رُتّب للجمع الكريم لقاءٌ في مقر جمعية المستقبل الموريتانية التي استقبلت فضيلة رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين ونظمت له كما قد قدّرتُ سلسلة محاضرات ودروس في نواكشوط...كان دخولي إلى مقر الجمعية متأخرا عن الجمع الكريم...ورمقت عيناي أثناء الدخول ورقة ألصقت على حائط الجمعية تفيد أن الجمعية تعتزم إصدار مجلة علمية محكمة تعنى بشؤؤن الفكر والثقافة الإسلامية...فسرني ذلك وراقني هذا الإعلان..إذ قل جمعية في الوطن العربي تصدر مجلة محكمة تكون تابعة لها...تنشر أخبارها...وتنوه بنشاطها...وتكون منبرا علميا لبحوث ودراسات علمية محكمة تنشر على صفحاتها...ودلفتُ المقرَ فلقيني الشيخ عمر...وقال:" التحق بالجمع الكريم "، وأشار إلى قاعة المحاضرات...وأمر من كان بجانبه أن يرافقني إلى حيث مكاني داخل القاعة تكرمة وحفاوةً... كان مقر الجمعية حديث البناء، جميل العمارة، حسن التنظيم والترتيب...جلستُ حيث انتهى بي المجلسُ...وأصختُ السمعَ إلى المتكلم الذي كان يتحدث وكان مسؤولا عن الجمعية ـ ولستُ أتحقق الآن منصبه فيهاـ بلسان عربي مبين...عن الجمعية ودورها ومهمتها في المجتمع الموريتاني...وعن موريتانيا وطبقات المجتمع فيها...ثم لما أتمَّ كلمتَه رغب إلى الجمع الكريم من المشاركين في المؤتمر أن يقول كل أستاذ كلمة بمناسبة زيارته للجمعية...فتقدم الجمعُ الكريم واحدا تلو الآخر كلٌّ يقول بحسب ما يفتح عليه...يشكر موريتانيا وأهلها...ينوه بالقائمين على الجمعية ويذكر من جهودها في السعي في مصالح المجتمع...بيْد أن الذي كان مثيرا في كلمته ولا أحاشي أحدا من السادة الأساتذة الفضلاء....مغربا في استفتاحه لكلمته فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد شكري من الجامعة الأردنية الذي قال في أول كلمته:" أنا من الآن اسمي أحمد ولد شكري..." ذهابا منه حفظه الله إلى أن موريتانيا وأهلها قد اختلطتْ بالروح، وأنسَتْ بها النفسُ...وصارت حاضرة بقوة في الذاكرة العربية الإسلامية...ومعلوم أن إخواننا في موريتانيا يغلب عليهم استعمال ولد بعد الإسم الشخصي حتى أصبح ذلك علامة دالة على الأصالة الموريتانية والعرق الشنقيطي الأصيل..فكان ما ذكره الأستاذ الدكتور نادرة من النوادر وطرفة عجيبة من طرائف هذا المؤتمر...
 أثرت فيَّ كلمتان من كلمات الجمع الكريم في ذاك المحفل الجليل...الأولى للشيخ حسن محمد ماديك، والثانية للشيخ علاوة محمد زيان من الجزائر...كانت كلمة ماديك مرتجلة ذكر فيها العناية بالقرآن وعلومه وأفاض في ذكر المتربصين بالكتاب العزيز من الحداثيين الذين يريدون قراءته قراءة معاصرة ...وفهمه فهما جديدا مخالفا لفهم المنزَل عليه http://vb.tafsir.net/images/smilies/slah.png بدعوى التجديد والتحديث والإجتهاد ومسايرة مقتضيات المدنية والتطور؟؟!!! ثم اغرورقت عيناه عندما خلُص إلى ذكر مؤتمر الجديدة بالمغرب وما قد راج فيه من استعمال الهريمونيطيقا منهجا لقراءة القرآن بأعين جديدة ...وألسنة جريئة...وأفهام للإسلام ظالمة...وعقول لثوابته دافعة مكذبة...وذكر أن فلانا وفلانا من أهل المغرب قاما ـ وقد حضرا المؤتمر ـ كالأسديْن الجسوريْن يردان الهراء الذي قد قيل..ويدفعان الباطل الذي قد أريد أن يؤصل منهجا جديدا لفهم القرآن الكريم...وأنهما إنما فعلا ذلك انتصارا لله ولرسوله ...وذكر من بلائهما وشكَر سعيهما ...شكرَ اللهُ لهُ وجعلَ ما أبليا في ميزان حسناته...
