بسم الله الرحمان الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد:
فإنّ الزكاة في مدلولها الخاص هي تكليفٌ جماعيٌّ بصدقَةٍ من الأموال يتزكَّى بها الْـمُنفِقُ فرَضَ اللهُ نِصابها ومقدارَها وحَصَر مَن تُصْرَفُ إِليهم وهي أخَصُّ مِن الإنفاق الذي هو الصّدقة اختيارا تكليفٌ فرْديٌّ يُتاحُ تـمَثُّلُه في كل وقت وعلى مَن يشاء الْـمُنفِق مِن غيْرِ حصْرٍ وأفضلُهُ إنفاق الطعام والكِسوة على ذِي القُرْبَـى والْـمِسكين واليتيم والأسير.
وعلى المجتمع المسلم تـمثُّلُ فريضة الزكاة في حالَتَيْهِ أي في ظلِّ الحاكِمِ المسلم الظاهر المتمكّن مِن تأمِينِ مَن يأوِي إليْهِ مِن المستضعفين والمظلومين، وحالةَ السّيْبَة والفتنةِ بانعدام الحاكم العامّ إذْ يلزم أهلَ الْـحَلِّ والعقْدِ الذين يلجأ إليهم العامّة لفضِّ نزاعاتهم ودَفْعِ الضُّرِّ عنهم من خَواصِّ كل مجتمع مسلم الإشرافَ على أَخْذِ الزكاة الفريضة من الأموال وإيتاءَها مُستـحِقِّيها الثمانية.
وتُعتبر الزكاةُ الفريضة ونافِلتُها الإنفاقُ رُكْنًا من أركان سِلْمِ المجتمع بقرينتيْن:
إحداهما: ما تفرضه مِن الأمْنِ الغذائي بإنصاف الفقراء والمساكين وبـما تفرضه مِن تـحرير الرقاب وفكاكِ الأسرى ومِن إغاثَة ابن السّبيلِ الملهوف.
وثانيهما: سعادةُ الْمُؤتِـي الزَّكاةَ والْـمُنفِقِ بِتمَثُّلِ التكليف طواعيةً تقرُّبًا إلى اللهِ وطمعا في الرحمةِ وكذلك دلالة قوله تعالى ﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّـخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ﴾ [براءة 99].
وأمّا الضريبة والجباية فهي مبْلغٌ نقديّ تفرضه الحكومة على الأفراد والمؤسسات بذريعة دعم تمويل نفقات الدولة على القطاعات العموميّة كالتعليم والأمن والبُنَـى التحتيّة.
وتتميّز الضريبة والجباية بالسلبيات التالية:
أولا: أنّ الفقراء والمساكين هم المتضرر الأكبر من الضريبة على السِّلَعِ والموادّ الغذائيّة وفواتير الماء والكهرباء والاتصال والنقل.
وثانيهما: أنّه لا يترتّبُ على النظام الضريبي والجِبائي أي حقٍّ للأفراد ولا للمؤسسات.
وثالثها: شعور الفرد والمؤسسات بأنّ الضريبة والجباية جِزْيةٌ ومَغرَمٌ يُنْتزَع كُرْهًا وجَبْريّةً كما في قوله تعالى ﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّـخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ﴾ [براءة 98] ويعني أنّ بَذْلَ الْـمَالِ كُرْهًا يقترن بالشعور بالمغْرَمِ وينشأ به التّربُّصُ بالنظام السياسيِّ أي هو سببٌ من أسباب الثورات الغوغائيّة وشماتة العامة بسوء مُنْقَلَبِ الحاكم من العزِّ إلى الذُلِّ ومن الوُسْعِ إلى الضِّيقِ.
ورابعها: أنّ إعفاء الفقراء والمساكين والعجزة كالغارمين من النظام الضريبي والجبائي شرطٌ في جواز فرضهما على الأثرياء والمؤسسات الرِّبْحِيّة لتغطية نفقات التسيير والنفقات العامة في الدولة.
