.
إن في القرآن معاني وموعودات وغيبا آمن به جملة من شهد أن لا إلـه إلا الله وأن محمدا رسول الله أي أرسله بالقرآن إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا.
إن القرآن العظيم ليعظم أمام كل باحث قرأ القرآن وتدبره وتدارسه، أي لا يستطيع أحد من الأمة كلها أن يفرغ من استيعاب معانيه ودلالاته وما يهدي إليه من الرشد والتي هي أقوم.
وهيهات أن تستكمل الأمة كلها معانيه ودلالاته وهو القول الثقيل المنزل على قلب النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، ولهو إذن قول أثقل على الأمة جميعها إذ لم ينزل على قلب أحد منها بل هو كما في قوله ﴿بل هو آيات بيّنات في صدور الذين أوتوا العلم﴾ العنكبوت، أي أنه تجاوز آذانهم وأسماعهم ودخل في صدور الذين أوتوا العلم وهم الصحابة الأبرار الأخيار ولكن لم يبلغوا درجة علم النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، ولا يختلف منصف أن الصحابة الأبرار الأخيار كأبي بكر وعمر وسائر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار هم الذين أوتوا العلم كما هي دلالة قوله ﴿ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا﴾ القتال، يعني أن المنافقين الذين كانوا يستمعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن لم يفقهوا منه هدى ولا رشدا فكانوا يسألون الذين أوتوا العلم بالتجهيل وهم الصحابة الكرام عن معاني ودلالات القرآن.
إنني شديد العجب من الذين يشتغلون بحفظ المتون وتدارسها وهم لم يفرغوا من تدارس القرآن ولم يفقهوا بعد أن الله دعا إلى المسارعة إلى الخيرات مسابقة معلنة في القرآن أن الله سيؤتى من يسبق في هذه المسابقة مغفرة منه وفضلا وهو واسع عليم.
إن الأمّة الأمّيّة في حديث إنزال الأحرف السبعة وهي التي لم تتدارس كتابا منزلا من قبلُ لبعيدة عن أن تحصي ما في القول الثقيل من المعاني والدلالات وهكذا أشفق النبي الأمي الرحيم بالمؤمنين من عجز الشيخ والعجوز والغلام والجارية والرجل الأمي الذي لم يقرأ كتابا قط عن دراية الغيب والوعد في القرآن، فأخبره الملك جبريل أن القرآن أنزل على سبعة أحرف أي على سبعة معان أو أوجه فمن لم يفقه أحد المعاني قد يفقه معنى آخر وهكذا إلى سبعة أوجه، وليقرأن بواحد منها من قرأ ما تيسر له من القرآن.
ولعل الباحثين يلحظون معي اتفاق روايات الحديث على كلمة القرآن وأنه المنزل على سبعة أحرف إذ لم ترد رواية واحدة تفيد بإنزال الكتاب على سبعة أحرف.
إن إدراك الأحرف السبعة وتبينها في كل موعود من موعودات القرآن في الدنيا هو الغاية التي من أجلها كلفت الأمة كلها بتدبر القرآن والتفكر فيه.
ولعل الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن هي:
1.    النبوة
2.    ضرب الأمثال
3.    القول والكلمة
4.    الذكر
5.    الغيب في القرآن ومنه الأمر بالإيمان والأمر بالعلم وإسناد العلم إلى الله
6.    الوعد في الدنيا ومنه الأسماء الحسنى والدعاء بها ومنه الدعاء في القرآن دون الكتاب
7.    إعلان الجزاء في الآخرة
فإن لم تكن هـذه مجتمعة هي الأحرف السبعة بذاتها فلقد اجتهدت ونحوتُ نحوها نحوًا والعلم عند الله، وليجدن من تدبر القرآن أن كل موعود في القرآن ـ وهو كل حادثة ستقع في الدنيا قبل انقضائها ـ قد تضمنها كل حرف من هـذه الأحرف السبعة، وتضمن كل حرف منها ما شاء الله من المثاني، وتضمنت كل واحدة من المثاني ذكرا من الأولين ووعدا في الآخرين، فمتى يعقل أولوا الألباب أن القرآن قول فصل وما هو بالهزل وأن رب العالمين قد فصله على علم، وأن الأمة لا تزال أمية لم تتدارسه بعد.
ولقد نحا الأولون قريبا مما فهمتُ لكنهم لم يستطيعوا التفرقة بين الكتاب والقرآن ولا بين أحكام الكتاب كالحلال والحرام والعام والخاص والمجمل والمبيّن وبين خصائص القرآن كالأمثال والوعد في الدنيا والخبر بمعنى القصص.

ولقد تمكنت بفضل الله من إثبات كل موعود في القرآن بهذه الأحرف السبعة التي تضمن كل واحد منها ما شاء الله من المثاني.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Top