أضحك الله سنك ياشيخ ماديك كما أضحكتني وأنا أهُمُّ بمواصلة الكتابة...وجمعنا وإياك في مستقر رحمته على سرر متقابلين...وباعد بيننا وبين الحداثيين، واللادينيين...والهريمونوطيقيين القائلين في القرآن الكريم قولا منكرا...يحسبونه نصا من النصوص...وقطعة أدبية من المقطعات...وكلا بل هو كتاب مبين ...لا يقوم له إلا الراسخون ممن زاحموا العلماء بالركب...وهجروا المضاجع في السَّحر قبل الفجر يقومون به آناء الليل وأطراف النهار....وتلوه بالسبع أو العشر...أوبما صح عن رسول الله http://vb.tafsir.net/images/smilies/slah.png وتواتر...وحفظوه حفظا متقنا لا يخرمون منه حرفا...وعملوا بما فيه من أحكام ولم يقولوا إنها لا تصلح لهذا الزمان...ولم يؤولوها تأويل الباطنية الجدد فقالوا الصلاة يوكا..والزكاة تضامن...والصوم رياضة ودواء وترياق...والحج سياحة وتجوال..والحجاب حجاب القلب عن المعصية والزور والبهتان....بل قالوا آمنا به كلٌّ من عند ربنا صالح في ذاك الزمان وهذا الزمان....وما سوف يأتي من زمان...
اللهم آمين...
 كانت الكلمة الثانية للشيخ محمد علاوة زيان ...وصف الشيخ فيها حال الأمة الإسلامية البائس الذي لا يبعث على الفرح والسرور...إذ كيف يُفرح بتشتت الأمة وتفرقها...وقد كانت قبلُ أمة واحدة يسير الراكب فيها من شنيقط إلى الحجاز في رحلة عبر صحراء قاحلة مجدبة..لا يرى فيها إنسان...ولايرافقه ركب...لا يخشى إلا الله والذئب على شياهه..لاحدود ولا حواجز ...ولا تأشيرة ولا إذن مسبق للدخول إلى التراب الوطني...إذا ترنح طائر في أقصى شرق الأمة على حدود الصين ساقطا...أجابه آخر في أقصى الغرب على رؤوس جبال البيرينه بفرنسا...تُرى أين ذهبت هذه الدولة الواحدة وتلك الصولة القوية...وما المُذْهب لها؟؟ واصل الشيخ كلمته وذكر صراع الإخوة المتجاوريْن ...فانحبس صوته...وانقطع ...ولم يقو على المواصلة...وشرق بريقه وكأنه يبكي سلمه الله...بل بكى وأشجى، وحزن وأحزن، وأسفَ وبعث على الأسف!!
أذكرني ذكر الهيرومونيطيقا التي وردت على لسان الشيخ ماديك في لقاء جمعية المستقبل في نواكشوط، بكلمة كان قالها رجل فاضل ـ يبدو أنه عالم من علماء جهة دُكاَّلة في المغرب ـ في مناقشات إحدى جلسات مؤتمر الجديدة بالمغرب عن القراءات المعاصرة للقرآن الكريم ـ وكنت أود التعليق عليها بيْد أنه لم يفسح لنا في وقت التعقب والإنتقاد...قال الرجل وهو لا يسعفه لسانه في النطق بهيرومونيطيقا ويسميها اسما عجيبا لأنها لاتستقيم على لسانه...كما لم تستقم على لساني أيضا...:" إننا لا نخاف من استعمال هذا المصطلح الأجنبي عن ثقافتنا، ولا نخوف منه، وندعو إلى استعماله منهجا للنقد والقراءة ما لم يكن فيه إثم أو بأس، فلقد درسنا في المدارس العتيقة العلوم الشرعية...وغيرها من علوم اللسان والآلة..كما درسنا العلوم العقلية من فلسفة ومنطق الذي كان يسمى حينئذ إيساغوجي وكانت الكلمة صعبة على ألسنتنا حتى ذللها الإستعمال، ويسرها التوظيف...فأصبحت هينة طائعة...وعربية فصيحة..."؟؟؟ ومرت كلمة الرجل دون تعليق أو نقد مع أن ظاهرها السلامة، والنية الحسنة..ولا نقول في الرجل إلا خيرا...ونحسَبُه من أهل القرآن لفصاحته وبلاغته وإحسانه قولا ومنطقا...بيد أن المقارنة بين إيساغوجي وبين تلك التي لا تكاد تستقيم على اللسان ولا على القلب والجنان...مقارنة ظالمة...والقول بأنه كما جازت تلك فهذه جائزة قول جائر، وعن العدل مائل...فعلم المنطق مركب في الفطر السليمة,,وأصوله وقواعده المنضبطة لا تعارض ما عندنا...لأن ما عندنا لا يعارض صريح المعقول...سمه ما شئت منطقا أو إيساغوجا أو ...أو..كل ذلك ليس يهمُّ ...لكن إذا كانت الهيرومونيطيقا منهجا نقديا للنظر في النصوص الدينية القديمة المحرفة...فهل جائز استعمالها منهجا لقراءة القرآن الكريم بدعوى أنها مادامت استعملت هناك جازت هنا...فهل القرآن الكريم نص ديني قديم محرف؟؟؟ اللهم إن هذا منكر من القول يدفعه نورالعلم في عصر العلم قبل أن تدفعه هداية الإيمان...
