في موسوعتي للتفسير وأصوله قسم "معاني المثاني" أي معاني كلمات القرآن وحروفه ومضمراته

يتجَلَّـى تأصيل دلالتين لكل كلمة وحرف من الكتاب المنزَّل إحداهما (الدلالة اللغويّة) في لسان العرب وثانيهما إضافة دلالة خاصة تميَّز بها الكتاب المنزّل، كما في مادة:

كرم: الكرَم هو الخلوُّ من مَعانِي السّوء والنقص وعرَفَ العرب العِنَبِ في لسانهم بالكرْم لأنه فاكهة لا ضرر فيها على آكله، وعباد الرحمان إن اعْترضَهم اللغوُ أثناء مَشيِهم على الأرض هَوْنا مرّوا عليه وهم كرام أي لم يلتصْق بهم منه شيء، وحمل الهدهد إلى ملكة سبأ كتابا كريما من النبي سليمان لخلوِّ الكتاب من الشتم والسبّ واللعن.

ومع ابن آدم ملائكة حفظة كرام كاتبون لأنهم مُنزّهون مُبرّأون من الكذب والافتراء وإنما سيشهدون يوم الحساب بما يعلمون، وسمع النبيُّ الأمّيُّ صلى الله عليه وعلى آلِه وسلم القرآن من رسول كريمٍ هو جبريل المنزَّه المبرّأُ الـمَصون من الكذب والافتراء، وكان ضيف إبراهيم من الملائكة المكرَمين، ولن يصل إليهم شيء من أذى القوم المجرمين بل لن يصل أذاهم إلى لوط رسول رب العالمين.

ودلّ الجمع بين الإكرام والإنعام في سورة الفجر للإنسان المبتلى على المغايرة لدلالة الإكرام على إعفائه من الآلام والمصائب والخوف والضر ودلالة الإنعام على الرزق والمال والمتاع، وتضمّن الكتاب المنزل التكليف بإكرام اليتيم أي بكفايته وصَونِه عن السؤال والطواف على الناس ابتغاءَ اللقمة والكسوة.

وكرّم ربُّنا بني آدم فلم يجعلْهم مُسخَّرين لغيرهم من المخلوقات وشرع لهم سِتر العوراتِ والسّوْءاتِ بلباس يوُاريها، وأقرَّ إبليسُ بأن ربَّنا قد كرّم عليه آدم إذ سَلِمَ مِن لعنةِ الله.    

وإن مما أشكل على الناس دلالة قوله تعالى ﴿فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ فِـي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ﴾[عبس 12 ـ 16]، في وَصْف صُحُفٍ مُكَرّمةٍ أي هي مصونَةٌ لا يـمسُّها تدنيسٌ ولا أذًى تماما كما أن الملائكةَ سفرةٌ كِرامٌ بررةٌ لا يتأتَّى لسفيه ولا لشقِيٍّ إيذاؤهم حِسِّيًّا إذ لا يتأتَّـى لِغير الملائكة الكرام البررة، ولا يخفى تمكُّنُ قرامطة هَجَر بقيادة أبي طاهر القرمطي ومساعده ذكيرة الأصفهاني بعد فَعلتهم بالحاجِّ (317 هـ) واقتلاعِهم الحجر الأسود وعودتهم به، وما فعلوه من طرح المصاحف في الحشيش، ومكَثَ الناس شهرين يستنجُون بها، وكذلك قلّدهم الأحزاب المتأخرون وبعضُ الأوباشِ بعد غزو الأفغان والعراق.

وإن من أسماء ربِّنا اسمُه الكريم الأكرم إذ لا يلحقُه النقص والفقر والعجز بل ستتم موعوداته كلُّها في الدنيا وفي اليوم الآخر ولن يُعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض وبينت دلالته ضمن أسماء الله الحسنى.

بقلم/ الحسن ولد ماديك

باحث في تأصيل القراءات والتفسير وفقه المرحلة ولسان العرب


التالي
هذا المقال هو الأحدث.
السابق
رسالة أقدم

1 التعليقات:

  1. قال الذي عنده علم من الكتاب
    زادك الله علما وحكمة ورحمة

    ردحذف

 
Top