بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة
والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد:
فلعل بحثي هذا خطوةٌ في سبيل
تصحيح المفاهيم حول التلقي القرآني في عهد الصحابة الكرام إذ قد تمَّ تحريفُه
وتشويهُه وطمسُ بياضه ونقائه طمْسًا جَعَل للعامّة بعد ظهورِ سبعةِ ابن مجاهد في
القرن الرابع الهجري عذرا جَلِيًّا في استبدال التلقي الأدائي أو القراءات
القرآنية في عهد الصحابة الكرام باختيارات متأخرة عنهم إلى نهاية القرن الثالث
الهجري نهاية تعدُّدِ الاختيارات وانشطارها.
وإن من أشكل ما يُشْكِلُ هو
استكشاف الأداء الذي تضمنته الصحف التي جمعها أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه،
ومن أعجب العجب أن لم يكن عليها مدارُ القراءة ولا الإقراءِ قبل ظهور المصاحف
العثمانية وإلا لكانت في كل يوم منشورةً منثورةً في المسجد النبويِّ يقرئُ بها
الصحابة الكرام بل ظلت أكثر من عشرين حوْلا في منزل عمر بن الخطاب ثم عند أم
المؤمنين حفصة قبل ظهور المصاحف العثمانية في سنة 34 هـ، ويعني أن جمع القرآن في
مصحف أبي بكر الصدِّيق كان لضمان عدم سقوط بعض القرآن وذهابه بموت بعض حملته
وليكون ذاكرةً ينتهي إليها اختلافهم كما تزول الفرقة بالإمام الجامع المانع.
إن أكثر من عشرين عاما ظل
خلالها مصحفُ أبي بكر الصديق في منزله ثم في منزل عمر ثم في منزل أم المؤمنين حفصة
لدليلٌ علميٌّ على أن خلافا في القراءة والأداء لم يقع البتَّةَ بين الصحابة
الكرام رضي الله عنهم وإلا لسَجّل التاريخ والروايات المتعددة رجوعهم إليه، ويعني
انهيار الروايات باتخاذ بعض خيار الصحابة مصاحف خاصة بهم خالفت إجماع قراءة الأمة
الذي تم تدوينه في المصاحف العثمانية.
وإن إخراج مصحف أبي بكر الصديق
من حِصنه أو سَحبه من طرف عثمان رضي الله عنه لأجل استنساخ مصاحف للأمصار وإعادته
إلى حِصنه لدى أم المؤمنين حفصة لدليل واضح على أن مصحف أبي بكر الصِّدِّيق لم يكن
معروضا للقراءة والإقراء.
وللباحث المنصف أن لا يفرِّق
كثيرا بين مصحف أبي بكر ومصاحف عثمان رضي الله عنهما وجزاهما خيرا عن المسلمين
وأستدل بقرائن منها:
أولا: اتفاق كل من أبي بكر
الصِّدِّيق وعثمان على تكليف زيد بن ثابت رضي الله عنهم وأرضاهم بالإشراف المباشر
على المشروع العلمي الكبير العسير وهو جمع القرآن في مصحف واحد كما في الأولى وفي
بضعة مصاحف كما في الثانية.
ثانيا: تواتر الروايات
التاريخية على اتخاذِ مصحف أبي بكر الصّدّيق أصلا استنسخ منه زيد بن ثابت وأصحابه
الكتبة الأمناء المصاحف العثمانية.
ثالثا: أن أبا هريرة وابن عباس
رضي الله عنهم قد تلقَّيا القرآن عرْضا عن أبيّ بن كعب الذي نُسبت إليه فرية
اتخاذِه مصحفا خاصا به يخالف الصحف البكرية والمصحف العثماني وعلى قراءتهما مدار
كثير من القراءات اليوم وكذلك تلقيا القرآن عرضا عن زيد بن ثابت وعليه مدار المصحف
البكري والمصاحف العثمانية.
رابعا: أن أبا عبد الرحمان
السلمي قد قرأ القرآن عرضا على كل من عبد
الله ابن مسعود وعثمان بن عفان وعليّ بن أبي طالب وزيد بن ثابت وأبيّ بن كعب رضي
الله عنهم فلو كان لبعضهم مصحف مخالف المصحف العثماني وقراءات شاذة عنه لكان أولى
الناس بإظهارها وتبيانها وإبداء الرأي حولها.
خامسا: أن زر بن حبيش الأسدي الكوفي عرض على كل من عبد الله بن مسعود وعثمان بن
عفان وعليّ بن أبي طالب ولم يُرْوَ عنه ما يُثْبِتُ نسبة مصحف إلى عليّ وإلى ابن
مسعود يخالفان المصحف العثماني.
سادسا: أن الخلاف من قَبِيل
اللهجات كالإدغام والإمالة والتسهيل ببين بين وبالنقل أو من قَبِيل الأصل كالفتح
والإظهار والتحقيق لا يَسْتَدْعِي تعدُّد المصاحف ولا المرسوم.
سابعا: أنّ المصاحف العثمانية
للأمصار إنما نشأت لتدوين الأداء الذي تلقّاه الصحابة الكرام مباشرة من النبيّ
الأمّيّ صلى الله عليه وسلم ولم يسعْها المصحف الأول في عهد أبي بكر الصّدّيق
وأنَّى لمصحف واحد أن يسع قراءة بإثبات حرف وأخرى بحذفه كما في قوله تعالى ﴿ومن يتولّ فإن الله هو الغنيّ الحميد﴾ الحديد، بزيادة
﴿هو﴾ وبحذفها، فتعدَّدَ المرسومُ في المصاحف لِيشملَ تعدُّدَ قراءات الصحابة
وأَلْحَقَ الكتبةُ العدول به من المرسوم زيادات وحذف أحرف مد ونحوها للدلالة على
معاني وحكمة بالغة.
ثامنا: أن ليس للصحابة الكرام
كابن مسعود وأبي موسى وأبي الدرداء ولا لعمر بن الخطاب وغيره قراءات ولا مصاحف تمسَّكوا
بها وخالفتها المصاحف العثمانية وأسقطتها بل تلك أكذوبة خرجت من البلاط العباسي أبيِّن
تفصيلها في بحث لاحق إن شاء الله تعالى.
وهذا هو مَرْبَطُ الفَرَسِ
وحَلُّ اللغْزِ والإشكاليةِ التي يتذرع بها الذين يؤثرون الاختيارات المتأخرة على قراءات الصحابة الكرام ويسارعون إلى تشذيذ قراءات الصحابة الكرام العدول فرارا من
العتاب والعقاب.
ولقد تمكَّن زيدٌ بن ثابت
والكَتبَة معه من الصحابة الكرام البررة العدول عبر المصاحف العثمانية إلى الأمصار
من إثبات الأداء الذي تلقَّوْه من النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقرأوا به
فأقرَّه وحسَّنه وهو بعضُ الأداء الذي تضمنته القراءات السبع والعشر وغيرها في
الفرش وبعض أبواب الأصول كالياءات الزوائد وياءات الإضافة والإمالة وبعض فصول
الهُمَز.
ولا
يتعلق إنكارُ بعضِ الصحابة قراءةَ بعض باختلاف أَلْسِنَة العرب وإنما بأداءٍ منزّلٍ
أقرأ النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ببعضِه بعضا من الصحابة فأنكر بعضهم
قراءة بعض أن غاب عنه الأداء الذي تلقاه غيرُه من الصحابة من النبي صلى الله عليه
وسلم.
ولقد
أشكل على المصنِّفين من طرق الرواة اختلافُ عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم القرشيان
المخزوميّان في الأداء بسورة الفرقان، ولكأن المصنفين من طرق الرواة لم يتصوروا أن
يختلف القرشيان من بني مخزوم اللذَيْنِ ترعْرعا وكبُرا معا في مكة على الأداء في
سورة الفرقان وإنما تصوروا أن يختلف الأداء لدى الصحابة من قبائل شتى عرفوا لهجات
مختلفة كالذين لا يعرفون غيرَ إمالة ذوات الياء والذين لا يعرفون غير الفتح فيها
وكالذين لا يعرفون غير تحقيق الهمزتين من كلمة وكلمتين والذين لا يعرفون غير تسهيل
الثانية منهما أو إسقاط الأولى من متفقتي الحركة.
وإنما
نشأ عجَب المصنفين من طرق الرواة من اختلاف القرشيّيْن المخزوميّيْن على أداء سورة
الفرقان بسبب قطعهم أن الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن تعني لهجات العرب واختلافها،
وهيهات أن يسلم ذلك التفسير كما بيَّنتُ في بحثي "تفسير الأحرف السبعة دراسة
نقدية".
ولقد
تتبعتُ سورة الفرقان فألفيْتُ فيها أكثر من عشرين حرفا اختُلِف في أدائه وتلاوته
وقراءته اختلافا لا علاقة له بلهجات العرب وألسنتها وإنما هو أداءٌ متعدِّدٌ
منزَّلٌ كلُّه من عند الله العليم الخبيرِ فأقرأ بكل منه النبي صلى الله عليه وعلى
آله وسلم بعضَ الصحابة فالتزموه وإنما أنكر بعضهم من الأداء ما لم يتعلمه من نبيه
صلى الله عليه وسلم ولما صوّب النبي صلى الله عليه وسلم وحسّن كلا منه وأخبر بأنه
كذلك أنزل أذعنوا إذعانا كان سبب ظهور المصاحف العثمانية المتعددة.
وليختلفنّ
أداءُ كل اثنين من الصحابة في سورة الفرقان كما في غيرها ما لم يتلقياها من في
رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفس الجلسة ونفس المرّة.
وإليك
أخي الباحث المتجرد: نموذجا من أحرف الخلاف ـ في سورة الفرقان ولا علاقة لها
باختلاف لهجات العرب وألسنتها:
ـ
﴿أو تكونُ له جنة يأكل منها﴾ الوجهان بين النون والياء
ـ ﴿ويجعل
لك قصورا﴾ الوجهان بين الرفع والجزم
ـ
﴿ويوم يحشرهم﴾ الوجهان بين النون والياء
ـ ﴿فيقول
ءأنتم﴾ الوجهان بين النون والياء
ـ
﴿أن نتّخذ﴾ الوجهان (1) بضم النون وفتح الخاء (2) بفتح النون وكسر الخاء
ـ
﴿كذبوكم بما تقولون﴾ الوجهان بين الغيب والخطاب
ـ
﴿فما تستطيعون﴾ الوجهان بين الغيب والخطاب
ـ ﴿تشقق
السماء﴾ الوجهان بين تخفيف الشين وتشديدها
ـ ﴿ونزل
الملائكة﴾ الوجهان (1) بنونين الأولى مضمومة والثانية ساكنة مع تخفيف الزاي
ورفع اللام ونصب الملائكة (2) وبنون واحدة وتشديد الزاي وفتح اللام ورفع الملائكة
ـ
﴿وهو الذي أرسل الرياح﴾ الوجهان بين الإفراد والجمع
ـ ﴿بشرا
بين يدي﴾ الوجهان بين الباء والنون أي بين الموحدة التحتية والفوقية
ـ ﴿بلدة ميتا﴾ الوجهان بين التخفيف والثقل
ـ ﴿ليذكروا فأبى﴾ الوجهان (1) بإسكان الذال وضم الكاف مع
تخفيفها (2) وبفتح الذال والكاف وتشديدهما
ـ ﴿لما تأمرنا﴾ الوجهان بين الغيب والخطاب
ـ ﴿سراجا﴾ الوجهان بين الإفراد والجمع
ـ ﴿لمن أراد أن يذكر﴾ الوجهان (1) بتخفيف الذال ساكنة وتخفيف
الكاف مضمومة (2) وبتشديدهما مفتوحتين
ـ ﴿ولم يقتروا﴾ ثلاثة أوجه (1) بضم الياء وكسر التاء (2) وبفتح
الياء وكسر التاء (3) وبفتح الياء وضم التاء
ـ ﴿يضاعف له﴾ ثلاثة أوجه (1) بمد الضاد بألف وتخفيف العين ورفع
الفاء (2) وبمد الضاد بألف وتخفيف العين وجزم الفاء (3) وبقصر الضاد وتشديد العين ورفع
الفاء
ـ ﴿ويخلد﴾ الوجهان بين الرفع والجزم
ـ ﴿وذرياتنا﴾ الوجهان بين الإفراد والجمع
ـ ﴿ويلقون﴾ الوجهان (1) بفتح الياء وإسكان اللام وتخفيف القاف (2) وبضم
الياء وفتح اللام وتشديد القاف.