كانت نواكشوط عاصمة موريتانيا مدينة فسيحة الأرجاء، مترامية الأطراف، متسعة اتساع الصحراء التي توجد فيها، والسماء النقية الصافية التي تأوي تحتها...بين كل حي من أحيائها فراغ من صحراء مجدبة، ورمال حارقة ملتهبة....وأعجب ما فيها عدم استبحار العمران فيها استبحارَهُ في كثير من عواصم العالم...ولذلك لم يتجاوز عالي بنائها هامات السحاب، بل بناؤها منخفض..فأكسبها ذلك امتدادا أفقيا...بحيث تُرى كلُّها أو جزءٌ كبيرٌ منها من شاهق ليس إليه المنتهى في العلو...وجوُّها حار يوم أن كنا فيها...تشتد حمارة القيظ فيها حتى أقصى حد...فليس ينفع حينئذ إلا ظلٌّ ظليل، وماءٌ يسقى الظمآن الغليل..ومكيفٌ يأتيك بالزمهرير...وفي الحق ما كنا نشعر بالحر إلا لماما لأننا بين غرفة فندق مكيفة وبين قاعة جلسات باردة...حتى إذا خرجنا ركبنا سيارة رباعية الدفع ذات تكييف بارد...كانت نواكشوط مزدحمة الشوارع والأزقة بالناس...فهي عاصمة البلاد..وفيها مؤسسات الدولة...وبها تقضى مصالح وحاجات الخلق...وأغربُ شيء رأيته في شوارعها ازدحامها بالسيارات الكبيرة الفارهة والصغيرة وغير ذلك...ولعل للحر في ذلك دوْرٌ...إذ قضاء حاجة في الحر بالسيارة أهون من قضائها مشيا على الأقدام ولو قربت الديار، وتضاءلت المسافات...ونواكشوط مدينة ساحلية ممتدة على المحيط الأطلسي وإن كنت أقدّر كما فهمتُه من الجمع الكريم أن البحر بعيد عنها قليلا...ولذلك كانت أرزاق البحر وخيراته بادية على موائدها وفي طعام أهلها...فالسمك ـ ونعم اللحم هوـ أغلبُ طعام أهل البلد ..حتى إنهم يتدافعونه سآمة وإملالا..لا كراهية وضجرا وزهادة وجحودا...فلقد سمعت الشيخ ماديك يقول ونحن جلوس على مائدة فيها سمك وغيره:" فأما هذا ويشير إلى السمك...فنحن تعودناه ..".
تعد الثروة السمكية الموريتانية من أغنى الثروات الموجودة في عالم البحار في العالم...لامتداد شواطئ موريتانيا على طول يزيد على 700كليو ...وعلى هذا الإمتداد توجد ثروة سمكية عظيمة فيها أكثر من ثلاثمائة نوع من السمك...وهذه ثروة عظيمة وخيرات جزيلة لا تقدر بثمن يجب استغلالها لنفع العباد والبلاد...

