دلالة سبيل الله
دراسة نقدية حول إشكالية القتل والقتال والاغتيال والحرابة

بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام رسول الله ومن والاه وبعد:
فإن من تفصيل الكتاب المنزل وهدْيِ النبوة حصرُ الأوجه المأذون بها في القتال أو المقاتلة بين كل فئتين في ثلاثة أقسام :
1.    قتال في سبيل الله
2.    قتال شرعي
3.    قتال الدفع
وسائر أنواع القتال أو المقاتلة إنما هو في سبيل الطاغوت أو الشيطان أو المال والجاه.
وقد يقع قتل ولو لم تحصل مقاتلة في الصور التالية:
ـ قتل شرعي تقوم به الجماعة ضد فرد منها أو عصابة جزاء شذوذ أو محاربة ولو لم تحصل مقاتلة.
ـ حرابة: وهي الاغتيال غدرا جهرا أو سرا من مجموعة مختفية أو فرد منها ضد المجتمع وهي من أكبر درجات الإفساد في الأرض.
ـ قتل النفس المعصومة عدوانا وظلما من فرد أو جماعة أو دولة.

دلالة في سبيل الله

إن من تفصيل الكتاب وأصول الخطاب أن ﴿سبيل الله﴾ حيث وصف به في الكتاب المنزل تكليف فإنما لبيان أن رسولا أو نبيا قد تنزل عليه الوحي ليأمر الذين آمنوا معه خاصة بالتكليف الموصوف بأنه ﴿في سبيل الله﴾كالهجرة والجهاد والقتال والإنفاق.
وإن الصدّ عن ﴿سبيل الله﴾ لم يوصف به إلا الذين عاصروا نبيا أو رسولا ومنعوا  الناس أن يؤمنوا به ويتبعوه أو أن يجتمعوا به ويسمعوا منه للتلقي أو للتأمل كما في قوله  ﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ بِهِ﴾ الأعراف، من قول رسول الله شعيب يصف نفسه ورسالته  بـ ﴿سبيل الله﴾ وكما في المثاني معه في قوله ﴿ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدّون عن سبيل الله﴾ الأنفال، يعني  قريشا يوم خرجوا من ديارهم إلى بدر ليصدّوا عن سبيل الله أي عن الرسول النبي الأمي صلى الله عليه وسلم ورسالته.
إن كلمة ﴿سبيل الله﴾ لوصف دقيق كامل لرسالة الله قبل موت الرسول.
وبانقطاع الوحي بموت الرسول فلن يصح وصف العمل بتكليف بعده بأنه ﴿في سبيل الله﴾ ولو تمثله صحابته من بعده فضلا عمن بعدهم وهكذا لم يهاجر ﴿في سبيل الله﴾ منذ نزل القرآن إلى يومنا هذا إلا من خرج من بيته مهاجرا إلى محمد رسول الله وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم في حياته إلى المدينة النبوية قبل الفتح أو أمره  بهجرة كالمهاجرين إلى أرض الحبشة في العهد المكي وكالمهاجرين إلى المدينة قبل هجرته هو إليها، ولم ينفق أو يجاهد أو يقاتل ﴿في سبيل الله﴾ عبر تاريخ البشرية إلا من وقع عليه مباشرة أمر نبي أو رسول فأطاعه.
وقد يقع من المؤمنين بعد حياة رسولهم هجرة أو إنفاق أو جهاد أو قتال شرعي ولكن ليس هو الموصوف في الكتاب المنزل بأنه ﴿في سبيل الله﴾ وليس من لم يوافقهم من المؤمنين قد صدّ عن ﴿سبيل الله﴾ أو تخلّف عن الجهاد ﴿في سبيل الله﴾،ومتى كان الصحابة الذين اعتزلوا القتال بين الصحابة في آخر الخلافة الراشدة قد تخلّفوا عن الجهاد ﴿في سبيل الله﴾ ؟
وتضمن القرآن وعدا من الله سيتحقق في آخر الأمة بالقتال في سبيل الله كما في المثاني:
ـ ﴿يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم﴾ المائدة
ـ ﴿إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم﴾ براءة
والوعد صريح في حرف المائدة بقرينة أداة الاستقبال ﴿فسوف﴾ وبقرينة صيغ الاستقبال في الأفعال الستة بعدها وبقرينة الإشارة إلى البعيد ﴿ذلك﴾.
والوعد صريح في حرف براءة وبقرينة ذكر البيعة والأمر بالقتال في سبيل الله في الإنجيل ولم يقاتل عيسى قبل رفعه فظهرت دلالته على أنه من نبوة عيسى في الإنجيل التي لم تقع بعد يوم نزل القرآن وذكَّر بها القرآن، وليقعنّ نفاذ وعد حقٍّ على الله والبشارة بنزول عيسى ابن مريم وبالقتال في سبيل الله، وقد مات موسى قبل إنفاذ التكليف في التوراة بالقتال في سبيل الله.

وتضمن الكتاب المنزل فقها لكل مرحلة
فقه مرحلة الاستضعاف

إن التكليف الأول المنزل من عند الله في المرحلة الابتدائية الأولى مرحلة الاستضعاف هو كما في قوله:
ـ ﴿ كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ﴾  النساء 
ـ ﴿ وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ﴾ الفرقان
ـ ﴿ ويدرأون بالحسنة السيئة ﴾ الرعد ، القصص 
ـ ﴿ إن عليك إلا البلاغ ﴾ الشورى
وهي نفس التكاليف المنزلة من عند الله على جميع الرسل والنبيين الذين لم يمكّن لهم في الأرض.

فقه مرحلة الدفاع
أما في المرحلة الثانية وبعد التميّز بالهجرة فقد نزل الإذن بالقتال كما في قوله ﴿أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا﴾ الحج ويعني أن الله قد أذن لهم بالقتال دفاعا بقرينة وصفهم بأنهم ظلموا أما قبل نزول حرف الحج هذا في الثانية من الهجرة فلم ينزل عليهم الإذن بالقتال ولو قاتلوا قبله لما كان قتالهم شرعيا فضلا عن وصفه بأنه في سبيل الله.
ولا يعني الإذن الأول أنهم مأذونون أبدا أي في كل وقت شاءوه أو شاءه أحدهم بقتل أو قتال من قدروا عليه من الكفار وإنما يعني أنهم قد أصبحوا في مرحلة الدفاع كما في قوله ﴿والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون﴾ الشورى، وقوله ﴿وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين﴾ البقرة، وقوله ﴿فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم﴾ البقرة، وأنهم قد تجاوزوا المرحلة الابتدائية الأولى مرحلة الصبر وكف الأيدي عن القتال.
ويومئذ يوم كان الوحي يتنزل لا يستطع إنفاذ القتال المأذون به ليجعل المسلمين عمليا في مرحلة التنفيذ غير رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يتلقى الوحي يأمره ربه بإنفاذه على فلان وفلان أو على طائفة معلومة أو على أصحاب قرية معلومة من الكفار، ويخرج الرسول صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معه في سبيل الله فإن قاتلوا ففي سبيل الله الذي أمرهم بتلك الغزوة كما هي دلالة قوله ﴿ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله﴾ الحشر، وكما في قوله ﴿إذ تحسّونهم بإذنه﴾ آل عمران، ويعني أن الله أذن لهم بذلك أي أمرهم به، وإن القتيل منهم لفي سبيل الله قد قتل.
إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخرج من بيته غازيا أو يجهز سرية أو يبعث بعثا إلا طاعة لله الذي أمره بتلك الغزوة أو السرية بذاتها كما هي دلالة قوله :
ـ ﴿ كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ﴾ الأنفال 
ـ ﴿ يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ﴾ الأنفال
ـ ﴿ ويقول الذين آمنوا لولا نزّلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال ﴾ القتال
ـ ﴿ وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله ﴾ التوبة 
ويعني أول الأنفال وأول عمران أن الله قد أمر رسوله بالخروج من بيته إلى العدو بالحق وهو الوحي من الله، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخرج من بيته اجتهادا منه أو قصد الانتقام من قريش.
ويعني ثاني الأنفال تكليف الذين آمنوا بطاعة الله ورسوله إذا دعاهم لما يحييهم وهو الجهاد في سبيل الله لما في القتل في سبيل الله من الحياة البرزخية كما في قوله ﴿ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون﴾ آل عمران، ومن المثاني معه قوله ﴿ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون﴾ البقرة، ومن المثاني معه قوله ﴿قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين﴾ يـس، وهو من الذكر من الأولين والأحرف الثلاثة ( حرف البقرة وآل عمران والأنفال ) من الوعد في الآخرين.
ويعني حرف القتال أن قد تمنى الصحابة بعد منتصف العهد النبوي أن ينزل الله سورة يأذن فيها بالقتال في سبيله مما يعني أنهم رغم نزول الإذن الأول في حرف الحج سيحتاجون قبل كل سرية أو غزوة إلى إذن آخر.
ولقد تجدد في السنة التاسعة بعد الهجرة نزول حرف التوبة يأمر بالجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك بعد نزول الإذن الأول في حرف الحج في السنة الثانية من الهجرة .
ويعني حرف القتال والتوبة أن الإذن بالقتال في سبيل الله متجدد لن يقع الإذن بإنفاذه إلا إذا أنزلت سورة يأمر الله فيها بإنفاذه على عدو معلوم مخصوص، وأن الوحي هو الذي يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقتال في كل مرة.
وإن من تفصيل الكتاب وأصول التشريع والخطاب أي من أصول التفسير التي استنبطتها أن قوله ﴿قيل﴾ حيث وقعت في الكتاب المنزل فإنما للدلالة على الوحي لا غيره.
ومنه قوله ﴿فبدّل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم﴾ البقرة، أي بدلوا الوحي الذي أنزل على موسى وهو قوله ﴿وإذ قلنا ادخلوا هـذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة﴾ البقرة.
ومنه قوله ﴿وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله  لوّوا رؤوسهم﴾ المنافقون، والقول الذي قيل لهم هو قوله ﴿ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول  لوجدوا الله توابا رحيما﴾ النساء.
ومنه قوله ﴿ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين﴾ التوبة، والقول الذي قيل لهم هو قوله ﴿فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين﴾ التوبة، وكذلك قوله ﴿سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله  قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل﴾ الفتح، ولا يخفى أن قول الله من قبل هو قوله ﴿وقيل اقعدوا مع القاعدين﴾ وقوله ﴿فاقعدوا مع الخالفين﴾،فذلك دليل تأخر نزول حرف الفتح عن حرفي التوبة.
وإلا فإنما هو قول الملائكة تخاطب المخاطب بالقول المجهل كما في قوله ﴿قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسّهم منا عذاب أليم﴾ هود، مما أوحته الملائكة إلى نوح تُنبِّئه به بعد إغراق قومه.
ومنه قوله ﴿قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا﴾ الحديد، وإنما هو قول الملائكة في يوم الدين تخاطب المنافقين والمنافقات.
ومنه قوله ﴿قيل ادخل الجنة﴾ يـس، وإنما هو قول الملائكة تخاطب الرجل الذي جاء من أقصى المدينة ليعز الرسل الثلاثة لما قتله قومه.
إن الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة هم بنوا إسرائيل بعد أن أمروا بالقتال في سبيل الله في التوراة، وتعلّق إنفاذه بسبب قولهم ﴿يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون﴾ المائدة، وبعد موسى سلّط الله عليهم عدوا جبارا أخرجهم من الديار والأبناء كما في قولهم ﴿وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا﴾  البقرة، وكان نبيهم يومها قد قال لهم ﴿كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة﴾ النساء، أي كفوا أيديكم عن القتال رغم استضعافهم واحتلال جالوت وجنوده ديارهم ورهن الأبناء فيها وإخراج الآباء منها ولم يأذن لهم بالقتال في سبيل الله إلا لمّا بعث الله لهم طالوت ملكا، وكان القتال مع طالوت هو القتال في سبيل الله لا غيره، ولو سارع بعضهم لأجل الحماس إلى القتل والاغتيال في صفوف جالوت وجنوده قبل نزول الإذن بالقتال مع طالوت لما كانوا من المقاتلين في سبيل الله وكما هو صريح حرف البقرة في قوله ﴿ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله﴾ البقرة، ويعني أن إخراجهم من الديار والأبناء لا يجعل قتال المعتدي الظالم الذي احتل الديار وأخرج الآباء ورهن الأبناء قتالا في سبيل الله.
