لعن
اللعنةُ في الدُّنْيَا: في تفصيل الكتاب المنزّل هي عقوبةُ الظّالِمين بِإبْعَادِهِمْ عَن الإيمانِ والتَّوبَة وأسْبَابِ الرّحمةِ عند انقضاءِ الأجَلِ في الدنيا.
ويوم كفرَ إبليسُ واستكبر عن السجود لآدم ووقعت عليه من اللهِ اللعنةُ إلى يوم الدِّين أخَذَ على نفسه عهدًا بإضلَالِ بني ءَادَمَ ويعني أنّ مِن أثَر اللعنةِ من الله عليه أن يتَّخِذَ من الناس نصيبا يَفتِنُهم عن الحق ويُضِلُّهم ويُمَنِّيهم ويأمرُهم بتَبْتِيكِ آذانَ الأنعام ويأمرُهم بتغيير خَلْقِ اللهِ، فيزداد إعراضا وابتعادا عن موجبات رحمةِ الله فلا يوفّقُ أبدا للتوبة والنجاة من العذاب.
ووقعتْ لَعْنةُ عادٍ بالعذاب الغليظ وهو الريح العقيم أُبْعِدوا بها عن رحمة الله التي نجّى بها هودا والذين آمَنوا معه، ويعني قوله ﴿وَأُتْبِعُوا فِـي هَـذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً﴾ [هود 60] أن عذابا غليظا بالريح العقيم كذلك سيُبعِد اللهُ به قوما آخَرين عن رحمته، ولم تَـهلكْ أمّةٌ بعد عادٍ الأولى بالريح العقيم إلى يومنا هـذا.
وأُبْعِدَتْ ثمودُ ومَدينُ عن رحمة الله بالصيحة كما في قوله ﴿أَلَا بُعْدًا لِـمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَـمُودُ﴾ [هود 95]
إن اللعنة التي أُتْبِعَها عادٌ هي من نبوة خاتم النبيين صلى الله عليه وعلى آله وسلم في القرآن وهي منتظرة ستحل بعادٍ الأخرى، وهم الذين سيُوافقون عادًا الأولى في أوصافهم كما في قوله ﴿أتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ ءَايَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَـخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾ [الشعراء 128 ـ 130] وسيقولون مِثْلَ قول سَلَفِهم كما في قوله ﴿وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ [فصلت 15] وستهلك عاد الأخرى بالريح العقيم.
وتضمًّن تفصيلُ الكتاب الْمُنزّل أنّ فرعونَ وجنودَه قد أُبْعِدوا بالإغراق عن رحمة الله التي نجّى بها موسى ومن معه، وإن اللعنةَ التي أُتْبِعَها قوم فرعون ـ كما في القصص ـ لمن نبوة خاتَم النبيِّين صلى الله عليه وسلم في القرآن وهي منتظرة إذ لم تقع بعدُ منذ نزل القرآن، وسيُغْرِق اللهُ خَلَف فرعون وجنودِه لتقع عليهم اللعنة التي أُتْبِعَها فرعونُ وجنوده.
أمَّا اللعنَةُ في اليوم الآخِرِ فهي العقوبةُ بالحِرمان من رحمة الرحمان وأسباب النجاة من العذاب في اليوم الآخرِ كما في قوله ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ  عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِـمُونَ قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ [الفلاح 107 ـ 108].
وفي اليوم الآخر على أبواب جهنم ستَكْفُرُ الأمَمُ المكذِّبةُ ببعْضِها ويَلْعَنُ بعضُها بعضا كما في قوله ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ [الأعراف38].
ويتمنّى الأتباعُ الْمُستضعفون يوم القِيامة أن يلعنَ اللهُ الظالمين المستكبرين لَعْنًا كبيرا يُبعدُهم عن الرحمة، ويتمنّى أصحاب الأعراف للظالمين لَعنةً تُبْعِدهم من الرحمة والنجاة، ولا ينتفعُ الظالمون بمعذِرتهم يوم الدِّين بل يلْعنُهُم الأشهاد وتقع عليهم لَعْنَةُ اللهِ فيُبلِسُون بالحرمان من رحمة الرحمان وأسباب النجاة من العذاب.
ومن الْمَلْعُونينَ في اليوم الآخِرِ: الذين يُؤذون اللهَ ورسولَه والمنافقون والمنافقاتُ والكُفَّارُ والذين يرمون الْمُحصنات الغافلات الْمُؤمنات.
ويشقَى في اليوم الآخر بلعنةِ والملائكة والنّاس أجمعين الذين شَهِدُوا أنّ الرسول حقٌّ أي عاصروا بِعثَتَه وتنزُّلَ الوحْيِ عليه والذين يكتمون ما أنزل ربُّنا من البيّنات والهدى في الكتاب المنزّل والله الْمُستعانُ.
بقلم الحسن ولد ماديك
من كتابي معاني المثاني
(معاني كلمات القرآن وحروفه ومضمراته)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Top