ولعلنا قد وُفِّقْنا بفضل الله لتفصيل الكثير الذي أجملَه عمر بن
الخطاب رضي الله عنه وأرضاه بقوله: (سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة
رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم
يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم) اهـ، ولا يخفى أن عشرين موضعا فأكثر
من مواضع الاختلاف جديرة بالوصف بأحرف كثيرة ليس منها شيء من قبيلِ لهجات العرب
كالإمالة بالصغرى والكبرى والإدغام الصغير والكبير وكالتسهيل بأنواعه المتعددة:
بين بين والنقل وإسقاط الهمزة والإبدال وكالاختلاس والإشمام والروم ...
ولتعميم البحث عن قراءات الصحابة الكرام أضطرُّ إلى تأصيله في سائر
أحرف الخلاف أي خارج سورة الفرقان لاستقصاء الأداء الذي قرأوا به ولا علاقة بينه
وبين اللهجات والقياس عليها الذي دندن حوله أصحاب الاختيارات المتأخرة عن الصحابة،
وأجزم بفضل الرواة والقراء أصحاب الاختيارات وبعدالتهم وحفظهم وضبطهم غير أن
الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم أفضل وأثبت وأضبط وأحفظ وأعلى سندا، ولا
معنى لاستثناء قراءات الصحابة الكرام من عموم قوله تعالى ﴿والسابقون الأولون من
المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضيَ الله عنهم ورضوا عنه﴾ براءة، وإنه
لم يتَّبِعهم بإحسان مَن رغبوا عن قراءاتهم إلى اختيارات مَن بعدهم.
ومن
الأداء الذي قرأ به الصحابة الكرام وأثبتوه في المصاحف العثمانية تعدّد الزيادة
والنقصان في أحرف كثيرة منها:
ـ ﴿وقالوا
اتّخذ الله ولدا﴾ البقرة، القراءة بزيادة الواو وبحذفها قبل ﴿قالوا﴾.
ـ ﴿مفسدين
وقال الملأ الذين استكبروا﴾ الأعراف، القراءة بزيادة الواو وبحذفها قبل ﴿قال﴾.
ـ ﴿وقال
موسى ربي أعلم﴾ القصص، القراءة بزيادة الواو وبحذفها قبل ﴿قال﴾.
ـ ﴿ويقول
الذين ءامنوا أهؤلاء الذين أقسموا﴾ المائدة، القراءة بزيادة الواو وبحذفها قبل ﴿يقول﴾.
ـ ﴿وما
كنا لنهتدي لولا﴾ الأعراف، القراءة بزيادة الواو وبحذفها قبل ﴿ما كنا﴾.
ـ ﴿والذين
اتّخذوا مسجدا ضرارا﴾ براءة، القراءة بزيادة الواو وبحذفها قبل ﴿الذين﴾.
ـ ﴿وأوصى
بها إبراهيم بنيه﴾ البقرة، القراءة من رباعي أوصى وقراءة ﴿ووصَّى﴾ من الرباعي
بالتضعيف
ـ ﴿وسارعوا
إلى مغفرة من ربكم﴾ آل عمران، القراءة بزيادة الواو وبحذفها قبل ﴿سارعوا﴾.
ـ ﴿وبالزبر
وبالكتاب المنير﴾ آل عمران، القراءة بإثبات الباء الجارة فيهما وبحذفها فيهما.
ـ ﴿ما
فعلوه إلا قليلا منهم﴾ النساء، بزيادة الألف على المستثنى للدلالة على النصب وبحذف
الألف للدلالة على الرفع.
ـ ﴿وكلا
وعد الله الحسنى﴾ الحديد، بزيادة الألف على النصب وبحذف الألف على الرفع.
ـ ﴿من
يرتدد منكم عن دينه﴾ المائدة، القراءة بدالين مكسورة فساكنة على الإظهار والقراءة
بدال واحدة مفتوحة مثقلة على الإدغام.
ـ ﴿ولدار
الآخرة﴾ الأنعام، بلام واحدة مفتوحة وتخفيف الدال وبلامين أولاهما مفتوحة والثانية
للتعريف مدغمة في الدال.
ـ ﴿لئن
أنجيتنا من هذه﴾ الأنعام، بياء واحدة للدلالة على ذات الياء قبل النون على الغيب وبالياء
بعد الجيم ثم التاء قبل النون على الخطاب.
ـ ﴿وإذ
أنجيناكم﴾ الأعراف، بياء للدلالة على الألف بعد الجيم وقبل الكاف من غير نون ولا
ياء على الغيب، وبياء ونون وألف قبل الكاف.
ـ ﴿شركائهم
ليردوهم﴾ الأنعام، بالواو بعد الألف للدلالة على الرفع وبالياء بعد الألف للدلالة
على الخفض.
ـ ﴿قليلا
ما يتذكرون﴾ الأعراف، بالياء قبل التاء للدلالة على الغيب، وبحذف حرف الغيب
للدلالة على الخطاب.