إن أولئك اليهود أفقه في الكتاب المنزل من عند الله من فقهائنا الذين يوجبون القتال في هـذه المرحلة المشابهة لتلك، ولأنهم حانقون على العدو ولأن نبيّهم شيخ كبير فقد سألوه أن يبعث لهم ملكا أي قائدا شابا يختاره لقيادتهم ولن يفعل النبي ذلك إلا بأمر الله، وإنما سألوا نبيّهم التزاما منهم بإنفاذ الأمر لو نزل من عند الله وأنهم لن يقولوا كما قال سلفهم لموسى ﴿فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هـاهنا قاعدون﴾ المائدة.
وهكذا القول المجهل " قيل " في قوله:
ـ ﴿يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض﴾ التوبة 
ـ ﴿وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا﴾ عمران  
إنما يعني أن الوحي كان يتنزل في كل مرة يأمر الله فيها بالقتال أو النفير في سبيل الله.
وإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخرج من بيته غازيا أو يجهز سرية أو يبعث بعثا إلا طاعة لله الذي أمره بتلك الغزوة أو السرية بذاتها كما هي دلالة الأحاديث النبوية التالي:
الحديث في في مسند أحمد عن جابر بن عبد الله:أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : "... إنه ليس لنبيّ إذا لبس لَأْمَتَهُ أن يضعها حتى يقاتل".
والحديث في سنن البيهقي الكبرى عن عروة : فذكر قصة أحد وإشارة النبي صلى الله عليه وسلم على المسلمين بالمكث في المدينة، وإن كثيراً من الناس أبوا إلا الخروج إلى العدو قال: ولو تناهوا إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم  وأمره كان خيراً لهم، ولكن غلب القضاء و القدر، قال: وعامة من أشار عليه بالخروج رجال لم يشهدوا بدراً، وقد علموا الذي سبق لأهل بدر من الفضيلة، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الجمعة وعظ الناس وذكّرهم  وأمرهم بالجد والاجتهاد، ثم انصرف من خطبته وصلاته فدعا بلأمته فلبسها، ثم أذن في الناس بالخروج، فلما أبصر ذلك رجال من ذوي الرأي قالوا: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نمكث بالمدينة، فإن دخل علينا العدو قاتلناهم في الأزقة، وهو أعلم بالله وبما يريد، ويأتيه الوحي من السماء، ثم أشخصناه فقالوا: يا نبي الله أنمكث كما أمرتنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي لنبيّ إذا أخذ لأمة الحرب وأذن في الناس بالخروج إلى العدو أن يرجع حتى يقاتل، وقد دعوتكم إلى هذا الحديث فأبيتم إلا الخروج، فعليكم بتقوى الله والصبر إذا لقيتم العدو، وانظروا ما أمرتكم به فافعلوه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، وذكر الحديث، وكتبناه موصولاً بإسناد حسن.
وفيه عن ابن عباس:"ما ينبغي لنبي أن يضع أداته بعد أن لبسها، حتى يحكم الله بينه وبين عدوه".
قلت: وإنما ذلك لأن النبيّ وكذا كل نبي من قبل لم يلبس أداة الحرب أي لَأْمَتَهُ إلا بأمر الله أي بوحيه إليه ليخرج إلى الجهاد ﴿في سبيل الله﴾ لقتال عدو الله ولن يتخلف النبي  صلى الله عليه وسلم عن أمر الله ولن يضعها حتى يحكم الله أي بالوحي إليه كذلك.
قلت: ودلالة اللفظ التالي من حديث عروة "وعامة من أشار عليه بالخروج رجال لم يشهدوا بدراً"، وقد علموا الذي سبق لأهل بدر من الفضيلة "ودلالة اللفظ التالي من حديث بن عباس" فقال له ناس لم يكونوا شهدوا بدراً: تخرج بنا يا رسول الله إليهم نقاتلهم بأحد، ورجوْا أن يصيبوا من الفضيلة ما أصاب أهلُ بدر، فما زالوا به حتى لبس أداته ":
أن الذين لم يشهدوا بدرا من الصحابة انتظروا سنة كاملة على أحر من الصبر على الجمر ليقع لهم الإذن من الله بالقتال في سبيل الله ولما وقع الإذن حرصوا أن يكون القتال خارج المدينة لينالوا مثل ما نال أهل بدر من الأجر والفضيلة،ولقد كان بعض الصحابة الذين لم يحضروا بدرا قد عاهدوا الله أن يصدقوا في اللقاء ليكرمهم بالقتل في سبيل الله إذا أذن الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بقتال آخر وتأخر عنهم الإذن سنة كاملة حتى نزل الإذن بالقتال في غزوة أحد. 
وكما لم يكن للصحابة الذين لم يشهدوا بدرا أن يقاتلوا في سبيل الله ليكرمهم الله بالشهادة قبل أن يأذن لهم رسول الله بقتال آخر بعد غزوة بدر، فلم يكن أي من كبار الصحابة يملك شرعية أن يضرب رأس من قدر عليه من الكفار أو يغتاله، ولقد استأذن بعض الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم ليأذن لهم بضرب رؤوس بعض  الكفار والمنافقين فلم يأذن، ولو فعلوا دونما إذنه لما كان في سبيل الله، كما لم يكن قتل خالد بن الوليد ـ يوم بعثه النبي صلى الله عليه وسلم أميرا على سرية إلى بني جذيمة ـ بعض المشركين من القتال في سبيل الله، وإنما أعلن النبي صلى الله عليه وسلم براءته مما صنع خالد، وودى القتلى، وهل يصح اعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تبرأ من قتال في سبيل الله، أو صدّ عن قتل في سبيل الله ومنعه يوم استأذنه بعض الصحابة في قتل من اتهموهم بالنفاق؟
وكذلك دلالة الأحاديث النبوية الصحيحة التالية:
1.  الحديث المكرر في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا،ف جعل خالد يقتل منهم ويأسر ودفع إلى كل رجل منا أسيره حتى إذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره فقلت والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكرناه فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يده فقال:"اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد " مرتين.
2.  ما اتفق عليه البخاري ومسلم من استئذان عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأذن له بضرب عنق حاطب بن أبي بلتعة أن أرسل إلى أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتج عمر بقوله "يا رسول الله: قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه" ولم يأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3.  ما اتفق عليه البخاري ومسلم من استئذان عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأذن له بضرب عنق رأس النفاق ابن أبي سلول بعد أن وصف نفسه بالعزّ ووصف النبي الأمي بالذلّ وتوعد بإخراجه من المدينة.
قلت : ولعل قادة الجماعات الجهادية في هذه المرحلة مرحلة الاستضعاف يفقهون أنهم ليسوا أفضل من خالد بن الوليد يوم كان أميرا أمّره النبي الأمي صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة على سرية إلى بني جذيمة فقتل منهم من قتل قتلا ليس من الجهاد ولا القتال في سبيل الله في شيء إذ برئ منه النبي الأمي صلى الله عليه وسلم وودى القتلى.