لقيت في هذا المؤتمر العلمي المبارك جمعا من اهل العلم الذين شرفت بالتعرف عليهم ، وكانوا من بلاد مختلفة فأولها وأحقها بالذكر لشرف المكان وطيب الموضعين: مكة وطيبة...الحجاز من السعودية، وثانيها مما هو منها أقرب من الأردن بلد النخوة والشهامة وأرض الرسالات ومدفن الصحابة الكرام ومنطلق الفتوحات..، وثالثها من الجزائر بلد المليون شهيد والجار المصاقب...وكان المؤتمر فرصة مباركة لتبادل الرأي حول موضوعات علمية مختلفة...تطرح في الساحة الثقافية والعلمية اليومَ...كما كان فرصة سانحة للتعرف على الكتب المطبوعة حديثا التي أصدرها المشاركون في المؤتمر في موضوعات مختلفة في القراءات والتجويد والفقه وقضاياه والقرآن وعلومه..وغير ذلك...وكنت أهادي من يعطيني كتابا بكتاب من كتبي...إلا أن يفنى ما عندي فأدعو للمُهْدي وأعده بنسخة من أحد كتبي إن جمعنا الله تعالى في لقاء قريب...ومن الكتب التي حزتها وتملكتها بالمنحة والعطية والإهداء...كتاب:" أبحاث معاصرة في الفقة الإسلامي واصوله دراسات مقارنة...للدكتور القارئ محمد خالد منصور" وهو من مطبوعات دار عمار بعمان، والكتاب من جزأين جمع فيهما الباحث جملة من أبحاثه العلمية المحكمة التي نشرت في سنوات خلت في مجلة:" دراسات بالجامعة الأردنية" ، و" مجلة كلية الشريعة بالكويت"، وهي في جملتها بحوث في قضايا الفقه المعاصر فيها جدة وطرافة واجتهاد...جزى الله منشئها ونفع بها الشادين والمنتهين...
خيرُ ما يُهدى للأستاذ الباحث في أسفاره وتجواله ورحلاته وتطوافه..كتابٌ لا علم له به، أو ديوانٌ لم يكن منه على ذُكْر..ولقد أتحفني بعض الإخوة المشاركين بجملة منالكتب كانت أغلى ما حملته معي من موريتانيا ...فمن ذلك كتاب أهدانيه د/ محمد خالد منصور من الجامعة الأردنية ،وسمَه بـ: أثر تقنية المعلومات في تعليم القراءات والتجويد"وشفعه بقرص ممغنط فيه ختمة مرتلة برواية حفص عن عاصم بصوت الدكتور القارئ كما أنه احتوى على تعليم للتجويد بطريقة حديثة ميسرة..وأمور تقنية أخرى تخدم القرآن الكريم أداء وتجويدا..وبالجملة فالكتاب غريب في موضوعه، عجيب في طرحه وعرضه..طريف في تناوله وتهديه...تقبل الله من مخترعه سعيه وكتب له بالذخر، وأجزل له به المثوبة...
وأهداني د/ إبراهيم بن صالح الحميضي الأستاذ المشارك بقسم القرآن وعلومه بجامعة القصيم كتابه " آداب المصحف" ولعله باكورة كتبه، في طباعة أنيقة، وإخراج جميل، يخلب اللب والعقل...من سلسلة بحوث محكَّمة من مطبوعات جامعة القصيم...والكتاب فريد في بابه بين أشكاله، قد جمع مادة علمية مهمة قد تفرقت في مصادر في هذا الباب معروفة..فكان للأستاذ الدكتور فضل الجمع والعرض والتحليل...مع التنظيم والإخراج الجديد الذي يناسب روح العصر...مع مباحث جديدة تتعلق مثلا أدب التعامل مع المصاحف المسجلة والحاسوبية وغير ذلك...فجزى الله المؤلف خيرا لقاءَ ما أحسن وأبدع...
وأهداني د/ عبد العزيز بن سليمان المزيني أستاذ القراءات المساعد بقسم القرآن الكريم وعلومه بجامعة القصيم الشاعر المفلق كتابه عن" مباحث في علم القراءات " ..فتأملتُ الكتاب في نواكشوط لأنه شدَّني بحسن التَّقسيم والترتيب وببراعة التَّهَدي لموضوعات في القراءات قلَّ من عرَّج عليها أو بحثها، أو بحثثت بيد أن بحث المزيني فيه تجديد وانتهاء إلى آراء في المختلف فيه...ولقد أخبرت الدكتور الفاضل أنه إن أسندت إلي مادة القراءات تدريسا لتاريخها ومباحث فيها، فلن أعدل عنه مقررا وكتابا طلابيا جامعا...وكان الدكتور مع الذي وقع له في هذا الكتاب الرائع الممتاز..جم التواضع، كثير الهضم للنفس...ينعت ما ألف بأنه " خرابيش"...وكلا بل إن ذلك هو العلم الصريح...الذي يفتح به الجليل الرحيم، معلّم آدم ومفهّم سليمان...سبحانه سبحانه...