وتتقاطع الزكاة مع النظام الضريبي في هذه الفقرة إذ يُعْفَى الفقراء والمساكين والغارمون مِن النفقات العامة ومنها فريضة الزكاة.
ومِن تحريف الكلِمِ عن مواضعِه ونَقْضِ عُرَى الإسلام وظُلْمِ عامّة المسلمين استعمال فريضة الزكاة في تغطية نفقات النظام السياسي ومشاريعه التنموية العامة أي بتسويّة فريضة الزكاة بالنظام الضريبي والجبائي الوطني.
وإنّـما الزكاة للثمانية المعلومة، وظلّ سلوك الأنظمة السياسية منذ العهد الأموي مُنَفِّرًا طبقةَ الأغنياء مِن إيتاء الزكاة المفروضة للحاكم ليجعلها في مواضعها من مستحقِّيها الثمانية، وظلّ الحاكم قانِعا منذ العهد الأموي بأن يتكفَّل الأغنياء بصرْف زكوات أموالهم على مُسْتحقِيها من فقراء البلد، سلوكانِ شاذّانِ جعلا لبعض الوُعَّاظِ والدُّعاةِ الْـمُتَدِّرِين للإمامة سبيلا إلى فتنةِ العامَّة بإيهامِها أنّ لهم حقوقَ خُلفاء النبيِّ صلّى الله عيه وعلى ءاله في أمَّتِهِ ومنها الإذن بالجهاد وإعلان الخلافة...
وإنّـما قنع الحاكم منذ العهد الأموي عن الإشراف على توزيع زكاة الأغنياء على مستحقِّيها الثمانية أو بعضهم خشيةً منه مِن نبشِ النظام الضريبي والجبائي والجزية على أهل الذِّمَّة والفيْء والمغانم في الحروب.
وفي هذه المرحلة قد يجوز للحاكم المسلم إنشاء مؤسسة من الثقات الأمناء لجمع الزكاة الفريضة إذا ضُمِنَ الْتِزام الشروط الأربعة التالية:
أولا: إحصاء الفقراء والمساكين للإنفاق عليهم منها إنفاقا يُغطِّـي الغذاء والسكن والعلاج وتكاليفَ دراسةِ ناشئتهم وتمويل مشاريع صغيرة يتوكّأون عليها.
وثانيا: إدراج اللقطاء والمشرّدين ومَن اضطرّهم الفقر والحاجة إلى العمل في الخدمة المنزليّة ضمن مصاريف الزكاة المفروضة.
وثالثا: فكاك رقاب الأسرى والمخطوفين وتحرير مَنْ مَلَكَتْهُمْ أَيْمَانُ غَيْرِهِمْ بأموال الزكاة الفريضة.
ورابعا: أن لا يُصْرَفَ منها نقير ولا فِلْسٌ على نفقات الحكومة إذ ليستِ الحكومة ولا أي نظام سياسي أو إسلامي ضمن مصروفات الزكاة الثمانية.
وخامسا: أن لا تُـتَّخَذَ دَعْمًا للموارد الاقتصادية في الدولة نحو المعادن والنفط والغاز والبحر ...

ومِن الظلم الْـمُبين إغلاق المؤسسات الخيْرِيّة التي كانت تتكفّل ببعض نفقات 

الأيتام والفقراء قبل توفير البديل وإنَّـما يعني طغيانَ النظام السياسي بحِصار الفقراء 


والمساكين والأيتام والأرامل والعجزة يمنع عنهم الطعام والشراب والكِسوة 


والعلاج، فهَلَّا أبْقَى تلك المؤسسات الخيريّة وجعل عليها مُشرفين مـمّن لا


 يُحْسِنون الوضوء ولا يعلمون عدد ركعات صلاة الفجر لضمان ولائهم ووطنيّتِهم 


حسب بعض الموازين العرجاء.


وسأنشر قريبا إن شاء الله تعالى دراسة عن "الاقتصاد الإسلامي"
نواكشوط في 9 ربيع الثاني 1441 هـ
الحسن ولد ماديك
باحث في تأصيل القراءات والتفسير وفقه المرحلة

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Top