إنّ مقالة "الإسلام صالح لكل زمان ومكان" لحقيقةٌ ثابتة تَخفى دلالتُها على العوامِّ والخواصِّ، وكان الجهلُ بدلالتِها سببا في نشأة الصراع بين الإسلام السياسي والأنظمة الحاكمة المعاصرة وسببا في نشأة التطرّف والتنظيمات التكفيريَّةِ الجهاديّة المعاصرة.
إن المثاني في قوله:
ـ ﴿ولقد ضَرَبْنا للناس في هذا القرآن من كل مَثَل﴾ الزمر 27، والروم 58.
ـ ﴿ولقد صَرَّفنا في هذا القرآن للناسِ من كُلِّ مثَلٍ وكان الإنسانُ أكثرَ شيءٍ جدلًا﴾ الكهف 54.
ـ ﴿ولقد صَرَّفْنا للناسِ في هذا القرآنِ من كلِّ مَثَلٍ فأبى أكثرُ الناسِ إلا كُفُورا﴾ بني إسرائيل 89.
لتعني أن الإسلامَ صالحٌ لكل زمان ومكان إذ حوى القرآن مِثالا ومثَلا ونموذجا لكل حالة ومرحلة سيتعرَّضُ لها المسلم فأكثر منذ نزول القرآن إلى قيام الساعة، وحوى جميعَ المواقف التي وقَفَها وسيَقِفُها أعداءُ الدِّين من أهله إلى نهاية المستقر والمتاع في الأرض للإنسان.
وعلى كل مسلم أن يتمثَّل المَثَل الذي ضَرَبَ اللهُ له في القرآن:
فإن كان سجينا فقد ضَرَبَ اللهُ له مَثَل يوسفَ الذي شَهِدَ له صاحبا السِّجن بقولهما ﴿إنا نراك من المُحسِنين﴾ [يوسف 36].
وإن كان فردًا مسلما طليقا في أرض لا يُعبَدُ اللهُ فيها فقد ضرَبَ الله له مثَلَ إبراهيم الذي كان أمّةً وحدَه.
وإن كانت قلةٌ تخاف أن تُفْتَنَ عن دِينها فقد ضربَ الله لها مثَلا بأصحابِ الكهف الذين اعتزلوا مَن يَخافون فتنتَه وتركوه وشأْنَه.
وإن كانت جماعةٌ من المسلِمين لا سُلطان لعدُوِّهم عليهم فقد ضرَب اللهُ لهم مثَل بني إسرائيل بعد إغراق فرعون ومثَل المهاجرين والأنصار في المدينة النبويَّة قبل غزوة الأحزاب مخاطبون بالخطاب الجماعي المدني وبالدفاع.
وإن كان لجماعةِ المسلمين حاكِمٌ مُمَكَّنٌ في الأرض ظاهِرٌ غيرُ مخْتَفٍ ولا مُسْتَتِرٍ يتمكَّنُ مِن تأمينِ مَن يأوِي إليه مِن الخائفين فقد ضرَبَ اللهُ لهم مثَلَ داوود وسليمان وذي القرنين والنبيّ الأمّيِّ صلى الله عليه وعلى ءاله وسلم بعد غزوة الأحزاب وكانوا مخاطبين بتحرير الإنسان ليختار لنفسِه.
إن المسلم مخاطب بالتكاليف الشرعية وهو في إحدى وضعيتين أو مرحلتين لن يخلوَ منهما أحد:
ـ مرحلةُ الاستضعاف بانعدام الحاكمِ المسلم الظاهر غير المختفي المستتر.
ـ مرحلةُ التمكين في ظل الحاكم المسلِم الظاهر في الأرض القادر على تأمين مَن يأوِي إليه من المستضعفين وعلى إنصاف المظلومين. 
وإنّ أكبرَ الواجبات اليوم هي التّفرُّغُ لتحرير الإنسان من الأسْر ومن الفقر ومن الوصاية على تفكيره واختيارِه ودِينِهِ.
بقلم/
الحسن ولد ماديك
باحث في تأصيل القراءات والتفسير وفقه المرحلة

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Top