وأهداني الأستاذ الدكتور عبد العلي المسؤول من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس كتابه:" الإيضاح في علم القراءات" اشتمل على مباحث في القراءات جليلة في تعريفها وأركانها والتأليف فيها ووسائل هذا العلم ومقاصده وبيان حكم القياس في القراءات وتوجيهها وغيرذلك...فأفاد وأجاد وبلغ الغاية والمراد..
وأهداني د/ عبد العزيز المزيني أيضا كتابه:" الهبة العلية شرح الروضة الندية" وهو عبارة عن شرح لنظم نظمه فيما خالف فيه شعبة حفصا عن عاصم، قال الناظم بعد الإفتتاح:" ...
وبعد فهذا كل خُلف لشعبــة عن الحبر حفص متقنا ومفصلا
على ما أتى في الحرز يروى لعاصم وكل اتفاق كان بينهما اهملا
والقصيدة كلها لامية تحاكي حرز الأماني ووجه التهاني للشاطبي http://vb.tafsir.net/images/smilies/rhm.png...
فجزى الناظمَ الشارحَ ونفع بها من قرأها أو حفظها أو شرحها أو قرأ بموجبها...
 ومما أهدي إلي من قبل بعض طلبة المحظرة لوح قرآني رائع قد كتب فيه أول حزب سبح، فكتبت فيه سورة سبح، واللوح المعهود في موريتانيا طويل حجمه...لا عرض له، بحيث ليس يتسع اتساع اللوح المغربي..وعادتهم في الكتابة وآلتها والمحو كعادة المغاربة...والحفظ كما هو معلوم في اللوح أبقى...وفي غيره أذهب...كما دلت عليه التجارب والأخبار المستفيضة..وشهدت عليه الوقائع والإفادات المشهورة...
من طُرف هذه الرحلة ما أتحفنا به الشيخ عمر الفتح ـ وكنا راكبين في سيارة وكان هو مترجلا أطل علينا من نافذة السيارة ـ ولم نبتدئه بشيء يُفهم منه رغبتنا في سماع الطرائف، بيْد أنه سلمه الله أراد دفع السآمة عنا وإراحتنا من الجد الذي ملأ علينا حياتنا طيلة أيام المؤتمر، قال:" أوقفني شرطي المرور ذات يوم، وأنا أسوق السيارة، فقال ماتوجهك؟؟ يريد السؤال عن الوجهة المكانية...قال الشيخ عمر فقلت له:" توجهي إسلامي"!!!!
 كانت نواكشوط تزخر بالأسواق العامرة بألوان المعروضات من لباس وأحذية وطعام وخضار وغيرذلك...وكان كل ذلك معروضا في الحوانيت أو في الأرض...وكانت زيارتي لأحد الأسواق المحلية في نواكشوط لشراء هدايا للأهل ..عساها تشفع لي عند من طالت غيبتي عنه...فكانت فرصة سانحة للتعرف على أسواق نواكشوط والوقوف على ما يباع فيها من خيرات كثرت معروضاتها وتفنن بائعوها في وضعها وترتيبها...وكان مرافقنا عثمان سلمه الله شابا في مقتبل العمر...كثير التبسم ...بادي البشر...صبورا على الجواب عن أسئلتنا المتعددة...قد غاب عن أهله من أيام ساعيا في مرافقتنا وخدمتنا...رافقنا عثمان إلى أحد باعة السراويل الموريتانية المعروفة باتساعها وألوانها البيضاء والزرقاء..مع ما قد طرزت به من ألوان الخيط الصحراوي المميز...فقضينا وطرنا منها ...وحملنا منها معنا هدايا لبعض أهلينا...وكان ما قد علمناه من عثمان أن السوق الموريتاني مشهور ببيع الفضة...بيد أننا اجتهدنا أن نقف على الجيد الموثوق به فلم نجد إليه سبيلا لإقفال محلات بيع الفضة لتأخر الوقت وغروب الشمس...
