حرف اللام:
ورد في تفصيل الكتاب المنزل لحرف اللام قبل الفعل بصيغة الاستقبال عدة معان منها:
أوَّلا: حصر استعمال ما قبلها على ما بعدها، وكذلك دلالة الذكر من الأولين في قوله ﴿وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ﴾ [يونس 88] ويعني شكْوى موسى طغيان فرعون وملئه باستعمال الزينة والأموال في الضلال والإضلال عن سبيل رب العالمين أي عن موسى ورسالته بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء، ومن المثاني مع دعاء موسى دعاء نوح من قبلُ كما في قوله ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ﴾ [نوح 26 ـ 27].
ومن المثاني مع قوله ﴿رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ﴾ في يونس قوله في خطاب هذه الأمة أي وعدا في الآخرين:
﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِـمَا ءَاتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [النحل 53 ـ 55]
﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِـمَا ءَاتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت 65 ـ 66]
﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِـمَاءَتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [الروم 33 ـ 34]
﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الذِينَ كَفَرُوا أَنَّـمَا نُـمْلِي لَـهُمْ خَيْرٌ لِّأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُـمْلِي لَـهـُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْـمًا﴾ [آل عمران 178]
وتعني أحرف النحل والعنكبوت والروم أن البشرية ستُبتلى بعد نزول القرآن بنِعم وافرة وأن سيمسُّهم الضرّ ويومئذ سيجأرون ويضرعون ويدعون ربهم منيبين إليه بعد أن أيقنوا عجْزَ الشركاء عن كشف الضر فإذا كشف ربُّهم عنهم الضر والكرب وعادت إليهم طمأنينتهم وما أترفوا فيه من النِّعَم عادوا لما نُهُوا عنه من الكفر والفسق والعصيان واستعملوا نِعْمَ ربهم يستغرقونها ليكفروا ويتمتعوا فيها، واستعملوها في الشرك كفرا منهم بالذي نـجّاهم من الكرب والضر لئلا يتقيّدوا بالخطاب المنزل اختيارا منهم أن يتمتعوا بلا قيد ولا شرط.
ويعني حرف آل عمران أن الذين كفروا يستعملون النعم التي يمتّعون بها يستغرقونها في المعصية يزدادون بها إثـما يدخلهم في عذاب مهين.
وإنّ قوله:
﴿فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [براءة 55]
﴿وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [براءة 85]
ليعني أن الله أخّر العذاب في الدنيا عن طائفة من المنافقين الأولين الذين عاصروا النبوة وتنزُّل القرآن، ووعد أن يعذِّب في الحياة الدنيا طائفةً منهم يسدرجُهم بالأموال والأولاد يفتتنون بهما عن التذكرة يومَ يُـحْدِثُ اللهُ ذِكْرًا فيعذِّبُهم في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون.
من كتابي معاني المثاني "معجم معاني كلمات القرآن وحروفه ومضمراته"
يتواصل
الحسن مـحمد ماديك
باحث في تأصيل القراءات والتفسير وفقه المرحلة

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Top