ـ ﴿وأعدّ
لهم جنات تجري تحتها الأنهار﴾ في ثاني التوبة بحذف "مِن" وبفتح تاء ﴿تحتها﴾
وبزيادة ﴿مِن﴾ وخفض تاء ﴿تحتها﴾.
ـ ﴿يسيركم﴾
يونس، من التسيير ومن النشر.
ـ ﴿قال
سبحان ربي﴾ الإسراء، بإثبات الألف على الإخبار وبحذفها.
ـ ﴿قال
ربي يعلم القول﴾ الأنبياء، بإثبات الألف على الإخبار وبحذفها.
ـ ﴿قال
كم لبثتم﴾ الفلاح، بإثبات الألف على الإخبار وبحذفها.
ـ ﴿قال
إن لبثتم﴾ الفلاح، بإثبات الألف على الإخبار وبحذفها.
ـ ﴿خيرا
منهما منقلبا﴾ الكهف، بين التثنية بزيادة الميم بعد الهاء وبالإفراد بحذف الميم.
ـ ﴿مكنني﴾
الكهف، بنونين على الإظهار وبنون واحدة على الإدغام الكبير.
ـ ﴿أو
ليأتينني بسلطان﴾ النمل، بنونين على الإظهار وبنون واحدة على الإدغام الكبير.
ـ ﴿تأمرونني
أعبد﴾ الزمر، بنونين على الإظهار وبنون واحدة على الإدغام الكبير.
ـ ﴿أولم
ير الذين كفروا﴾ الأنبياء، بزيادة واو بعد همز الاستفهام، وبحذفها.
ـ ﴿سيقولون
لله﴾ الأخيران في الفلاح، بألف قبل اللام على أنها ﴿اللهُ﴾ وبغير ألف على أنها ﴿لله﴾
ـ ﴿وننزل
الملائكة﴾ الفرقان، بنونين مضمومة فساكنة على التسمية ونصب ﴿الملائكة﴾ وبنون واحدة
مضمومة قبل ثقل كسر الزاي على التجهيل ورفع ﴿الملائكة﴾.
ـ ﴿وتوكل
على العزيز الرحيم﴾ الشعراء، بين الفاء والواو.
ـ ﴿ولا
يخاف عقباها﴾ الشمس، بين الفاء والواو.
ـ ﴿وما
عملته أيديهم﴾ يس، بزيادة الهاء بعد التاء وبحذفها.
ـ ﴿وما
تشتهيه الأنفس﴾ الزخرف بزيادة الهاء بعد الياء وبحذفها
ـ ﴿كانوا
هم أشد منكم﴾ غافر، بالكاف على الخطاب في الضمير المتصل بحرف الجر وبالهاء على
الغيب.
ـ ﴿أو
أن يظهر﴾ غافر بزيادة "أو" قبل "أن" وبإضافة واو العطف وحده
إلى "أن".
ـ ﴿فبما
كسبت أيديكم﴾ الشورى، بزيادة الفاء وبحذفها.
ـ ﴿فإن
الله هو الغني الحميد﴾ الحديد، بزيادة هو وبحذفها.
ـ ﴿إحسانا﴾
الأحقاف بزيادة ألف قبل الحاء وبعد السين وبحذفهما.
ـ ﴿ذا
العصف﴾ سورة الرحمان، بألف بعد الذال وبالواو بعد الذال.
ـ ﴿ذو
الجلال﴾ في سورة الرحمان، بواو بعد الذال وبالياء بعد الذال.
وكذلك
تعدّد الأداءُ بين الإخبار والاستفهام وفي الاستفهام المكرر ولا يسعه مصحف واحد
مما فرض على الصحابة الكرام حفظَ أدائهم الذي تلقَّوْه من النبي صلى الله عليه وعلى
آله وسلم في عدة مصاحف عُرِفت بالمصاحف العثمانية، وتعدّدَ الأداءُ بين التأنيث
والتذكير وبين الغيب والخطاب وبين النون والياء، وتعددت الزيادة والحذف في المرسوم
مقروءً وغيرَ مقروءٍ للدلالة على معاني جليلة تخفى على العامة.
إن
تعدُّد الأداء الذي قرأ به الصحابة الكرام ولم يسعْه المصحف الواحد الذي جمعه أبو
بكر رضي الله عنه هو ما اضطَرَّ الصحابةَ إلى حفظه بتدوينه في المصاحف العثمانية،
ومنه إجمالا لا تفصيلا:
ـ
تعدُّدُ الأداء بين الإخبار والاستفهام إذ أجمع الصحابة الكرام على الاستفهام في
مواضع منها:
ـ ﴿أئنّ
لنا لأجرا﴾ الشعراء
ـ ﴿أئنا
لمخرجون﴾ النمل
ـ ﴿أئنا
لتاركوا﴾ الصافات
ـ ﴿أئذا
متنا﴾ الواقعة
ـ ﴿أئنكم
لتأتون الرجال وتقطعون﴾ وهو ثاني العنكبوت
ـ ﴿أئنكم
لتأتون الرجال شهوة﴾ في النمل
ـ ﴿أئنكم
لتشهدون﴾ الأنعام
ـ ﴿أئنكم
لتكفرون﴾ فصلت
والتزمت
الاختيارات المتأخرة أداء الصحابة الكرام فيهن، وأما ما تعدد أداؤه بين الإخبار
والتسهيل فإنما رسم بألف واحدة ليحتمل القراءتين.
ـ
تعدُّدُ الأداء بين التأنيث والتذكير كما في:
ـ ﴿لا
تُفتّح لهم أبواب السماء﴾ الأعراف
ـ ﴿كالذي
استهوته الشياطين في الأرض حيران﴾ الأنعام
ـ
تعدد الأداء بين الغيب والخطاب كما في:
ـ ﴿لِيُنذِرَ﴾
الأنعام ويس والأحقاف
ـ ﴿أفغير
دين الله يبغون﴾ المائدة
ـ ﴿ولا
يحسبنّ الذين كفروا﴾ النور والأنفال
ـ ﴿قل
للذين كفروا سيغلبون ويحشرون إلى جهنم﴾ آل عمران
ـ
تعدد الأداء بين النون والياء كما في:
ـ ﴿ويوم
يحشرهم جميعا ثم يقول للذين أشركوا﴾ الأنعام
ـ ﴿سيُكتب
ما قالوا﴾ آل عمران
ولا
تسل عن الفرية الكبرى التي بلغت الآفاقَ بالقول بوجود قراءات منسوبة إلى الصحابة
خارج المصاحف العثمانية.