وكان السوق آخر معلم زرته من معالم نواكشوط قبل أن أستقل طائرة العودة بساعات قليلة....
أزفت ساعة المغادرة...وآذن الركب بالرحيل...إذ لابد لكل مسافر من أوبة...ولكل راحل من عودة...ولكل غريب من لقاء بأنيس...كانت ساعة مغادرتي لنواكشوط مع د/ محمد خروبات حسْبُ على الساعة الثالثة وأربعين فجرا أو سحرا...وكنا قد تقدمنا إلى الجمع الكريم الذي لم يكن مقيما معنا في نفس الفندق مسلّمين ومودّعين عشية المغادرة خارج دار الشيخ ماديك العامرة...فسلمنا وتعانقنا وتواعدنا لقاءات علمية قادمة...وتصافحنا وتسامحنا إذ ربما قدّر لنا الإجتماع في هذه الحياة بعد الإفتراق...واللقاء بعد البيْن مع بُعد الدار وشطّ المنزل والناد...كانت قوْمة السحر قبل الفجر بوقت ليس بالقصير صعبة...مع السهر والنوم المتأخر لداع أوجب ذلك اضطرارا لا اختيارا ..فاضجعتُ لساعة أو يزيد قليلا قبل الموعد المحدد..فلم يرُعْني إلا والدكتور محمد خروبات يدق عليَّ باب الغرفة..يقول قد أزف الوقت...فأجبته من غيرقيام أنْ قدْ أبلغتَ والواجبَ قد أديتَ...دلالةً مني على أنني صاح غير نائم....كان من المقرر أن يصطحبنا إلى المطار بابا ـ وهي بترقيق الباء فيهما معا لا بتفخيمها كما أفادنا صاحب الإسم ـ الشاب الوسيم الذي كان في صحبتنا طيلة الرحلة..ونشأت بيني وبينه مودة وأخوة قواها جو المرح والمزاح الذي كان بيننا...وكنا قد تقدمنا إليه ليلة السفر أن يأتينا في الموعد المحدد على أن نتصل به هاتفيا ...فلما جاء الموعد اتصلنا به فكان لايرد فجزمنا أنه نائم...وتكرر ذلك منا ...والرجل في كل مرة لا يرد..فاقتضى صحيحُ نظرنا وقد صرنا قاب قوسين أو أدنى من موعد إقلاع الطائرة أن نتصل بعثمان صديقه...فماهو إلا أن رنَّ الهاتف رنة...حتى أجابنا الشاب..وقد فهم سبب المكالمة..وقال أنا آت إليكما على جناح السرعة...حدث كل هذا ونحن في الدور الأول من أدوار الفندق...بيْد أننا قررنا النزول إلى الدور السفلي لكي نكون أقرب إلى الباب..فنربح وقتا...ونيسر على عثمان أمرا...فما إن نزلنا حتى كانت المفاجأة التي من أجلها قصصتُ هذه الشذرة الأخيرة من شذرات الرحلة الرستمية إلى الديار الشنقيطية...إذ لما نزلنا ألفينا بابا نائما في مدخل الفندق على أريكة وُضعت هناك....فسُقط في أيدينا ...وأكبرنا الشاب...وصعُبَ علينا أن نوقظه...بيْد أنه شعر بمكاننا فقام مسرعا...فقلنا" عليك بالسكينة لابأس عليك إن شاء الله...فما إن أتممنا كلامنا حتى دخل عثمان الفندق...فاجتمع الإثنان على أمر واحد فخيرناهما أيهما يوصلنا إلى المطار...فاختار بابا أن يفعل...فودعنا عثمان...وخرجنا بالسيارة مسرعين...وفي ظلمة الليل مدلجين...وإلى المطار قاصدين...وهناك ودعنا من رافقنا ..وودعنا معه أحبة لنا وامقين...وفي خدمتنا كانوا طيلة أيام المؤتمر ساعين..شكر الله سعيهم ونوَّر وجوههم...وجمعنا وإياهم في مستقر رحمته...آمين آمين...والحمد لله بدءا وختاما وصلى الله وسلم على نبينا محمد المبعوث إلى الخلق طرا نذيرا وبشيرا بين يدي الساعة، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا...
تمت الشذرات المرضية في الرحلة الرستمية إلى الديار الشنقيطية

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Top