القسم الأول "مثاني المعاني"
مثاني كلمات القرآن وحروفه ومضمراته
بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله ومَن والَاه، وبعد:
فقد قرّرْتُ منذُ عشرين سنة تجاوُزَ القراءاتِ الأدائيَّةَ إلى توظيفِ تلاوتي القرآنَ لنفسي في تأمُّلِ دلالاتِه ومعانيه تدبُّرا قَلَبَ من موازينِي وتصوّراتي رأسًا على عَقِبٍ إذ تبيّنتُ من الْخطابِ في الكتابِ الْمُنزّل التكليفَ بالإيمان بالكتاب كلِّه والتكليفَ بالإيمان بالغيب في سياق المغايرة بين الغيب وبين الآخِرَةِ (البعث والحساب والعقاب).
وألزمَنِـي التّفرُّغَ لهذه الموسوعة خُلُوُّ التفاسير قديمها وحديثِها مِن تفصيلِ الغيب في القرآن رغم تكليف البشريّة بالإيمان به قبل أن يُصبح شهادة قبل انقضاء الدنيا، ولعل الباحثين عن الحقِّ بالعلم ينتفعون بهذه الموسوعة يوم يأتـي بَعضُ ءاياتِ ربِّنَا الخارقة للتخويف والقضاء بين الفُسطاطَيْنِ بتمكين الذين يُؤمنون وإلحاق الذين يُكذِّبون بسَلَفِهم من الأحزاب قوم نوح وعادٍ وثمود وأصحاب مدين وفرعونَ وأوتادِهِ.
وتمكنتُ بفضل الله عليَّ ـ بتفرُّغِي ـ من تأصيل تفسير القرآن العظيم في خمسة أقسام كالتالي:
القسم الأول: "مثاني المعاني" رتَّبْتُ فيه كلماتِ القرآن وحروفَه ومضمراتِه ترتيبا يُقَرِّبُ الباحثَ المتأمِّلَ مِن دراية تفصيل الكتاب المنزّل الموصوف بالمثاني:
﴿وَهُوَ الذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا﴾[الأنعام 114]   
﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ﴾[الأعراف 52]   
وباستثناء الْـهَدْيِ النبويّ وفِقْهِ لِسان العرب فلن يحتاجَ المتدبّرُ لِتبيُّنِ معاني القرآن إلى رأي أو فلسفة أو تقليد.
ولعلّ مُتدبّرا يتأهَّلُ بـجُهدي في ترتيب "المثاني" فيستنبطُ مِن رُشْدِ القرآن وهَدْيِه أقومَ مِن فهمي وتدبُّرِي، أو لعله يُرتِّبُ المثانِـيَ في بعض المعانِـي بَأقوَمَ مِن ترتيبـي.
وَلَـم أعتبرْ مِن الْـمُضمراتِ مَا تعارف عليه النحاةُ إذْ لَا مُضمَرَ في قوله تعالى ﴿سُبْحَانَهُ﴾ بل ألْـحَقْتُه بمادّة ﴿سُبْـحَانَ اللهِ﴾، ولا مُضْمَر فِـي مادَّة ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ﴾[ص 76] بلْ أَلْـحَقتُهُ بمادة مقالة إبليسَ.
وإنَّـمَا الْمُضْمَرَاتُ في تصوري هي ما خفيتْ دلالته كما في قوله تعالى:
﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ﴾[هود 17]
﴿وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْـحَقُّ﴾[الأنعام 73]
﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْـحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِـي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾[مريم 39]
﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِـي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـذَا وَلَـهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَـهَا عَامِلُونَ﴾[قد أفلح 63]
﴿وَفِـي هَـذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ﴾[الحج 78]
وألْـحَقْتُ المضمراتِ بالمثاني التي تتبَيَّنُ بها دلالتُها ومعانيها.
وخصصتُ الجزء الأول من "مثاني المعانـي" للأسماء الحسنـى، مبتدئا باسم الله ثم باسم رب العالمين وألْحَقْتُ الأفعالَ والصفاتِ المسندةَ إلى اللهِ ربِّ العالين بالأسماء الـحُسنَى لتِبيانِها بها تِبْيَانًا شافيًّا كافيًّا، ورتّبتُ سائرَ الأسماءَ الْـحُسنَـى كسائرِ كلماتِ القرآن وحروفِه حسب الترتيب الأبجدي مُفْرِدا كل معنى مِن غير اعتبار حركات الإعراب وبناء الكلمة.
القسم الثاني: "معاني المثاني" خصّصتُه لتبيان معاني كلمات القرآن وحروفِه ومضمراته ومن عجائبِه سلاسةُ إِظهارِ الدّلَالة اللسانيّة لكلمات القرآن بـمَثاني أبدأ بها مادَّةَ الكلمة.
القسم الثالث: تجديد أصول التفسير وبيّنْتُ فيه القواعد العامّةَ التي استنبطتُها من تتبُّع المثاني فألفيتُهَا تطَّرِدُ ولا تَنْـخَرِمُ، ولعلّ باحثا يأتي بعدِي مُعاصِرًا أَو متأخِّرا فيُبْصِرُ بالْبَصَائِرِ مِن رَّبِّهِ أبْعَدَ مِـمَّا أَبْصَرْتُ وتبَيَّنْتُ.