ولعلهم يفقهون أنهم ليسوا خيرا من عمر بن الخطاب وسائر الصحابة رضي الله عنهم الذين استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة في أكثر من مناسبة ليأذن لهم بضرب من اتهموه بالنفاق ومنهم المنافقون المعلوم بالوحي نفاقهم وأنهم من أهل النار كابن أبي سلول ولو سارع بعضهم بدافع الحماس للدين وقتل منهم من قدر عليه لما كان قتله موصوفا بأنه في سبيل الله.
ولقد كانت بعوث وسرايا النبي صلى الله عليه وسلم تغزو وتجاهد وتقاتل في سبيل الله غير أنها لم تكن معصومة من الخطإ عصمة النبي صلى الله عليه وسلم كما هي دلالة الأحاديث النبوية التالية:
ـ الحديث في صحيح مسلم " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمّر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال:"أغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكُفّ عنهم ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكُفّ عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكُفّ عنهم فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك فإنكم أن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا.
الحديث في سنن ابن ماجه " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمّر رجلا على سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا فقال:" اغزوا باسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا ... وإن حاصرت حصنا فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيك فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيك ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أبيك وذمة أصحابك فإنكم إن تخفروا ذمتكم وذمة آبائكم أهون عليكم من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله وإن حاصرت حصنا فأرادوك أن ينزلوا على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أم لا .
الحديث في سنن الدارمي " ... وإن حاصرت أهل حصن فإن أرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه ، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أبيك وذمة أصحابك ، فإنكم إن تخفروا بذمتكم وذمة آبائكم أهون عليكم من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله ، وإن حاصرت حصنا فأرادوك أن ينزلوا على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ، ولكن أنزلهم على حكمك ، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا ؟ ثم اقض فيهم بما شئت.
قلت : وإن أكبر الفقه ورأس العلم ذلكم الفقه الأكبر الذي يهدي إليه الحديث النبوي ولعل منه الفقه التالي :
1.  أن الحديث والتكليف النبوي"اغزوا بسم الله في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله":إنما وقع على السرايا والبعوث التي بعثها النبي الأميّ صلى الله عليه وسلم وهكذا كان غزوهم باسم الله الذي كلّفهم بها على لسان النبي صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله أي أن الله هو الذي أذن لنبيه بإرسال تلك السرية بذاتها إلى العدو المعلوم المخصوص، أما سائر الصحابة فلم يكونوا مأذونين بذلك الغزو والبعث.
2.  أن تلك السرايا المخاطبة بهذا الحديث كانت كلها قبل فتح مكة بقرينة الحديث " ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين" وهي دعوتهم ـ باسم رسول الله الذي أرسل تلك السرية ـ إلى الهجرة في سبيل الله،أما بعد فتح مكة فقد انقطعت الهجرة في سبيل الله كما هو معلوم من الأحاديث النبوية.
3.  أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم قادة السرايا والبعوث عن الغدر والتمثيل وقتل الولدان لن يجتمع بحال من الأحوال مع شرعية العمليات الانتحارية التي تقع على حين غفلة من الناس أي غدرا بهم قبل دعوتهم إلى الإسلام أو الجزية لو كانوا غير مسلمين ويقع التمثيل من أصحاب العمليات الانتحارية بأنفسهم وبغيرهم من الناس ومنهم المسلمون والولدان ومن لا ناقة له ولا جمل ويقع فيها قتل الولدان الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم قواده وسراياه .
4.  أن أمراء جيوش النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه ليس لهم شرعا أن يجعلوا لعدوهم ذمة الله وذمة نبيه في معاهداتهم ويعني أن غيرهم من المتأخرين أحرى أن لا ينال هذه المرتبة.
5.  أن أمراء جيوش النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه ليس لهم شرعا أن ينزلوا من استسلم على حكم الله بل نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم صراحة عن ذلك لأنهم لا يدرون أيصيبون فيهم حكم الله أم لا ؟ وذلك أن حكم الله ورسوله وعهد الله ورسوله لا يستطيع إيقاعه على قوم مخصوصين غير رسل الله الذين تلقوا الوحي من الله.
6.  أن خواص المسلمين عبر التاريخ بعد الصحابة العدول لن يستطيعوا إيقاع القتال في سبيل الله ولا الحكم بحكم الله في قوم مخصوصين وعدو معلوم فما بالنا بقادة التنظيمات السرية الجهادية الذين يرسلون منفذي العمليات الانتحارية ويفتونهم ـ تقوُّلًا على الله بغير علم ـ أنهم في سبيل الله وفي الجنة.
7.  أن الخطأ المنهجي الذي وقع فيه التراث الإسلامي أي المصنفون من المحدثين والفقهاء والمفسرين أنهم جعلوا لكل أمير أو ملك أو سلطان أو خطيب مسجد نفس صلاحيات النبي صلى الله عليه وسلم وأن يخاطب أمراء الجند بنفس ما خاطب به النبي الأمي صلى الله عليه وسلم أمراء جيوشه وسراياه "اغزوا بسم الله في سبيل الله فقاتلوا من كفر بالله"، بل زاد هؤلاء بقتالهم من آمن بالله واليوم الآخر.
8.  أن الخطأ المنهجي الذي وقع فيه قادة المنظمات الجهادية أنهم جعلوا لأنفسهم ما للنبي صلى الله عليه وسلم من بعث الجيوش والسرايا ومن إيقاع الغزوات في سبيل الله وباسم الله مع فارق أنهم أفتوا أنفسهم وأفتوا متبوعيهم بمخالفة نهي النبي الأمي صلى الله عليه وسلم عن الغدر والتمثيل وقتل الولدان، فوا عجبا أيحسبون أنهم أهدى من النبي الأمي صلى الله عليه وسلم.
9.  إن الخصلتين الدعوة إلى الإسلام أو الجزية قبل الخصلة الثالثة التي كلف بها النبي صلى الله عليه وسلم أمراءه أن يدعوا إليها من كفر بالله لن تجتمع بحال من الأحوال مع العمليات الانتحارية التي تعتمدها المنظمات الجهادية المعاصرة إذ تعني يوم يلتزمونها أنهم قد أصبحوا طائفة أو جماعة معلومة ظاهرة مقاتلة وهو ما يتعارض مع وضعيتهم كمنظمات سرية وهو ما لا يتأتى إلا لمجموعات مقاتلة تأوي إلى سلطان ظاهر غير مستتر.
إن إنفاذ بعث أسامة بالجيش بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لمن الجهاد في سبيل الله إذ أمر به النبيّ صلى الله عليه وسلم في حياته.

