إشكالية حرف الضاد

وردني سؤال من أحد طلبة العلم عن الضاد وأجيبه بأن مخرج الضاد أبعد من مخرج الطاء كما أن مخرج الطاء أبعد من مخرج الدال ومخرج الدال أبعد من مخرج التاء وعند النطق بالتاء يلتصق ظهر مقدمة اللسان بأصول الثنايا العليا غير ملامسٍ شيئا منها ولا متجاوزها إلى الشفتين، ويلتصق عند النطق بالدال ظهر اللسان مما يلي مقدمته باللهاة، ويلتصق عند النطق بالطاء ظهر اللسان مما يلي مؤخرته باللهاة، وتلتصق عند النطق بالضاد حافة اللسان اليسرى مما يلي مؤخرته، ولا يتجاوز اللسانُ البتة رؤوسَ الثنايا العليا عند النطق بالتاء فما خلفه من الأحرف الثلاثة وهي الدال والطاء والضاد، ولا تتقاسم الضاد مع الظاء مخرجا لخروج جزء من اللسان وتجاوزه رؤوس الثنايا العليا عند النطق بالظاء وكذا الثاء والذال، ولا يثبت أمام التأصيل اعتبار المخارج سبعة عشر بل لكل حرف مخرج خاص به بل لكل حرف عدة مخارج بحسب ترقيقه وفتحه وتقليله وإمالته إضجاعا، ومَن حسِب مَـخرجَ الرّاء المفخمة كالمرققة فقد وَهِمَ، ولا يقول عاقل باتِّحاد مخرج الراء المفتوحة والراء الممالة بقسميها ولا باتِّحاد مخرج اللّام المرققة والمغلظة.

ولا اعتبار لفرار القائلين بالضاد التي كالظاء بأن غيرها دال مفخمة لاحتجاجنا بأن الدال كذلك تاء مفخمة ولم يقع الطعن في الدال بسببه ولا يتأتى سواه.

ولقد أجاد وأفاد شيوخ الإقراء قديما وحديثا بإعلانهم المغايرةَ بين الضاد والظاء وبتوهين الضاد الضعيفة التي كالظاء ومنهم الحجة المقرئ أبو حاتم السجستاني (ت 255هـ) واعتبر من العجمة النطق بالضاد ظاء، وأبو سعيد السيرافي (ت 368 هـ) واعتبرها لغة قوم ليس فيها حرف الضاد فاعتضلت على ألسنتهم، وأبو الحسن الرماني (ت 384 هـ) في شرحه كتاب سيبويه واستقبح الضاد الضعيفة التي كالظاء، ومكي بن أبي طالب القيسي (ت 437هـ) واعتبرها تبديلا وتغييرا وإخلالا بالقراءة، وأبو عمرو الداني (444هـ) وأكَّد على إخلاص الضاد من الظاء وإخراجه من مخرجه، وعبد الوهاب القرطبي (461هـ) الذي وصف بالتبديل إخراجها ظاءً، وابن يعيش (ت 643هـ) واعتبر الضاد التي كالظاء ليست بشيء وإنما هي من لغات الأعاجم، وابن عصفور (ت 669هـ) الذي استرذل نطق الضاد ظاء، وغيرهم من المحققين.

ولا يعني شيئا اتفاقُ الضاد والظاء في خمس من الصفات هي: الجهر والرخاوة والاستعلاء والإطباق والإصمات، إذ قد اتفق اللام والراء في ست صفات هي: الجهر والتوسط والاستفال والانفتاح والذلاقة والانحراف، واتفق الكاف والتاء في جميع الصفات وهي: الهمس والشدة والاستفال والانفتاح والإصمات، واختلفا مخرجا، وكذلك النون والميم اتفقا في جميع الصفات وهي: الجهر والتوسط والاستفال والانفتاح والذلاقة، واختلفا مخرجا.  

الموضوع من تقديم: الحسن محمد ماديك

صاحب مدرسة في التفسير والقراءات وفقه المرحلة