القسم الرابع: "مِن تفصيل الكتاب" أظهرتُ فيه تفصيلَ الْـمَثانِـي وتتابُعَ السيّاق في السُّورة الواحدة وترتيبَ السور وَالْـمِحورَ الذِي تدور حولَه كل سورة.
القسم الخامس: "مِن بيان القرآن" أظهرْتُ فيه مِن دلالات الغيب ومُقْتَضَى الفواتح لا تأويلها الذي لا يزالُ غيْبا.
وإنّما افتقارُ الْبشريّةِ اليومَ إلى موسوعة تُـمَكّنُ الباحثين الْمُسلمين ومِن سائر الأديان والْمِلَلِ والنِّحَل على السّواءِ مِن تتبُّعِ الْمَعنَى والدّلالةِ في جَذْرِ الكلمة الواحدة وفي غيرِها من الكلمات التي اختلف جَذْرُها ومبناها ويتّضِح بهما المعنى أكثرَ فأكثر كما تتضِحُ ملامحُ ذي الصورة بتعدُّدِ زوايا تصويرِها في مواطنَ كثيرةٍ، وهذه نماذجُ ما امتازَ به كتابي هذا "مثَانِـي الْـمعانِي":
ـ في مادّة خلود أهل الْـجَنَّةِ بدأتُ بِـحَصْرِ الوصْفِ ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ ثم لِتِبيَانِ المعني وإيضاحِه أتبعتُه بالمثاني  معه ﴿مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا﴾[الكهف 3] وقوله ﴿وَمَا هُم مِّنْهَا بِـمُـخْرَجِينَ﴾[الحجر 48] وقوله ﴿الذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْـمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِه لَا يَـمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَـمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾[فاطر 35] إلى نهاية الاستقراء.
ـ في مادّة "قـبـر" بدأتُ بقوله ﴿ثُـمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْـبَرَهُ﴾[عبس 21] ثم لتبيان المعنَى وإيضاحِه أتبعتُه بالمثاني ﴿فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِـيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ﴾[المائدة 31] وقوله ﴿فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي﴾[المائدة 31] وقولِه ﴿أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ﴾ [النحل 59] ثم تتبّعْتُ كلمة "القبور" حسب المعنى والسياق مُبْرِزًا الْوعْدَ بالفناء والعدم، ثم المثاني في نعيم البرزخ وفي عذابه وفي طُولِ فترة البرزخ ونفاذِ الْوعْدِ بالخروج من القبور للبعث والحساب.
وقد جمعتُ في قسم "مثاني المعاني" جميعَ كلماتِ الكتاب المنزّل وحروفِه ومضمراتِه ترتيبا جديدا ـ خلا من التكرار إلا لضرورة ـ لم تتضمّنه المعاجم قبله ولا يستفيد منها الباحث إلا قليلا لاكتفائها بِحَصْرِ مواطنِ تكرار الكلمة مرتّبة حسب ورودها في المصحف وحسبَ حركات الإعراب والاتصال والانفصال والاشتقاق والتصريف. 
ولتيسير البحث على غير الحفّاظ اضطُرِرْتُ إلى اعتماد ترقيم العدد الكوفي لِانتشاره، وإلى اعتمادِ روايةِ حفص تبَعا له، وفي النَّفْسِ شيء من اعتبار علم العدد توقيفيّا بل لا يصحُّ، إذ كلٌّ منه فاصلة لا آيَةٌ كما بيَّنْتُ في مادَّة "ءايَة" في قسم "معانِـي المثانـي".
وأشْكُرُ لِعَبْدٍ مِن عِبادِ اللهِ آنس من مصداقية  هذه الموسوعة فأعانَنِـي وكفانِـي كثيرا مِن الحاجة، فاللهَ أَسْألُ أن يُؤْتِـيَه ثوَابَ الدُّنْيَا وحُسْنَ ثَوابِ الآخِرة وَأن يَصرَعَ مَنْ أَرادَهُ بِسوءٍ وأن يُصلِح بالَهُ وأهلَ بَيْتِهِ أجمعين وَأنْ يُعِيذَهُم الضُّرَّ والكَرْبَ والسَّيِّئاتِ.
وأدعو أهْلَ الْعِلْمِ وسائر الباحثين للمسارعة إلى دَعم هذا المشروع الوَقْفِـيِّ الكبير والله المستعان وبه توفيقي وهو حسبي ونعم الوكيل.
نواكشوط 9 رمضان 1441 هـ
بقلم/ الحسن ولد ماديك
باحث في تأصيل القراءات والتفسير وفقه المرحلة ولسان العرب
رئيس مركز إحياء للبحوث والدراسات

4 التعليقات:

  1. جزاكم الله خيرا وبارك في جهدكم

    ردحذف
  2. الواو زائدة في آية العاديات .. لعله سهو من الكاتب

    ردحذف
  3. ثمرة آمنت ببرتها وطالما انتظرت قطافها ووضعها في سوق اهل الاختصاص ليظهروا الحق ويزهقوا الباطل.

    ردحذف

 
Top