فقه النبوة في المرحلة الثالثة مرحلة التمكين
إن من هدْيِ النبوة في مرحلة التمكين الحديث المكرر والمتفق عليه في الصحيحين ولفظه:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على الله"
والحديث المتفق عليه فيهما ولفظه:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله"
والحديث المتفق عليه فيهما ولفظه :"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله "
ولقد أجمع على صيغة "أمرت أن أقاتل" كل من سنن أبي داوود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي وصحيح ابن حبان وابن خزيمة ومستدرك الحاكم ومسند أحمد وأبي يعلى الموصلي وسنن سعيد بن منصور ومصنف عبد الرزاق والبحر الزخار مسند البزار وسنن البيهقي الكبرى وشعب الإيمان والدارقطني بأسانيدهم المختلفة.
ويعني اتفاق الرواة والمحدثين على صيغة "أمرت " بتاء المتكلم المضمومة أن النبيّ الأميّ صلى الله عليه وسلم هو المأمور بقتال الكفار على الإسلام، ولم تتضمن الروايات المتعددة إيقاع التكليف على جماعة المسلمين مثل قولنا ( آمركم أن تقاتلوا الناس حتى ...) أو قولنا ( إن الله أمركم أن تقاتلوا الناس حتى ...) وهو ما خلت منه روايات الحديث النبوي رغم تعدد أسانيدها ومتونها.
إن المأمور بمقاتلة الناس هو النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إذ وقع عليه الأمر من الله بالوحي إليه.
وإن صيغة الخطاب بالأمر في هذا الحديث لأكثر من دفع الظلم الذي نزل به حرف الحج بل قد نزل بعد تجاوزه مرحلة الدفاع أي بعد انقضاء غزوة الأحزاب ودخوله مرحلة التمكين التي تعني أنهم أصبحوا يَغزُون بالتسمية ولا يُغْزَوْن بالتجهيل ويومئذ خوطب النبي صلى الله عليه وسلم أن يقاتل الناس بصيغة المفاعلة أي يقاتل الناس الذين يقاتلونه وإلا لكان الأمر إليه بقتل الناس أي من غير مقاتلة منهم حتى يقولوا أو يشهدوا أن لا إلـه إلا الله وأن محمدا رسول الله وهو ما خلت منه جميع الروايات في الحديث النبوي الصحيح كما لم يكن في تفصيل الكتاب المنزل أمر وتكليف من الله بقتل الناس حتى يقولوا لا إلـه إلا الله ...بل لقد تضمن تفصيل الكتاب المنزل قوله ﴿قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بيّنة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعمّيت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون﴾ هود، وهو من قول أول الرسل نوح يخاطب قومه وكذلك جميع الرسل والنبيين بعده ومن المثاني معه قوله ﴿لا إكراه في الدين﴾ البقرة، وهو من التشريع المنزل على خاتم النبيين الأمي صلى الله عليه وسلم.
ولن يجتمع هذا الإنصاف من رب العالمين مع تكليفه عباده المسلمين بقتل كل كافر، ومتى أكره النبي الأمي صلى الله عليه وسلم في حياته أحدا على الشهادتين ؟
وإن من دين الله الذي ارتضى لعباده أن لا إكراه في الدين وأن أذن لنبيه بقتال الذين يصدون عن سبيل الله.
إن روايات الحديث لتجتمع على لفظ "أمرت أن أقاتل" بضمير المتكلم في الفعلين مما يعني وقوعه على النبي صلى الله عليه وسلم ولن يتخلف الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه كما في قوله ﴿ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه﴾ التوبة، أي لن يتخلفوا عن الغزو معه أو طاعته في المسير مع بعوثه وسراياه أما بعده فلم يشملهم التكليف الذي يختلف عن مقتضى تأويل المتأولين (أمرت أن نقاتل الناس) بإسناد فعل المقاتلة إلى جماعة المتكلم وعصبته أو الشاهدين تنزل الخطاب.
وكذلك تختلف روايات الحديث المجمعة على صيغة "أمرت أن أقاتل" عن مقتضى تأويل المتأولين (أمرت أن يقاتل الناس) بصيغة التجهيل في فعل المقاتلة وهو ما يتمسك به الجهاديون اليوم لو سلم لهم قتلُ المعصوم دمه وماله من المسلمين غير المقاتلين .
إن الروايات المجتمعة للحديث على صيغة "فمن قال لا إلـه إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه" لتوبق الجهاديين الانتحاريين الذين سفكوا ويسفكون دماءهم ولم يسعهم ما وسع النبي صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه في الحديث النبوي "فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها" بل سفكوا واستحلوا دماء العوام الأبرياء من المسلمين الذين هم مستضعفون ولا حول لهم ولا طول ولا يستطيعون حيلة ولا سبيلا وكان الواجب نصرتهم بدل قتلهم والتمثيل بهم بالعمليات والتفجيرات. 
وأشفق على هؤلاء أن يخاصمهم يوم الدين عشرات الآلاف من المسلمين الذين يشهدون أن لا إلـه إلا الله وأن محمدا رسول الله ولم يكونوا مقاتلين بل تمزقت أشلاؤهم بما أصابهم من تمثيل الانفجارات والعمليات الانتحارية التي شهد عليها الأثير في جزيرة العرب والشام والعراق والمغرب والجزائر وباكستان والأفغان وغيرها من أطراف الأرض، ويحسب قادة المنظمات الجهادية أنهم يحسنون صنعا. 
وليتهم يتأولون بعلم قوله ﴿ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرّة بغير علم﴾ الفتح، وهو صريح في حرمة دم وعرض الذين يكتمون إيمانهم في مكة في السادسة من الهجرة هو الذي فرض على النبي صلى الله عليه وسلم صلح الحديبية ومنعه من دخول مكة  عنوة لئلا  تنتهك ـ بغير علم ـ دماء وأعراض الذين يكتمون إيمانهم فتصيب الصحابة المعرة عند الله يوم الحساب، ولن تصح إذن شرعية السيارات المفخخة ولا العمليات الإنتحارية التي يقتل فيها المنتحر نفسه ليتعدى حدود الله ومنها قوله ﴿ولا تقتلوا أنفسكم﴾ النساء، ويقتل فيها من يكتم إيمانه ومن يعلنه.
إن منفذي العمليات الانتحارية هم من يقع عليهم الحديث النبوي في الصحيحين عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان فيمن كان قبلكم رجل به جُرح فجزع فأخذ سكينًا فحزّ بها يده فما رقأ الدمُ حتى مات قال الله تعالى:"بادرني عبدي بنفسه حرّمت عليه الجنة"
وفي الصحيحين أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجّأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا،ومن شرب سمًا فقتل نفسه فهو يتحسّاه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا ومن تردّى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدً" وفي رواية للبخاري "الذي يخنُقُ نفسه يخنقها في النار والذي يطعن نفسه يطعنها في النار".




2 .قتال شرعي
إن قتال الصحابة بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم الذين يلونهم من الكفار هو شرعي لقوله ﴿يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار﴾ التوبة، ومن المثاني معه قوله ﴿قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون﴾ الفتح  
ولم يتضمن تفصيل الكتاب المنزل وصف هذا القتال في حرفي التوبة والفتح بأنه في سبيل الله لتأخر نفاذه عن حياة النبي صلى الله عليه وسلم .
وإن من تفصيل الكتاب المنزل أن ﴿الذين آمنوا﴾ حيث وقعت في الكتاب فإنما هم صحابة النبي أو الرسول الذين آمنوا به إيمانا مستأنفا.
أما صحابة نوح فهم الموصوفون في قوله:
ـ ﴿وما أنا بطارد الذين آمنوا﴾ هود
ـ ﴿وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن﴾ هود
ـ ﴿وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل﴾ هود
وأما صحابة هود فهم الموصوفون في قوله ﴿ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ﴾ هود.
وأما صحابة صالح فهم الموصوفون في قوله:
ـ ﴿ قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم﴾ الأعراف
ـ ﴿فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ﴾ هود
ـ ﴿ وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون﴾ النمل
ـ ﴿ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون﴾ فصلت
وأما صحابة شعيب فهم الموصوفون في قوله:
ـ ﴿ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به﴾ الأعراف
ـ ﴿قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا﴾ الأعراف
ـ ﴿ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا﴾ هود
وآمن لوط بإبراهيم كما في قوله ﴿فآمن له لوط﴾ العنكبوت.
وأما صحابة موسى فهم الموصوفون في قوله:
ـ ﴿قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم﴾ غافر
ـ ﴿فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه﴾ يونس
ـ ﴿وقال الذي آمن﴾ مكررة في غافر
وأما صحابة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم فهم الموصوفون في قوله:
ـ ﴿لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم﴾ التوبة
ـ ﴿ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى﴾ التوبة
ـ ﴿إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهـذا النبي والذين آمنوا﴾ عمران
أما المؤمنون فهم أعم من صحابة الرسول أو النبي إذ يقع لفظ المؤمنين على الرسول والذين آمنوا معه كما في قوله ﴿ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين﴾ الروم، ويقع على الصحابة كالذين آمنوا كما في قوله ﴿إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون﴾ الحجرات، ولتسميتهم بالمؤمنين رد على الذين يزعمون أنهم مؤمنون ويتخلفون عن الرسول يرغبون بأنفسهم عن نفسه، ويقع على المؤمنين من الأمة الذين لم يدركوا النبي صلى الله عليه وسلم ابتداء من التابعين للصحابة فمن يأتي بعدهم ...
إن المخلفين من الأعراب قد دعاهم أبو بكر وعمر إلى قتال أهل الردة بعد حياة النبي صلى الله عليه وسلم  وتلك دلالة قوله ﴿قل﴾ في القرآن دون سائر الكتاب وبينت في تأصيلي التفسير وقوعها في القرآن خاصة دون الكتاب على حوادث لن تقع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وإنما بعده في أمته، ولا يخفى أن المخلفين من الأعراب هم المخلفون عن جهاد النبي صلى الله عليه وسلم في حياته الذين لم يلتحقوا به وإنما دعاهم بعده أبو بكر أما بعد جيل الصحابة فقد مضى وانقرض المخلفون من الأعراب.
ولم يخاطب الكتاب  جماعة المسلمين  بقتال بعد جيل الصحابة إلا قوله ﴿وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله﴾ الحجرات، ويعني أن لجماعة المسلمين أن تقاتل الفئة الباغية بعد الصلح على طائفة أخرى من المؤمنين،و كان قتال جماعة المسلمين الفئة الباغية شرعي مأذون به في الكتاب المنزل ولكن ليس من القتال في سبيل الله كما هي دلالة تجريده من الوصف بسبيل الله.
أما قتال الدولة الأموية فما بعده ـ إلا ما كان دفاعا في ظل سلطان مسلم ـ فليس شيء منه شرعيا فضلا عن وصفه بأنه في سبيل الله ولا يخفى فقه عمر ابن عبد العزيز رحمه الله إذ أوقف المد الإسلامي بالحملات العسكرية لما تسلم السلطنة.

