تأصيل جديد للفقه من الكتاب المنزل
والهدْي النبوي
توطئة
:
بسم الله الرحمان
الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد:
فقد اقتصرت المدارس
الأصولية عبر التاريخ الإسلامي على مدرستين أو ثلاث هي:
1.
مدرسة الأحناف وتسمى مدرسة الفقهاء وطريقتهم
هي بناء القاعدة على أساس فتاوي أئمتهم، وتتعدد أوجه القاعدة الأصولية تبعا لتعدد
آراء فقهائهم الفروعيين.
2.
طريقة الشافعية وتسمى مدرسة المتكلمين لأن
أغلب المتكلمين كانوا ولا يزالون ينتهجونها، وعلى رأس هؤلاء المتكلمين الخوارج
والأشاعرة والمعتزلة وغيرهم من فرق المتكلمين.
ويتبع هذه المدرسة المالكية والشافعية والحنابلة من
طوائف السنة والزيدية الأقرب إلى السنة والإمامية من الشيعة والإباضية من الخوارج
وإلى حد ما الظاهرية لولا رفضهم القياس.
3.
المدرسة التوفيقية التي يعدّ منها ابن حجر
غير أنها في الحقيقة من مدرسة المتكلمين.
وكان التأصيل المعلوم
في مدرسة المتكلمين بتقسيم خطاب التكليف بالأمر والنهي والإباحة إلى خمسة
أقسام هي:
1.
الوجوب
2.
الندب
3.
الإباحة
4.
الكراهة
5.
التحريم
وما يدور حوله من
القياس ومسالك العلة قد استفاد منه واستغله الخوارج أولا
وتبعهم جميع الفرق والطوائف في تاريخ الإسلام والمنتسبون إليه الذين لا يجمعهم إلا
الانتساب إلى الإسلام ومنهم من تسمى باسم أخص حرصا منه على التميز عن سائر
المخالفين رأيه وعقائده وتصوراته ومنهجه ومذهبه.
وكأن
لم يتدبروا قوله ﴿ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل﴾ الحج، ومن المثاني
معه قوله ﴿ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك﴾ البقرة، يعني أن
إبراهيم في دعائه يوم كان يبني الكعبة دعا ربه أن يجعل من ذريته أمة مسلمة لله
فتلك دلالة قوله ﴿هو سماكم المسلمين من قبل﴾ أي إبراهيم، ولن يرغب عن ملته إلا
السفيه.
ولعل
الباحثين المعاصرين واللاحقين يقرون ولا ينكرون واقعا مريرا هو احتجاج تلكم الفرق
المختلفة المتناقضة خوارج أو سنة، سلفية وصوفية، فقهاء بلاط وجهاديين معاصرين بالتأصيل القديم للفقه كل يجعل في خانة الوجوب ما يراه واجبا
وفي خانة الندب ما يراه مندوبا وفي خانة الجواز ما يراه جائزا وفي خانة الكراهة ما
يراه مكروها وفي خانة الحرمة ما يراه حراما، بل لقد وقع الاختلاف بين أصحاب
الطائفة الواحدة كالمدارس الفقهية لدى السنة إذ لا يخفى عدم الاتفاق على الموصوف
بالندب والكراهة وعلى الموصوف بالوجوب أحيانا بين الأحناف والمالكية والحنابلة
والشافعية.
إن
اعتقاد وجوب مسألة من المسائل كإقامة الخلافة بالقوة ورِدَّة المخالف واستحلال دمه
وعِرضه وماله وكفر من حكم برأيه أو بشرائع وضعية هو الذي عصف بالدولة الراشدة
بنشأة الفتنة التي قتل بها عثمان رضي الله عنه وكان قَتَلَتُه المنافقون قد أظهروا
الصلاح وألقوا الخُطَب في المساجد وأعلنوا الغيرة على الدين تدليسا منهم على
العوام، وكذا الخوارج آخر الخلافة الراشدة وكذا سائر الفرق وأهل الأهواء والكلام
كل وجد في الأصول الفقهية مدرسة المتكلمين درعا يحفظ له بدعته وحصنا يتحصن به عن
نقد العوام أهل الفطرة الذين لا يفهمون منها غير القول بوجوب بعض الشعائر التعبدية
واستحباب بعضها وكراهة بعضها وغير جواز بعض الأعمال وبعض الملبس والمشرب
والمأكل والفروج أو تحريمه، ولا يفهمون من فلسفتها غير هذا المنطق.
ولا
فرق بين احتجاج الخوارج وسائر أهل الأهواء بالأصول الفقهية المذكورة وبين احتجاج
كثير من المتأخرين ومنهم التنظيمات السرية والجهادية المعاصرة التي اعتقدت جاهلية
المجتمع وتفسيق من لم يوافقهم ويهاجر إليهم أو كفره فكل اعتقد وجوب رأي أو مذهب
واعتقد أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، تلكم القاعدة التي نقضتها في بحثي
حول فقه المرحلة.
ونشأ
الاختلاف في الكتاب المنزل أي التخلي عن التمسك بهديه إلى ما تهواه الأنفس من
الآراء والأهواء.
وأدعو
المنصفين من الباحثين إلى تأمل مهزلة الفقهاء الملتفين حول الحكومات الوطنية وما
يزيدون به الطين بلالا وما يزيدون به الفتنة اشتعالا حين يصدعون بفسق التنظيمات
السرية والجهادية وأنهم فئة ضالة مارقة من الدين كالخوارج الأولين.
ونسي
أو تناسى فقهاء البلاط أن الأصول الفقهية التي يعتمدونها لأنفسهم ولفتاويهم هي
أقرب إلى التنظيمات السرية والجهادية وإلى الخوارج وسائر أهل الأهواء والكلام،
وأنها رَدَّة فعل من مدرسة الفقهاء المتكلمين حين تسلطن في العهد الأموي فما بعده
غير أفقه الناس وأكثرهم اجتهادا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق