قد ابْتِليَ كبارُ القُراء وخيارهم في عصرنا الحاضر بكل مشغلة عن التدبُّر والتفكُّر والتذكُّر كأنما يحسبون القرآن أنزل لأجل مراعاة قواعد التجويد، وليتهم يكتفون بمراعاتها بدل تحريفها واتخاذ الأخطاء الأدائية ركنا من أركان التجويد والتلاوة والأداء، والواقع والوصف الصادق أن تلك الأخطاء الأدائية قد كثُرَت واشتهرت واستفاضت وتواترت حتى أَلحقَها بالترتيل والتحقيق خواصُّ القراء والمقرئون والمشرفون على المسابقات القرآنية فقصموا ظهر الأداء وعقروا التلاوة.
ومن تلك الأخطاء الأدائية:
أولا: إتمام السكون الـمَخْفِيِّ، أما تمكينه بالتوسط أو الإشباع فهو اللحن القبيح الـممجوج الـمسترذل ويأباه لسان العرب ذلكم أن إخفاء الحركة واختلاسها وصفان متقاربان كما أجمع عليه كثير من المصنفين من طرق الرواة مثل مكي بن أبي طالب في كتابه التبصرة قال:"قرأ ورش لا تعدوا بالتشديد، ومثله قالون غير أنه أخفى حركة العين، وقيل اختلسها" اهـ، ومثل ابن الجزري في النشر "وَالِاخْتِلَاسُ وَالْإِخْفَاءُ عِنْدَهُمْ وَاحِدٌ وَلِذَلِكَ عَبَّرُوا بِكُلٍّ مِنْهُمَا عَنِ الْآخَرِ كَمَا ذَكَرُوا فِي أَرِنَا، وَنِعِمَّا، وَيَهْدِي، وَيَـخَصِّمُونَ" اهـ
ولكأنّ أهل الرواية والدراية قديما وحديثا استعملوا الاختلاس للتعبير عن نقصان حركة الحرف بالكسر أو الضم أو الفتح.
ولكأنّ أهل الرواية والدراية قديما وحديثا استعملوا الإخفاء للتعبير عن نقصان السكون احترازا من إتمامه كما في إخفاء النون الساكنة والتنوين قبل الأحرف المعلومة التي يصح الإخفاء قبلها.  
ويمتنع روايةً ودراية ولغة إتمامُ الحركة المختلسَةِ ومثالها اقتصار طرق المغاربة لقالون وأبي عمرو وشعبة على اختلاس كسرة العين في (نِعِمَّــا) أما توسيطها أو إشباعها فهو الفلسفة والتحريف الممجوج القبيح.
ويمتنع رواية ودراية ولغة إتمام سكونِ الحرف المخفيِّ ومثاله إخفاء التنوين والنون الساكنة في الكلمتين (إِن كُنـتُــم) حال وصلهما، ولو صح إتمام السكون لكانت النونُ الساكنة في الموضعين مظهرةً كما في (يَنْـهَوْنَ) وفي (عَلِيمٌ خَبير) حال وصل الصفتين.

وظهرت هذه الحقيقة لنا نحن العامَّةُ وتغافل عنها رغم عِلمهم بتفاصيلها أئمةُ الحرمين وكبار القراء في العالم الإسلامي والمشرفون على تصحيح التلاوة وعلى المسابقات الدولية وسادة الإقراء في كلية القرآن في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية حرصا منهم على عدم مخالفة المألوف الذي اشتهر وذاع فكانت مسايرةُ الباطل أهونَ عندهم من الجهر بإنكار المدِّ المتولّد من توسيط السكون وإشباعه تماما كما أنكره الشيخ البنَّا في إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر قال: "يجب على القارئ أن يحترز من المدِّ عند إخفاء النون نحو (كنتم) وعند الإتيان بالغنة في النون والميم في نحو (إنّ الذين) و (إمّا فداء) وكثيرا ما يتساهل في ذلك من يبالغ في إظهار الغنة فيتولّد منها واو وياء فيصير اللفظ (كُـــــــونتم) (إِيــــــنْ) (إِيـــمَّـا)وهو خطأ قبيح وتحريف" اهـ في باب أحكام النون الساكنة والتنوين.
يتواصل

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Top