3 .قتال الدفع
أما الدفع كما في قوله ﴿وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا﴾ عمران، ومن المثاني معه قوله ﴿وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هـذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا﴾ النساء، فليس من القتال في سبيل الله إذ غاير بينهما وإنما هو سلوك الذي يقاتل حمية ، وهـكذا ندب إلى المنافقين فعله للدفاع عن المدينة في غزوة أحد كما في حرف آل عمران ولتخليص المستضعفين في مكة كما في حرف النساء لما أعرضوا عن القتال في سبيل الله أي طاعة لله ورسوله.
وإن من الدفع قتال صلاح الدين الأيوبي في ظل دولته إذ دفع عن شعبه صولة الصليبيين وقتال قطز في ظل دولته إذ دفع عن شعبه صولة التتار ولم أستكمل نماذجه عبر التاريخ.
إن قوله :
ـ ﴿ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ﴾ الحج
ـ ﴿ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين ﴾ البقرة
ليعني أن من نعمة الله وفضله على العالمين أن أذن للناس كل الناس في العالمين وهم أعم من المسلمين أي أذن لليهود والنصاري والصابئين والمسلمين أن يدفع كل منهم اعتداء الآخر عليه ولتحفظ دور العبادة لأهل كل دين وهي الصوامع والبيع والصلوات والمساجد من الهدم واعتداء الغزاة المعتدين، وقد وقع الإذن في السورتين في سياق اعتداء الغازي المحتل وهو اعتداء جالوت وجنوده في حرف البقرة وهو اعتداء الأقوياء الذين يقاتلون ـ بالتسمية ـ الضعفاء ظلما في حرف الحج.
والحرفان من الخطاب الجماعي أي للشعوب التي تتعرض للاحتلال والقهر ، ولا يقع الخطاب فيهما على الأفراد كما يأتي تحقيقه قريبا.

قتل تقوم به الجماعة ضد فرد منها أو عصابة جزاء شذوذ أو محاربة
ولو لم تحصل مقاتلة

إن من فقه جماعة المسلمين في كل عصر ومصر أن تعصم دم كل فرد منها ولا تسفكه إلا بحق يبيح لها قتله كما هي دلالة الحديث النبوي :"لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والمفارق لدينه التارك للجماعة (عن ابن مسعود مرفوعا) في الصحيحين وفي سنن أبي داوود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم ومسند أحمد وأبي يعلى الموصلي والبحر الزخار مسند البزار.
وهو صريح في القتل على هذه الخصال ولو لم تحصل مقاتلة من أصحابها غير أنه من التشريع الجماعي في الكتاب المنزل للمجتمع المدني المسلم.
ولن يقوم الإحتجاج به للأفراد إذ لم يأت في الكتاب المنزل تكليف فرد بقتل فرد ولا جماعة، وإنما جاء في الكتاب تكليف الجماعة المسلمة بقتل فرد شذّ أو حارب كما في قوله ﴿ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق﴾ الأنعام والإسراء، في خطاب الجماعة المسلمة لا في خطاب الفرد وإنما بيان قتلها بالحق هو ما بيّنه الكتاب وبيّنه النبي صلى الله عليه وسلم بحديثه.
أما غير الثيب الزاني والقتل للقصاص والمحارب المفارق للجماعة التارك لدينه فإذا قتلته الجماعة فإنما ظلما وعدوانا منها على الفرد.
ولا يخفى نزول حرفي الأنعام والإسراء في مكة قبل قيام الدولة النبوية في المدينة ولكن الجماعة المسلمة المخاطبة بهذا التكليف لم توجد في مكة البتة قبل الهجرة وإنما وجدت ونشأت وكان لها سلطانها الذي اكتسبت به صفة الجماعة في المدينة، وظلت الجماعة المسلمة بعد قيامها في المدينة لا تعلم دلالة قوله ﴿بالحق﴾ الذي يجعل لها سلطانا أي حجة من الله بقتل فرد منها شذّ أو حارب حتى نزل حد الزاني المحصن بعد غزوة الأحزاب وتجاوز الدولة مرحلة الدفاع ونزل الإذن بالقصاص في البقرة والمائدة ونزل حد الحرابة في المائدة في السابعة للهجرة.
ولم يوصف قتل الجماعة فردا شذَّ أو حارب بأنه ﴿في سبيل الله﴾ فظهر أن للمؤمنين بعد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتمثلوا القيام بالحدود إذا كان لهم جماعة وسلطان أي تمكين في الأرض إذ لم يوصف قطع يد السارق وجلد الزاني والقاذف والقصاص بأنه ﴿في سبيل الله﴾ وتجردت جميع الحدود من هذا الوصف، وكما هي دلالة الحديثين "لا يحل" أي لا يحل للجماعة قتل الفرد إلا بإحدى ثلاث.
ولقد تأخر الإذن بالقصاص منذ قتل ابن آدم الأول بيد شقيقه الخاسر إلى أن أنزلت التوراة على أول مجتمع مدني مسلم بعد هلاك فرعون، أما قبلهم فلم توجد على ظهر الأرض جماعة مسلمة إذ لم يتجاوز الناجون مع الرسل بالآيات كنوح وهود وصالح ولوط وشعيب العد بالأصابع، وتلك دلالة قوله ﴿من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس حميعا ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا﴾ المائدة، بعد تلاوة نبإ ابني آدم بالحق  على هـذه الأمة، ودلالة قوله ﴿وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص﴾ المائدة، ويعني فرض القصاص في التوراة، أما قبلها فلم يوجد تشريع جماعي كما حققت.

الحرابة : وهي الاغتيال غدرا من مجموعة مختفية أو فرد منها
ضد الجماعة

إن الحرابة هي ترويع أو إرهاب أبناء السبيل وغيرهم بقطع الطريق عليهم وقتلهم أو قتالهم لسفك دمائهم أو للاستيلاء على أموالهم، وهي من الإفساد في الأرض ولا يقوم بها إلا من خرجوا عن المجتمع والسواد الأعظم من الناس أي هي سلوك الشواذّ عن الجماعة.
فإن كان هذا السلوك ممن يعتقد أنه يحسن صنعا وأنه من المجاهدين الصابرين المحتسبين فتلكم الفتنة الكبرى التي تجعل الحليم حيران والله المستعان.
ولأنني لا أدعي موافقة الحق وإنما البحث عنه ولا أتهم قادة المنظمات الجهادية في المقاصد والنيات فإني أرجوهم قراءة الأحاديث النبوية التالية والإجابة عن تساؤلاتي:
الحديث الأول:متفق عليه في الصحيحين:بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فاستعمل عليها رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه فغضب فقال أليس أمركم النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني قالوا بلى قال فاجمعوا لي حطبا فجمعوا فقال أوقدوا نارا فأوقدوها فقال ادخلوها فهمّوا وجعل بعضهم يمسك بعضا ويقولون فررنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من النار فما زالوا حتى خمدت النار فسكن غضبه فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة الطاعة في المعروف"
ومن مكررات البخاري وفيه "لو دخلوها لم يزالوا فيها إلى يوم القيامة وقال للآخرين لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف".
الحديث الثاني:"وإن حاصرت حصنا فأرادوك أن ينزلوا على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك،فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا؟ ثم اقض فيهم بما شئت" وتقدم سياقه.
والتساؤلات هي :
1.  أرأيتم جدلا لو كانت جهودكم وجهادكم في هذه المرحلة وعملياتكم الانتحارية ليست من المعروف في الكتاب المنزل والأحاديث النبوية أفلا تكونون قد جعلتم أنفسكم ومتبوعيكم كمثل الذين أرادوا أن يدخلوا النار التي أمرهم أميرهم الصحابي الجليل عبد الله بن حذافة السهمي وهو أمير سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أفتاهم يوم رجعوا إليه بأنهم لو دخلوا النار التي كلفهم أميرهم الدخول فيها لكانوا من المعذبين في نار اليوم الآخر ؟
2.    أرأيتم من لا يستطيع شرعا أن ينزل عدوه على حكم الله هل يتأتى له إعلان الجهاد والقتال في سبيل الله ؟

نواكشوط 22/6/2013م
الحسن محمد ماديك
مدير معهد دراسات المصاحف والقراءات في موريتانيا
صاحب مدرسة في التفسير والقراءات وفقه المرحلة


0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Top