ولقد قال القائلون بشذوذ قراءات
الصحابة الكرام مُنكرًا من القول وزُورًا بل لا يوجد قولٌ أنكرُ منه وأقبح إلا قولُ
الرافضة الباطنية بكفر الصحابة وما نقَموا منهم إلا أن نصَروا الرسولَ النبيَّ
الأمِّيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأن بلّغوا عنه القرآن والهَدْيَ النبويَّ.
ويلزم المتمسكين باختيارات
تأخرت أكثر من قرنين عن قراءات الصحابة الكرام الإقرارُ علَنًا بالطعن في أداء الصحابة
الكرام البررة ووصفه بالمفضول ليجوز لهم شرعا الرغبة عنه إلى الاختيارات المتأخرة
ووصفها بالأداء الأفضل.
ويتوكَّأُ القولُ الممجوجُ
بشذوذ قراءات الصحابة الكرام على حجتين اثنتين هما:
أولا: انقطاع أسانيدها.
ثانيا: شذوذ قراءات الصحابة عن
المصاحف العثمانية أي تخلُّفها ومخالفتُها عن موافقتها.
ويكفي لدفع الشبهة الأولى أن المنصوصَ
في أمهات كتب القراءات الأولى أثبتُ وأوثق من الأداء بالقياس غير المنصوص الذي
يتوارثه المتأخرون بأسانيدَ يحملها من لا يفقهون من تحرير طرق القراءات نقيرا ولا
قطميرا ولا فتيلا ويتشبّعون بكثرة الأسانيد يعتاضون بها الدراية والتحرير والضبط.
ومُحَالٌ ـ شرعا وعقلا ـ أن
ينسخَ قصورُ اتصالِ أسانيد المتأخرين أداءً ثابتا قرأ به الصحابة الكرام وأثبته الأعلام
الأولون كابن مهران وابني غلبون وأبي عمرو الداني منصوصا في كتبهم الثابتة نسبتها
إليهم، ويلزم عامَّةَ المسلمين حسب هذا الميزانِ الأعرجِ المعوج الإعراضُ عن جميع
الأحاديث النبوية الثابتة في الصحيحين وغيرهما ممن لا يحمل أسانيد بها متصلة منه
إلى المصنفين من أهل الحديث، ولا يخفى على الأعشى ولا على الأعمى صحَّةُ احتجاج
العامة كالخاصة بما صحّ في متون الحديث الأولى عن النبيّ الأمّيِّ صلى الله عليه
وعلى آله وسلم للاستغناء بتدوين ما صح منها في القرون الأولى عن وَهْمِ ما عُرِف
بالأسانيد والإجازات المتأخرة ويتشبّع بها مَن لا دراية له ولا كفاية ولم يبلغ من
العلم كعبا ولا شبرا.
ويتراءى جهل المتأخرين فاقدي
الدراية والرواية وهم يطعنون في صحة الطرق النافعية لأبي عمرو الداني وفي ما قبله
من أمهات القراءات الثابتة نسبتها إلى المقرئين الأولين، والحقيقة العلمية أن
المنصوص في المتون الأولى لا يطعن فيها غير مُعارضِها مما هو أصحُّ منها وأقربُ
إلى أداء الصحابة الكرام أما الطعن في ما ثبت منصوصا عن أبي عمرو الداني بانقطاع
أسانيده عن المتأخرين فاحتجاج ساقط أرعن لا يرقى إلى درجة البحث العلمي، وإنما تظهر القيمة العلمية للنص المنصوص في مصنفات طرق الرواة حسب علو إسناد
النصّ إلى قراءات الصحابة قبل نشأة القياس، ولا تخفى القيمة العلمية الجلية لغاية
ابن مهران ومبسوطه (ت 381 هـ) عند مقارنته بغاية الاختصار لأبي العلاء الهمذاني (ت
569 هـ) لتقدم الأول وقربه من الأداء الأول وتأخر الثاني.
ويكفي لدفع الشبهة الثانية أن
القول بوجود مصحفٍ لدى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه مخالفٍ المصحفَ
العثماني الكوفي ينتقض بالقرائن التالية:
أولا: ما أورده ابن الجزري في ترجمة
ابن مسعود المرقم في غاية النهاية (1914): "عن عبد الرحمان بن أبي ليلى أن ابن مسعود كان إذا اجتمع
إخوانه نشروا المصحف فقرأوا وفسّر لهم وعن مسروق: قال كان عبد الله يقرئنا القرآن
في المسجد ثم نجلس بعده نثبت الناس" اهـ ولا يتأتّى وصف غير المصحف الكوفي
الذي أقرأ به ابن مسعود سبع سنين حتى توفى رضي الله عنه.
ثانيا:
ما أورده ابن الجزري في ترجمة مسروق بن الأجدع الهمداني الكوفي المرقم في غاية
النهاية (3591) "قال مسروق وكان عبد الله يقرئنا القرآن في المسجد ثم يجلس
بعدُ يُفتي الناس، قال إبراهيم النخعي: كان أصحاب عبد الله الذين يقرئون الناس
ويعلمونهم علقمة والأسود ومسروق وعبيدة والحارث وعمرو بن شرحبيل" اهـ ويعني
أنه يقرئ بالمصحف العثماني في المسجد الجامع ويفتي الناس.
ثالثا:
ما أورده ابن الجزري في ترجمة ابن مسعود في غاية النهاية قال "وإليه تنتهي
قراءة عاصم وحمزة والكسائي وخلف والأعمش" انتهى، ولا يصح ادِّعاء أن هذه
القراءات الكوفية الخمس ينتهي سندها إلى مصحف مخالف المصحف العثماني الكوفي إذ لم
تتضمن ما نسب زورا إلى مصحف ابن مسعود.
رابعا: ما أورده ابن الجزري في
ترجمة حمزة المرقم في غاية
النهاية (1190) قال: "وكان الأعمش يجود حرف ابن مسعود"
خامسا:
أن جميع القراء الكوفيين المعتمدين الثقات قد تلقوْا القراءة عن ابن مسعود وعرضوا
عليه القرآن ومنهم:
ـ علقمة بن قيس النخعي الفقيه (ت 62
هـ) المرقم في غاية النهاية (2135) وهو عم الأسود بن يزيد وخال إبراهيم النخعي ومن
خيار التابعين أخذ القراءة عرضا عن ابن مسعود وأثبتها الذهبي في معرفة القراء
الكبار في ترجمته رقم (15).
ـ مسروق
بن الأجدع الهمداني الكوفي (ت 63 هـ) وأثبت الذهبي في ترجمته رقم (14) قراءته عرضا
على عبد الله بن مسعود، وتقدم آنفا عن ابن الجزري في غاية النهاية (3591) كلام
مسروق وإبراهيم النخعي عن إقراء ابن مسعود.
ـ زر بن حبيش الأسدي الكوفي (ت 82 هـ)
المرقم في غاية النهاية (1290) وأثبت الذهبي في معرفة القراء الكبار في ترجمته
(16)) قراءته على عبد الله بن مسعود وزاد ابن الجزري بقراءته على عثمان بن عفان
وعلي بن أبي طالب قال عرض عليه عاصم بن أبي النجود وسليمان الأعمش وأبو إسحاق
السبيعي ويحيى بن وثاب.
ـ عبيدة
بن عمرو السلماني المرادي الكوفي (ت 72 هـ) المرقم في غاية النهاية (2073) الفقيه
التابعي الكبير مخضرم أخذ القراءة عرضا عن ابن مسعود وكان ثبتا في الحديث انظر سير
أعلام النبلاء ج4/ ص40.
ـ عبد الله بن حبيب أبو عبد الرحمان
السلمي (ت 74هـ) المرقم في غاية النهاية (1755) والمرقم في معرفة القراء الكبار
(18) مقرئ الكوفة بعد ابن مسعود "ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
ولأبيه صحبة إليه انتهت القراءة تجويدا وضبطا أخذ القراءة عرضا عن عبد الله بن
مسعود وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وأبيّ بن كعب رضي الله عنهم
أخذ القراءة عنه عرضا عاصم وعطاء بن السائب وأبو إسحاق السبيعي ويحيى بن وثاب وعبد
الله بن عيسى بن أبي ليلى ومحمد بن أبي أيوب وأبو عون محمد بن عبيد الله الثقفي
وعامر الشعبي وإسماعيل بن أبي خالد والحسن والحسين رضي الله عنهما.
ـ عمرو بن ميمون أبو عبد الله الأودي
الكوفي التابعي الجليل (ت 74هـ) المرقم في غاية النهاية (2463) قال عنه "أخذ
القراءة عرضا عن عبد الله ابن مسعود وروى القراءة عنه أبو إسحاق السبيعي
وحصين" اهـ
ـ الأسود بن يزيد النخعي الكوفي (ت
75هـ) المرقم في غاية النهاية (796) الإمام الجليل وأثبت الذهبي في ترجمته رقم
(13) قراءته على عبد الله بن مسعود وأن قد قرأ عليه إبراهيم النخعي وأبو إسحاق
السبيعي ويحيى بن وثاب.
ـ عبيد بن نضلة أبو معاوية الخزاعي
الكوفي (ت 75 هـ) المرقم في غاية النهاية (2071) تابعي ثقة أخذ القراءة عرضا عن
عبد الله ابن مسعود ولم يقطع به الذهبي في ترجمته رقم (17) وإنما قطع بقراءته عرضا
على علقمة بن قيس، روى القراءة عنه عرضا يحيى بن وثاب وحمران بن أعين وكان مقرئ
أهل الكوفة في زمانه وقال عنه الكسائي "كان من خيار أصحاب عبد الله"
يعني ابن مسعود، وثقه ابن حبان وخرَّج له مسلم والجماعة إلا البخاري.
ـ زيد بن وهب الجهني الكوفي (ت بعد 80
هـ) المرقم في غاية النهاية (1309) رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فمات وهو في
الطريق عرض على عبد الله بن مسعود عرض عليه سليمان بن مهران الأعمش.
ـ تميم بن حذلم أبو أسلم الضبي المرقم
في غاية النهاية (861) وقال عنه "قرأ على عبد الله بن مسعود فلم يغير عليه
شيئا إلا هذا الحرف يعني (س 27 آية 87) "وكل أتوه داخرين" مدَّه تميم
وقصره ابن مسعود وفي يوسف "وظنوا أنهم قد كذبوا" قرأ ابن مسعود
بالتخفيف"
ـ شقيق بن سلمة الكوفي الأسدي (ت 82
هـ) المرقم في غاية النهاية (1429) إمام كبير مخضرم وقيل صحابي حفظ القرآن في
شهرين عرض القرآن على عبد الله بن مسعود وروى عنه الأعمش ومنصور.
ـ عبيد بن قيس أبو مسلم الكلابي
الكوفي المرقم في غاية النهاية (2065) أخذ القراءة عرضا عن ابن مسعود أخذ القراءة
عنه عرضا يحيى بن وثاب.
ـ الحارث بن قيس الجعفي الكوفي المرقم
في غاية النهاية (924) راوٍ رَوَى القراءة عن عبد الله بن مسعود.
ـ عمرو
بن شرحبيل الهمداني الكوفي المرقم في غاية النهاية (2453) تابعي جليل صالح عابد
عرض على عبد الله بن مسعود.
ـ الربيع بن خثيم الكوفي الثوري (ت 90
هـ) المرقم في غاية النهاية (1263) تابعي جليل وردت عنه الرواية في حروف القرآن
أخذ القراءة عرضا عن عبد الله بن مسعود عرض عليه أبو زرعة بن عمرو بن جرير قال له
عبد الله بن مسعود لو رءاك محمد صلى الله عليه وسلم لأحبك وما رأيتك إلا ذكرت
المخبتين.
ـ سعد بن إياس أبو عمرو الشيباني
الكوفي (ت 96 هـ) المرقم في غاية النهاية (1327) أدرك زمن النبي صلى الله عليه
وسلم ولم يره عرض على (ج) عبد الله بن مسعود وعرض عليه يحيى بن وثاب و (ج) عاصم بن
أبي النجود.
ـ مسعود بن مالك أبو رزين الكوفي (ت)
المرقم في غاية النهاية (3597) وردت عنه الرواية في حروف القرآن روى عن ابن مسعود
وعليّ بن أبي طالب وروى عنه الأعمش.
خامسا: أن الطبقة الثانية والثالثة من
مقرئي الكوفة هم تلامذة تلامذة ابن مسعود رضي الله عنه ومنهم:
ـ إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي
الكوفي (ت 92 هـ) في حبس الحجاج وهو المرقم في غاية النهاية (124) الإمام الكبير
العابد وردت عنه الرواية في حروف القرآن قد يكون قرأ على علقمة عن ابن مسعود وقيل
قرأ على الأعمش.
ـ عبد الله بن عيسى الأنصاري الكوفي
المرقم في غاية النهاية (1838) أخذ القراءة عرضا عن أبي عبد الرحمان السلمي وموسى
بن طلحة روى القراءة عنه عرضا نعيم بن ميسرة وسمع منه حفص بن سليمان الأسدي وكان
لا يهمز في قراءته.
ـ إبراهيم النخعي الكوفي المرقم في
غاية النهاية (125) الإمام المشهور الصالح الزاهد العابد قرأ على الأسود بن يزيد
وعلقمة بن قيس وقرأ عليه الأعمش وطلحة بن مصرف (ت 95هـ).
ـ يحيى بن وثاب الأسدي مولاهم الكوفي
(ت 103 هـ) المرقم في غاية النهاية (3871) وفي معرفة القراء الكبار (23) تابعي ثقة
كبير من العباد الأعلام عرض القرآن على عبيد بن نضلة وعلقمة عن ابن مسعود وعرض
يحيى أيضا على الأسود وعبيد بن قيس ومسروق وأبي عمر الشيباني وأبي عبد الرحمان
السلمي وعرض عليه الأعمش وطلحة بن مصرف وأبو حصين عثمان بن عاصم، وعن يحيى بن آدم
قال سمعتُ بن الحسن بن صالح يقول قرأ يحيى على علقمة وقرأ علقمة على ابن مسعود فأي
قراءة أفضل من هذه؟.
ـ طلحة بن مصرف بن عمرو بن كعب الهمداني
اليامي الكوفي (ت 112هـ) المرقم في غاية النهاية (1488) وفي معرفة القراء الكبار
(40) تابعي كبير سيد القراء قرأ على يحيى بن وثاب وإبراهيم بن يزيد النخعي والأعمش
وهو أقرأ منه.
ـ عاصم بن بهدلة القارئ مولاهم (ت 127 هـ) المرقم في غاية النهاية (1496) قال حفص قال لي عاصم
ما كان من القراءة التي أقرأتك بها فهي القراءة التي قرأت بها على أبي عبد الرحمان
السلمي عن عليٍّ وما كان من القراءة التي أقرأتها أبا بكر بن عياش فهي القراءة
التي كنت أعرضها على زر بن حبيش عن ابن مسعود اهـ.
ـ
عمرو بن عبد الله أبو إسحاق السبيعي الهمداني الكوفي (ت حوالي 130هـ) المرقم في
غاية النهاية (2457) الإمام الكبير تابعي أخذ القراءة عرضا عن عاصم بن ضمرة
والحارث الهمداني وعلقمة والأسود وأبي عبد الرحمان السلمي وزر بن حبيش وعمرو بن
شرحبيل أخذ القراءة عنه عرضا حمزة الزيات.
وخلاصة
القول: إن اعتراف أئمة الإقراء المعاصرين ابن مسعود أنه كان يقرئ في المسجد الجامع
من المصحف ويفتي ويقضي لصريح في أنه مَن استلم المصحف الكوفي وأقرأ
به سبع سنين حتى توفَّى رضي الله عنه، لا غيره وكذلك دلالة اتفاق القراء على الأخذ
عن ابن مسعود وإنما أشاع فرية رغبته عن المصحف العثماني وأذاعها مَن لم يتورعوا عن
وضْعِ آلاف الأحاديث وافترائها ونسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهم أحفادُ
قتلة عمر وعثمان وعليٍّ رضي الله عنهم وأرضاهم.
ومن أظهر الأدلة على فرية مصحف
ابن مسعود المخالف مصحف الكوفة العثماني شائعة مصحف عمر بن الخطاب ومصحف أبيّ إذ كان
عمر بن الخطاب هو من أشار ـ بعد معركة اليمامة ـ على أبي بكر الصديق بضرورة جمع
القرآن في مصحف وألحَّ على الصِّدِّيق حتى وافقه وأنجزه، واحتضن عمر بن الخطاب المصحف
البكري عشر سنوات في بيتِه وهو الخليفة الآمر الناهي فلو كان له مصحف مغاير لما
أشار على الصديق بجمع مصحف آخر ولما احتضنه بعده حتى توفَّى رضي الله عنه، ولقد
كان عمر بن الخطاب شديدا على المنافقين فلا يتأتّى منه أن يصبح ذا وجهيْن منافقا
يعارض نفسَه وحبيبَه الصدّيقَ؟
ولم يكن لأبيٍّ بن كعب رضي الله عنه مصحف خاص به إذ قد
توفَّى بعد عثمان بأربعين يوما وكان من مساعدي كتبة المصاحف العثمانية هو وعبد
الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو وأبَّان بن سعيد وكثير بن أفلح
وغيرهم (انظر سفير العالمين فقرة 20) وعزاه للمطالع النصرية ص 21 ـ 22، ولرسم
المصحف لغانم قدوري الحمد ص 115.
وإنما أَلْغَى المنافقون في
المصاحف العثمانية وفي إجماع الصحابة الكرام على تدوين الأداء المتعدد الذي
تلَقَّوْه من النبي ّالأمّيّ صلى الله عليه وسلم في المصاحف العثمانية فقالوا بفِرية
تمسُّك بعض خيار الصحابة بمصاحف خاصة بهم وهو قول لم يثبت علميا البتَّة.
ولقد لخَّص أخي الفاضل الدكتور حمزة عواد تلك
المدرسة في كتابه "شرط موافقة الرسم العثماني" (ص 112ـ 113) فقال
"بل لقد كان عمر رضي الله عنه يرسل من عُلِمت مخالفة قراءته ـ فيما بعدُ ـ
لمصحف عثمان إلى الآفاق ليعلموا الناس القرآن كابن مسعود وأبي الدرداء وأبي موسى
بل هناك ما هو أكبر من ذاك وهو أن الصحف كانت عنده في بيته رضي الله عنه وثبت عنه
أنه كان يقري بأوجه مخالفة للمصحف الذي جمع عليه عثمان الأمة" اهـ.
ولعل البحث التاريخي المتجرد
يقتضي العدول عن القطع بأن ابن مسعود وأبا موسى وأبا الدرداء رضي الله عنهم قد
علمت مخالفة قراءتهم المصحف العثماني، ولا يصح البتَّة إذ هم المقرئون بالمصاحف
العثمانية وتقدم الاستدلال على إقراء ابن مسعود بالمصحف العثماني الكوفي.
وأما أبو الدرداء الأنصاري الخزرجي حكيم هذه الأمة وأحد الذين جمعوا القرآن حفظا على
عهد النبي صل الله عليه وسلم بلا خلاف، وهو أول قاضٍ يلي قضاء دمشق فقد ثبت أنه
المقرئ بالمصحف الشامي في دمشق كما قال الذهبي في
معرفة القراء الكبار في ترجمة أبي الدرداء: "قال سويد بن عبد العزيز "كان
أبو الدرداء رضي الله عنه إذا صلى الغداة في جامع دمشق اجتمع الناس للقراءة عليه
فكان يجعلهم عشرة عشرة وعلى كل عشرة عريفا ويقف هو في المحراب يرمقهم ببصره فإذا
غلط أحدهم رجع إلى عريفهم فإذا غلط عريفهم رجع إلى أبي الدرداء فسأله عن ذلك وكان
ابن عامر عريفا على عشرة كذا قال سويد وليس بعمدة لسوء حفظه قال فلما مات أبو
الدرداء خلفه ابن عامر، وعن مسلم بن مشكم قال قال لي أبو الدرداء: اعددْ من يقرأ
عندي القرآن فعددتهم ألفا وستمائة ونيفا وكان لكل عشرة منهم مقرئٌ أبو الدرداء
يكون عليهم قائما وإذا أحكم الرجل منهم تحول إلى أبي الدرداء رضي الله عنه"
انتهى، ونقله ابن الجزري غاية النهاية رقم (2480) في ترجمة أبي الدرداء وذكر وفاته 32 هـ .
وثبت
إقراء أبي موسى الأشعري رضي الله عنه بالمصحف العثماني البصري لا غيره إذ قد حمل
عامر بن عبد الله بن عبد قيس المصحف البصري المصحف العثماني إلى أبي موسى الأشعري
عبد الله بن قيس اليماني في البصرة فأقرأ به حوالي عشرين سنة (ت في ذي الحجة 44هـ)
وقيل (53هـ) قال ابن الجزري في ترجمته في غاية النهاية (1851) "وحفظ القرآن
وعرضه على النبي صلى الله عليه وسلم عرض عليه القرآن حطان بن عبد الله الرقاشي
وأبو رجاء العطاردي وأبو شيخ الهنائي" اهـ
ونقل ابن الجزري في غاية النهاية (2469) عن أبي رجاء العطاردي
عمران بن تميم البصري التابعي الكبير أنه قال: "كان أبو موسى يعلِّمنا القرآن
خمس آيات خمس آيات" اهـ.
وقال أبو رجاء العطاردي رحمه الله متحدثا عن شيخه أبي موسى الأشعري
رضي الله عنه: "تعلمنا القرآن في هذا المسجد - يعني مسجد البصرة - وكنا
نجلِسُ حِلَقاً، حِلَقاً، وكأنما أنظر إليه بين ثوبين أبيضين، وعنه أخذت هذه
السورة: «اقرأ باسم ربك الذي خلق». قال: وكانت أول سورة أنزلت على محمد صلى الله
عليه وسلم، رواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وخلاصة القول: إن المصحف الذي جمعه أبو بكر الصّدّيق بمشورة من
عمر رضي الله عنهما لم يسَعْ جميعَ الأداء الذي تلقَّاه الصحابةُ الكرام من النبي ّالأمّيّ
صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسارعوا في آخر خلافة عثمان إلى حفظ قراءاتهم
بتدوينها في المصاحف العثمانية الست ولم يثبت عن الصحابة الكرام تعدد أداء في كلمة
واحدة أكثر من ستة أوجه.
حرر بانواكشوط في 13/ربيع الأول/ 1438 هـ
الحسن محمد
ماديك
صاحب مدرسة
لتأصيل القراءات والتفسير وفقه المرحلة وقواعد النحو العربي
0 التعليقات:
إرسال تعليق